التهديد بإغلاق مضيق هرمز والمغالطة المقصودة.. هذا ما تريده إيران

التهديد بإغلاق مضيق هرمز والمغالطة المقصودة.. هذا ما تريده إيران


29/04/2019

لا يُعرف على وجه اليقين ما إذا كان تصنيف "الحرس الثوري الإيراني" بأكمله، كمنظمة إرهابية، سيُغيّر قواعد اللعبة على الأرض في المنطقة. وتعمل القوات الأمريكية وقوات الحرس الثوري الإيراني، غالباً، بالقرب من بعضها، في أماكن عدة، خاصّة في الخليج العربي وبحر عُمان، إلى جانب الانتشار البرّي في العراق وسوريا، لكنّ الأمر مختلف في مضيق هرمز؛ إذ يتعين على الطرفين التواصل معاً بشكل مباشر، غالباً، لإدامة عملياتهما؛ فالحرس الثوري الإيراني (وليس الجيش الإيراني) يتولّى، منذ 1997، الإشراف الكامل على العمليات العسكرية والأمنية الإيرانية في الخليج العربي.

اقرأ أيضاً: هل تغلق إيران مضيق هرمز؟ وإلى مَن أوكلت المهمة؟

وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أشار إلى هذه الحقيقة بقوله: "يتعين على الأمريكيين الحصول على إذن من الحرس الثوري للعبور من مضيق هرمز"، في الواقع ظريف هنا يبالغ، الأمر ليس كذلك؛ ما يحدث هو مجرّد تنسيق عملياتي لا بدّ من القيام به لمنع الاحتكاك وتنظيم الحركة ليس إلّا.

المغالطات والألاعيب الإيرانية كانت وما تزال سبباً رئيساً في نفور العالم من النظام الإيراني، فطهران اليوم دولة بلا أصدقاء

أمس، نقلت وكالة أنباء "فارس" الناطقة باسم "الحرس الثوري" عن رئيس هيئة الأركان الإيراني، محمد باقري، كلاماً مشابهاً، يقول باقري: إنّ "القطع البحرية الأمريكية التي تجتاز مضيق هرمز ملزمة بالردّ، وتقديم إيضاحات للحرس، استمر الأمريكيون في هذا النهج حتى أمس، ولم نلحظ تغييراً في سلوكهم في مضيق هرمز".

هناك مغالطة متعمدة في تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن مضيق هرمز؛ إذ يحاول القادة الإيرانيون منذ مدّة الإيحاء بأنّ الولايات المتحدة تنوي منعهم من تصدير النفط، وهم في المقابل؛ أي في حال حدوث ذلك، يهددون بإغلاق مضيق هرمز في وجه صادرات النفط من باقي الدول المطلة على الخليج العربي، كان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أول من ربط بين الأمرين، بقوله: "لا معنى لاستمرار تصدير نفط المنطقة عبر مضيق هرمز إذا كانت إيران ستُمنع من تصدير نفطها"، كان ذلك قبل بضعة أشهر، ويوم أمس؛ قال رئيس هيئة الأركان، الجنرال محمد باقري: "لا نعتزم إغلاق مضيق هرمز إلّا إذا وصل مستوى السلوكيات العدائية إلى حدٍّ يُجبرنا على ذلك، إذا لم يمرّ نفطنا، فلا يجب أن يمر نفط الآخرين من مضيق هرمز أيضاً".

اقرأ أيضاً: القصة في مضيق هرمز لا في بيروت

والحالُ، أنّه لا أحد قال، أو يقول، بتاتاً، إنّه سيمنع إيران من تصدير نفطها إذا وجدت من يشتريه، فما تفرضه الولايات المتحدة على إيران "عقوبات اقتصادية"، وليس "حصاراً" بحرياً أو جوياً، ومعنى العقوبات الأمريكية واضحٌ، مفاده؛ أنّ "من يشتري نفط إيران، لن يكون بمقدوره التعامل اقتصادياً مع الولايات المتحدة"؛ بمعنى أنّ الولايات المتحدة تضع الدول والشركات بين خيارين: إما التعامل مع أمريكا، أو التعامل مع إيران، ولا تدع لها مجالاً لاختيار الاثنين معاً.

نعم، لقد اختلف الوضع الآن عمّا كان سائداً في الماضي، حينما صنّفت الولايات المتحدة "فيلق القدس" فقط كمنظمة إرهابية، عام 2007؛ فاليوم "الحرس الثوري برمّته في خانة التنظيمات الإرهابية، لكنّ ذلك لا يعني أنّ الولايات المتحدة ستستهدف عسكرياً القوات والوحدات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، بالطريقة نفسها التي استهدفت فيها عسكرياً المجموعات المصنّفة كمنظمات إرهابية، مثل تنظيمي القاعدة وداعش، لقد أوضحت الإدارة الأمريكية بشكل صريح، على لسان وزير خارجيتها، مايك بومبيو؛ أنّ الهدف النهائي من مجمل الضغوط الأمريكية؛ هو تغيير سلوك النظام الإيراني، لا إسقاطه، كما قال الممثل الخاص لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون إيران، ومستشاره الأعلى، براين هوك؛ بأنّ الهدف من تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية هو قطع مصادر تمويله.

اقرأ أيضاً: كم مرة هددت إيران بإغلاق "هرمز"؟!

أما في الجانب الإيراني، ورغم عمليّات الحرب النفسية الجارية، ما تزال وجهة النظر السائدة في طهران تقول إنّ التطوّرات الأخيرة ليست تمهيداً لنزاع عسكري بين إيران والولايات المتحدة، ويظلّ التقدير السائد هو أنّ الصراع مع الولايات المتحدة ليس في وارد التحول إلى صدام عسكري؛ بل ثمة إجماع في إيران على أنّه ليس لدى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الرغبة في إشعال صراع عسكري جديد في الشرق الأوسط، في الوقت الذي يستعد فيه للترشّح لإعادة انتخابه لولاية ثانية.

وتعتقد طهران أنّ تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وإنهاء الإعفاءات، إنما يأتيان كجزء من الحملة الأمريكية لممارسة أقصى الضغوط، غير العسكرية، على إيران.

اقرأ أيضاً: "الحرس" والنفط وساعة الصفر

كل ما سبق؛ يُظهر بوضوح أنه لا توجد نيّة لدى أيّ طرف لمنع إيران من "تمرير" نفطها عبر مضيق هرمز، وبهذا الفهم تكون التهديدات الإيرانية عمليّاً قد فرغت من أي محتوى ذي قيمة؛ لأن إيران بربطها بين الأمرين (منعها من تمرير نفطها، وتهديدها بالمقابل بإغلاق المضيق)، عملياً، لا تهدّد بشيء، لكن لماذا تلجأ طهران إلى مثل هذه المغالطة؟ ولماذا تكررها على لسان معظم مسؤوليها؟ وكيف إذاً نفسر تصريحات مثل قول الجنرال محسن رضائي: إنّ "الشرق الأوسط سيكون منطقة خطر للقوات الأمريكية بعد هذا الحدث (تصنيف الحرس كمنظمة إرهابية)، وإنّ البوارج الأمريكية ستكون في خطر لو مرت بالقرب من بوارج الحرس الثوري"؟

ببساطة؛ تريد طهران خلق أجواء تشي بالتهديد، دون القيام به عملياً؛ لأن التهديد مفيد لطهران؛ سواء من ناحية تأثيره على أسواق النفط، أو من ناحية التأثير على الروح المعنوية في الداخل، والإيحاء لمواطنيها، بأنّ النظام ما يزال قوياً، وأنه يقارع القوى الدولية، وبالفعل؛ فقد ارتفعت أسعار النفط عالمياً متأثرة بالأجواء النفسية المصاحبة للتوتر الجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ولا داعي لشرح المصلحة الإيرانية في رفع أسعار النفط، سواء على مستوى الضغط على الرئيس ترامب في الداخل الأمريكي، أو على مستوى تحسين العائدات.

تريد طهران خلق أجواء تشي بالتهديد؛ لأنه مفيد لها من ناحية تأثيره على أسواق النفط أو الإيحاء لمواطنيها بأنها قوية

لقد زار وزير النفط الإيراني، بيجن زنكنه، موسكو، لمناقشة سُبل التعاون مع الروس حول سبل الحفاظ على ارتفاع أسعار النفط، وأبدت طهران قلقاً خلال الزيارة من رغبة موسكو الدفع باتجاه وضع نهاية للاتفاق القائم بين كبار منتجي النفط، والذي كان يهدف إلى خفض الإنتاج للإبقاء على أسعار النفط مُرتفعة، ومن المرجح أن يتجه الروس، وربما السعوديون أيضاً، اعتباراً من حزيران (يونيو) المقبل، إلى زيادة الإنتاج، وفي حال حدث ذلك؛ ستكون إيران أولى الضحايا الرئيسة لهذه الزيادة؛ لأن ضخّ المزيد من النفط في السوق سيجعل من الصعب على إيران حتى الحفاظ على حصتها في هذه الظروف الصعبة، وحتى الآن، يبدو أنّ زيارة زنكنه إلى موسكو، أخفقت في تحقيق أهدافها؛ إذ يتطلّع الروس إلى ضخّ وبيع المزيد من النفط، ولا يأبهون بمآزق إيران، وهو ما يعني عملياً؛ أنّ الجهود الإيرانية لرفع أسعار النفط هي مجرد محاولات يائسة.

إيران ليست لها أيّة مصلحة في زيادة التوتر مع الولايات المتحدة، لكنّ قادتها يواصلون إطلاق التصريحات التي تضرّ بشكل عميق في الشعور بالأمن والاستقرار في المنطقة. وللأسف؛ يبقى مثل هذا الإيحاء بالتهديد بلا تكلفة أو أعباء إضافية (قانونية أو سياسية) بالنسبة إلى طهران، وتستطيع طهران عند أول مساءلة أو حوار مع الغرب التملُّص منه بكلّ بساطة، بالادّعاء بأنها لم تهدّد بالمطلق؛ بل ردّت على تهديد مفترض، لكنّ المغالطات والألاعيب الإيرانية هذه، كانت وما تزال سبباً رئيساً في نفور العالم من النظام الإيراني، فإيران باتت اليوم دولة بلا أصدقاء، لا في المنطقة ولا في العالم، وللأسف؛ ما تزال هذه الحقيقة تُفهم في طهران على أنّها دليل على "سوء" العالم، لا "سوء" السياسات التي ينتهجها النظام.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية