منهاج الكبار الأربعة والشراكة الوطنية.. ما الذي نريده من المدرسة؟

منهاج الكبار الأربعة والشراكة الوطنية.. ما الذي نريده من المدرسة؟


25/04/2019

تتمحور كل مناهج العالم حول ما تسمّى بمنهاج الكبار الأربعة، وهي اللغة المحلية والرياضيات والعلوم والاجتماعيات، وهذه المواد تشكل محور أي منهاج، وهي أساس المنهاج الرسمي المحدد بالوثائق الرسمية التي تصدرها الدولة، لذلك قد يبدو من السهل البحث عن منهاج عالمي، إذا تم الاتفاق على لغة عالمية وتاريخ عالمي، أما العلوم والرياضيات فهي عالمية بطبعها؛ فالكبار الأربعة تشكل أرضية مشتركة لمواطنة عالمية.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تصبح "السندويشات التربوية" بديلاً للكتاب المدرسي؟

يقال إنّ عدد المواد الدراسية والموضوعات المستقلة يفوق الآلاف، وفي هذه الآلاف حقائق ومفاهيم ومعارف ومهارات لا تقل أهمية عن محتويات الكبار الأربعة. فماذا نختار منها؟ وماذا نحذف؟ إنّ أنصار المواد الدراسية، والمنهاج القائم عليها يشعرون بتناقض كبير، خاصة وأنّ هناك معارف إنسانية واجتماعية وحتى عملية تفوق ما تطرحه هذه المواد الأربعة، ولذلك نراهم يناقشون ما يأتي:

إنّ تعلم المواد الدراسية انعكاس للمفاهيم التقليدية في التعليم والتي تشير لأهمية المعلومات ولدور المعلم الرئيسي في نقل المعلومات

وظيفة المدرسة هي نقل التراث الثقافي أو المحافظة عليه ولذلك لا بد من تعلم: الدين وهو من أهم عناصر التراث، اللغة وهي أداة الفكر ودعائه، وحاضنة الثقافة خاصة إذا اقترنت بالدين، والتاريخ هو سجل التراث الثقافي.

إنّ أهمية التراث تظهر في أنّه حقائق ثابتة وهذه الحقائق تتمثل في الدين واللغة والتاريخ، ولذلك ترى المدرسة المثالية، أنّ المنهاج ثابت وحقائقه ثابتة، ومن حق الأجيال الجديدة أن تعي تراث الأجيال القديمة. ولما كانت الحقائق ثابتة، فإنّ حفظ الطلبة لها أساس في تقدمهم المدرسي، فالمادة الدراسية هدف بذاتها.

هل نتعلم المادة أم نتعلم بالمادة؟

إنّ تعلم المواد الدراسية هو انعكاس للمفاهيم التقليدية في التعليم والتي تشير إلى أهمية المعلومات، وإلى دور المعلم الرئيسي في نقل المعلومات، وما يمتلكه من سلطة أو انفراده بسلطة المعرفة. ولذلك تكون الحياة الدراسية مرتكزة على المنهاج والمعلم، وليس على الطالب إضافة إلى روتينية الحياة المدرسية المملة للطلاب وامتلاء وقتهم بالدراسة والواجبات. فهذا المنهاج يرى أن المتعلم طالب وليس إنساناً له هوايات وأوقات حرة وصداقات، فالدراسة تملأ كل وقته وحتى وقت أسرته.

ترى المدرسة المثالية أنّ المنهاج ثابت وحقائقه ثابتة ومن حق الأجيال الجديدة أن تعي تراث الأجيال القديمة

أما التعلم بالمادة، فعلى خلاف ما سبق، تكون فيه المادة الدراسية وسيلة لا غاية. فنحن لا نتعلم المادة لأجلها بل لتقودنا إلى اكتساب مهارات حياتية. ولذلك يكون المنهاج المدرسي في هذا النطاق، مجموعة أهداف، يمكن أن تتحقق عبر أي مادة دراسية.

كما يمكننا تحقيق هدف كالصدق أو الدقة، من خلال تحليل موقف لغوي أو ديني أو علمي أو فني، فالمادة هنا أداة ووسيلة للوصول بالطلبة إلى الأهداف المنشودة. وإنّ تبني هذه النظرة من شأنه أن يغير دور المعلم من ناقل للمعلومات إلى مساعد للطلبة على إتقان المهارات. كما يغير طرق التدريس والامتحانات والحياة المدرسية بشكل عام، وبذلك تقل قيمة الحفظ والتذكر لحساب الوعي والفهم والتطبيق والابتكار. وهذا ينعكس إيجابياً على اتجاهات الطلبة نحو مدارسهم.

اقرأ أيضاً: جدلية التعليم .. لماذا يتعثر الإصلاح التربوي؟

فالمنهاج هنا لا يعتمد على المواد ولا يتأثر بوجود مادة أو موضوعات معينة أو غيابها، فلو كلفنا عدة لجان بتأليف كتاب في اللغة العربية مثلاً، لما وجدنا تطابقاً أو تشابهاً أو حتى تقارباً فيما يختارون من نصوص، فقد تركز إحدى اللجان على نصوص حديثة وأخرى على نصوص تراثية، وثالثة على نصوص تاريخية أو فنية أو علمية وغيرها، بينما يكون هدف جميع هذه الكتب هدفاً موحداً تماماً.

منهج علماء لا منهج مستهلكين

يتغير نمط المنهج بتغير النظرة إلى المتعلم. فهل المتعلم عالم أم مستهلك للمعرفة؟ وهل تتحدث مع الطلبة عن الموضوع أم نتحدث معهم في الموضوع؟

إنّ منهاج المعلومات والحفظ ينظر إلى الطلبة كمستهلكين للمعرفة ولذلك يطلب منهم الحفظ، واجتياز امتحان، ولذلك يتحدث منهج الفيزياء عن الفيزياء، ويقدم معلومات عن النظريات الفيزيائية ويتحدث منهج التربية الوطنية عن الوطن والمواطنة والديمقراطية. وهكذا يتحدث كل كتاب عن المادة وموضوعاتها بهدف معرفتها وحفظها.

اقرأ أيضاً: أسس بناء المقررات الدراسية.. كيف نصنع منهاجاً؟

أما منهج العلماء، فيتحدث مباشرة في الموضوع، فترى منهج الفيزياء يدرب على القياس والتجربة والدقة والمنطق ومنهج التربية الدينية يدرب على الوعي الديني والسلوك الديني فهذا المنهاج يتحدث في الموضوع لا عن الموضوع. ولذلك يبقى أكثر أثراً وتأثيراً وجودة وتقبلاً وفاعلية.

ويرتبط هذا المنهج بالمعايير وباستخدام المادة وسيلة لا غاية أو ما أسميناه "التعلم بالمادة وليس تعلم المادة"، ويقوم نهج المعايير على التحديد المسبق للنتاجات المطلوبة أو المستهدفة، مما يؤدي لتراجع قيمة المناهج كمجموعة معايير يكتسبها الطلبة في أثناء حياتهم المدرسية.

وبهذا تكون حركة المعايير أكثر الحركات انتشاراً في القرن الحادي والعشرين، ويرى المربون أن هذا المنهج كان نتيجة تقرير أعدته اللجنة الوطنية للتميز، والذي عرف بتقرير "أمة في خطر" عام 1983.

اقرأ أيضاً: منهاج عربي: هل هذا ممكن؟

إنّ المنهاج القائم على المعايير يوجه عملية التعليم، حيث يعرف المعلمون والطلبة إلى أين يتجهون، وما هو المطلوب منهم، وكان من نتائج ذلك وضع معايير لتعليم كل مادة، ومعايير لتعلم كل فصل دراسي. وارتبط ذلك بمعايير تقييم مدى التعلم، فنشأت اختبارات لقياس مختلف المعايير، وركزت على قياس مدى تحقق معايير القراءة والعلوم والرياضيات، وبذلك أهملت مواد أخرى عديدة كالفن والتاريخ والبيئة.

ولعل هذا ما يفسر أنّ اختبارات  "Timms"  تركز على العلوم والرياضيات واختبار "" Pissa يركز على القراءة، وبذلك صار يقصد بالتفوق التفوق في هذه المواد فقط، الأمر الذي تنبه له رواد المعايير في وقت لاحق.

ومن الطبيعي، أنّ أي منهج يقوم على المعايير، واستخدام المادة كوسيلة للوصول إلى المعايير هو منهج أكثر تطلعاً إلى المستقبل. صحيح أنّ إتقان المعايير قد يكون مؤقتاً وقد يقل هذا الإتقان بعد مغادرة الدراسة، الاّ أن بعض المعايير تبقى موجهة لمستقبل الطالب.

مدارس مختلفة

تعددت المدارس التربوية، وتعددت نظراتها إلى العملية التربوية، وأدوار المعلمين واستراتيجيات التدريس، كما تعددت نظراتها إلى المناهج. وسأحاول تقديم أبرز هذه الأفكار.

يتحدث منهج العلماء مباشرة في الموضوع فترى منهج الفيزياء يدرب على القياس والتجربة والدقة والمنطق

ترى المدرسة الأهلية القديمة أو الأزلية أن المناهج مجموعة مواد وموضوعات اكتشفها المجتمع مثل الدين والأخلاق، ومن حق الأجيال التعرف إلى هذه المواد. فالمعلم ينقل ويفسّر ويلقن، والطالب يحفظ ويمتحن، فالحقائق أبدية، لا تتغير إلّا في المظاهر والشكل. والمدرسة المثالية -أفلاطون- ترى أن المناهج تهدف إلى بناء العقل وهذا ما يجب أن يفعله المعلمون، يقدمون الحكمة والمنطق وعلى الطلبة الالتزام.

أما المدرسة الواقعية فهي ترى أنّ المناهج هي انعكاس لما يحيط بنا من ظواهر ونلاحظه بحواسنا، فالمدرسة هي الطبيعة وكما للطبيعة قوانين ثابتة تتحكم بظواهرها، فإنّ للمدرسة قوانينها، وعلى الطلبة الالتزام الشديد بهذه القوانين.

إنّ جميع المدارس الثلاث السابقة ترى أنّ المنهاج محدد مسبقاً وأنه يميل إلى الثبات شبه الكامل.

أما المدرسة الرابعة، فترى أنّ المنهاج متغير ويتكون من خبرات الإنسان وحركة الطبيعة والحياة. ولذلك تحتل مشكلات الحياة والعلاقات الاجتماعية البيئية ركناً أساسياً في المنهاج، وأن الطلبة من خلال التجربة والاكتشاف يطورون المعاني والمعارف التي يحتاجون إليها، وسميت هذه المدرسة بالمدرسة التقدمية أو التجريبية.

اقرأ أيضاً: نحو منهاج يُخرج تعليم اللغة العربية من جمود التقليد

والمدرسة الخامسة هي الوجودية التي تركز على حرية الفرد والاختيار، ويكون فيها هدف التعلم هو بناء شخصية الفرد أو بناء ذاته. ولذلك تحتل الفنون والفلسفة مكاناً بارزاً في هذا المنهج.

هذه هي المدارس فأي مدرسة نختار؟ وهل يمكن أن نكون انتقائيين، نأخذ الثبات من المدارس التقليدية والتغير من المدرسة والتجربة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية