ماذا يعني تهديد السلطة الفلسطينية بالخروج من بروتوكول باريس؟

فلسطين

ماذا يعني تهديد السلطة الفلسطينية بالخروج من بروتوكول باريس؟


30/04/2019

تمرّ السلطة الفلسطينية بأزمة مالية خانقة، بعد إقرار الكابينيت الإسرائيلي، في شباط (فبراير) الماضي، قانوناً يجيز الاستيلاء على 500 مليون شيكل، من أموال المقاصة الفلسطينية، ومصادقة وزير المالية الإسرائيلي، موشيه كحلون، على اقتطاع ما يقارب 5%، من الأموال المخصصة لدفع رواتب ذوي الشهداء والأسرى، التي تقدَّر بـ 42 مليون شيكل شهرياً.

بموجب "اتفاقيات السلام المؤقتة"؛ تجمع إسرائيل الضرائب بالإنابة عن الفلسطينيين، الذين يقدرون حجم المبالغ بـ 222 مليون دولار شهرياً

وقد رفضت السلطة الفلسطينية هذا القرار، وطالبت الاحتلال بالتراجع عنه، باعتبار هذه الأموال هي الدخل الرئيسي الذي تعتمد عليه، إضافة إلى الضرائب المحلية ومساعدات الدول المانحة، العربية والأوروبية، للإيفاء بالتزاماتها المالية، وتسديد فاتورة رواتب موظفيها، ما دفع مسؤولين فلسطينيين للتفكير جلياً للخروج من بروتوكول باريس الاقتصادي، والمطالبة بإعادة النظر في بعض موادّه، التي تشكل عبئاً اقتصادياً عليهم، وتزيد من الأزمة المالية التي تعانيها السلطة الوطنية الفلسطينية.

وبروتوكول باريس الاقتصادي، هو أحد ملاحق اتفاقية أوسلو، التي جرى توقيعها في نيسان (أبريل) 1994؛ بهدف تنظيم العلاقة الاقتصادية بين الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الوطنية الفلسطينية، وينظم البروتوكول قطاعات العمل، والعلاقات التجارية، والمسائل المالية، والترتيبات النقدية، ويلزم السلطة الفلسطينية باستيراد أنواع محددة من السلع والاعتماد على البضائع الإسرائيلية لتعزيز التبعية المطلقة للاقتصاد الفلسطيني وربطه بالاقتصاد الصهيوني.

اقرأ أيضاً: مقابر الأرقام.. هل قدر الفلسطينيين السجن حتى بعد الموت؟

وحذر البنك الدولي من أنّه في حال لم تحل الأزمة المالية؛ فإنّ النقص التمويلي سيزيد من 400 مليون دولار، عام 2018، إلى أكثر من مليار خلال العام الحالي، في ميزانية السلطة الفلسطينية، وسيؤدي ذلك إلى مزيد من التدهور في النشاط الاقتصادي ومستويات المعيشة، بالتالي؛ تضرر الاقتصاد الفلسطيني بشدة جراء القيود الإسرائيلية المفروضة على عدد من السلع والمنتجات الفلسطينية.

لا انسحاب من بروتوكول باريس

ويعتقد أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، بكر شتية، أنّ السلطة الفلسطينية لا تستطيع الانسحاب مطلقاً من بروتوكول باريس الاقتصادي بشكل أحادي الجانب، موضحاً لـ"حفريات" أنّ ذلك يعود "لارتباط البروتوكول باتفاقية أوسلو، والذي يشتمل على جانبين؛ سياسي واقتصادي، ورغم سماح البروتوكول بالحصول على الطاقة الكهربائية والمحروقات من الاحتلال، والقيام بعمليات الاستيراد والتصدير من وإلى الجانب الإسرائيلي، إلا أنّ بروتوكول باريس في حاجة إلى إجراء تعديلات جوهرية على بعض بنوده؛ لتجنّب إلحاق المزيد من الخسائر بالسلطة الفلسطينية، وتلبية احتياجات التنمية الاقتصادية الفلسطينية الشاملة، وخلق واقع جديد يؤسس لبناء اقتصاد وطني يلبي احتياجات وطموحات الشعب الفلسطيني".

اقرأ أيضاً: مار شربل كنيسة مارونية في بيت لحم تلوّح لأبنائها الغائبين

ويشير شتية إلى أنّ "إجمالي أموال المقاصة المحولة للسلطة الفلسطينية تقدَّر بـ 2,5 مليار دولار، خلال العام الحالي (2019)، وأنّ اقتطاع الاحتلال الإسرائيلي نسبة من أموال الضرائب الفلسطينية المخصصة لرواتب ذوي الشهداء والأسرى، سيزيد من عجز الموازنة الفلسطينية بشكل كبير"، لافتاً إلى أنّ إسرائيل لجأت لذلك الأمر كورقة ضغط انتخابية لنجاح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالانتخابات الإسرائيلية الأخيرة؛ حيث أسهم إقرار القانون بشكل واضح في ترجيح كفة نتنياهو للفوز بالانتخابات، وهو ما ظهر جلياً بعد فرز النتائج وإعلان فوز الأخير برئاسة الوزراء لفترة خامسة".

بدائل محدودة

واستدرك أنّ طلب السلطة الفلسطينية من فرنسا الضغط على دولة الاحتلال لتسليم أموال المقاصة كاملة دون أيّ اقتطاع منها، ليس بالأمر السهل، ولن يكون حلاً نهائياً لهذه القضية، "خاصة في ظلّ رغبة الجانب الأمريكي والإسرائيلي في بقاء هذه المشكلة مستمرة، بهدف الضغط اقتصادياً على السلطة الفلسطينية، لمحاولة تمرير صفقة القرن المشبوهة، التي يروج لها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتي تنتقص من الحقوق الفلسطينية المشروعة".

اقرأ أيضاً: مسجد الديسي... الكيان الصهيوني يمنع أن يذكر اسم الله عبر مآذنه

ويوضح شتية؛ أنّ "بدائل السلطة الفلسطينية محدودة للخروج من الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها، وهو الأمر الذي سيدفعها إلى الاقتراض من البنوك المحلية، لسدّ العجز المالي في ميزانيتها، إلّا أنّ ذلك ستترتب عليه تأثيرات سلبية كبيرة، خاصة مع توجه السلطة لزيادة فاتورة دفع رواتب موظفيها خلال شهر رمضان المبارك، إلى 60%، وهذا يدلل على دخول السلطة الفلسطينية في مرحلة الخطر الشديد؛ باعتبار أنّ متأخرات القطاع الخاص تشكل ما نسبته 50% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، ولجوء السلطة للاقتراض يعدّ غير مجدٍ اقتصادياً".

على السلطة الفلسطينية إيجاد بدائل أخرى

تعديل بروتوكول باريس
ولفت إلى أنّه على السلطة الفلسطينية إيجاد بدائل أخرى؛ "كتفعيل شبكة الأمان المالية العربية، بقيمة 100 مليون دولار شهرياً، ومحاولة الضغط دولياً لكسر القرار الأمريكي والإسرائيلي لاقتطاع أموال المقاصة الفلسطينية؛ حيث إنّ الخروج من هذه الأزمة لن يمرّ دون موافقة أمريكية على ذلك".

ويرى شتية؛ أنّه في حال جرى تعديل بنود بروتوكول باريس الاقتصادي؛ فإنّ ذلك من شأنه أن يحقق نتائج إيجابية، وسيزيد من قيمة الناتج المحلي الفلسطيني، "وبالتالي؛ تقليل معدلات البطالة المرتفعة داخل المجتمع، إلا أنّ المشكلة الأساسية تكمن في الغلاف الجمركي الموحد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وفرض إسرائيل ضرائب باهظة على أهم الصناعات الفلسطينية، في حين يذهب أكثر من 55% من إيرادات الضرائب إلى الخزينة الإسرائيلية، التي تسيطر على المعابر داخل الأراضي الفلسطينية".

اقرأ أيضاً: الغرامات المالية... سياسة إسرائيلية لتعذيب الأسرى وعائلاتهم

ويردف شتية أنّ "متوسط  نصيب الفرد الإسرائيلي من الناتج المحلي الإجمالي، تساوي 19 ضعفاً، مقارنة بالمواطن الفلسطيني، وهو الأمر الذي لا يتناسب مع الوضع الاقتصادي الراهن؛ حيث تتساوى قيمة الضرائب الإسرائيلية المفروضة على المواطن الفلسطيني مع المواطن بالإسرائيلي، الذي يرتفع متوسط دخله سنوياً أضعافاً كثيرة". كما يشير إلى أنّ 54% من الاستهلاك الفلسطيني هي بضائع ومنتجات إسرائيلية، في حين أنّ استيراد السلطة الفلسطينية من الدول الأوروبية لا يتجاوز 1%، ومن الأردن 6%، وبلغت الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل أكثر من مليار دولار خلال العام الماضي 2018".

تحقيق أهداف سياسية
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت، نصر عبد الكريم إنّ السلطة الفلسطينية تمر بوضع اقتصادي حرج للغاية، "نتيجة اقتطاع الاحتلال الإسرائيلي جزءاً من أموال المقاصة، وذلك لتحقيق أهداف سياسية، وابتزاز القيادة الفلسطينية لدفعها للقبول بأيّة تنازلات سياسية، ومن المتوقع أن يترتب على هذه الضائقة المالية تأثيرات سلبية كبيرة خلال المرحلة القادمة، إن لم تتحرك السلطة الفلسطينية سريعاً لإيجاد حلول جذرية وسريعة لها".

اقرأ أيضاً: فلسطينيون يسكنون الكهوف يصادقون الخوف ويحلمون بالشمس

وأوضح عبد الكريم، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ الخيارات أمام السلطة من شأنها أن تتلاشى مع مرور الزمن، وقد تصبح الخيارات المتاحة حالياً غير متوفرة، خلال الفترات المقبلة، "إذا استمر التعنت الإسرائيلي بخصم أموال الضرائب الفلسطينية، وعلى السلطة اتّباع خطة للتقشف المالي، وتقليص فواتير الإنفاق، والتركيز على الأولويات المهمة داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية، وتأجيل النفقات غير الضرورية لحين انتهاء الأزمة الحالية".

في حال فشلت الخيارات فلا يتبقَّى سوى خيار أخير وهو الاقتراض من البنوك الفلسطينية لعدة شهور فقط

مواجهة التهرب الضريبي
ويدعو السلطة الفلسطينية إلى "الحدّ من ظاهرة التهرب الضريبي، وتحسين كفاءة التحصيل الضريبي لتمويل العجز في ميزانيتها، إضافة إلى تفعيل شبكة الأمان العربية، ودفع الدبلوماسية الفلسطينية إلى اللجوء للدول المانحة، العربية والأوروبية، لدفعها لتقديم المزيد من المساعدات المالية لخزينة السلطة الفلسطينية". وفي حال فشلت جميع الخيارات فلا يتبقَّى للسلطة الفلسطينية سوى خيار أخير؛ وهو الاقتراض من البنوك الفلسطينية لعدة شهور فقط، "في ظلّ عدم تحمس ورغبة البنوك الفلسطينية لتوجه السلطة للاقتراض منها، لوصول معظمها إلى السقف الأعلى من إقراض القطاع العام".

اقرأ أيضاً: لماذا لا تجد مخرجات البحوث الفلسطينية طريقها إلى صانع القرار؟

وتشكل أموال المقاصة ما نسبته 70% من إيرادات السلطة الفلسطينية، التي تقدَّر بـ 500 مليون شيكل شهرياً، "في حين أنّ ميزانية السلطة الفلسطينية كانت قبل عامين تقدر بأكثر من 650 مليون دولار أمريكي، وقد تراجعت في وقت لاحق إلى النصف تقريباً، بعد حجب الولايات المتحدة مساعداتها للسلطة الفلسطينية، وعدم إيفاء بعض الدول العربية بالتزاماتها لرفد الخزينة الفلسطينية بالأموال، لدفع رواتب موظفيها، في حين يساهم الاتحاد الأوروبي بما يقارب 10 ملايين يورو شهرياً، لدعم بعض المستشفيات، وكمنح للفقراء والمحتاجين داخل الأراضي الفلسطينية".

تفعيل شبكة الأمان العربية
وكشف المتحدث باسم القمّة العربية المقررة في تونس، محمود الخميري، خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة التونسية، وجود اتّفاق على تفعيل شبكة الأمان المالي العربية لفلسطين، وقال الخميري: إنّ "هناك اتفاقاً عربياً على أن يتم تفعيل شبكة الأمان الاقتصادي والاجتماعي الفلسطيني، ودعمها بـ 100 مليون دولار شهرياً، لمجابهة الأعباء المالية والديون المسلطة على فلسطين".

تفاقم الأزمة الاقتصادية
وحذّر البنك الدولي، في 17 نيسان (أبريل) الجاري، من تفاقم الأزمة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية، إذا لم تتوصل السلطة الفلسطينية وإسرائيل إلى تسوية للخلاف بينهما حول تحويل عائدات الضرائب، ووفق وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، تجمع إسرائيل نحو 190 مليون دولار شهرياً من الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع المتجهة إلى الأسواق الفلسطينية التي تمر عبر موانئها، ثم تحول الأموال للسلطة الفلسطينية.

اقرأ أيضاً: جهود رسمية وشعبية فلسطينية لاستكمال ترميم كنيسة المهد

وقررت إسرائيل، في شباط (فبراير) الماضي خصم نحو عشرة ملايين دولار شهرياً من عائدات الضرائب، وهو المبلغ الذي تدفعه السلطة الفلسطينية لعائلات المعتقلين الفلسطينيين، أو للمعتقلين أنفسهم داخل السجون الإسرائيلية، ما دفع السلطة الفلسطينية إلى رفض تسلم باقي العائدات.

إجراءات فلسطينية أحادية
وأكّد محمد مصطفى، مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الاقتصادية؛ أنّ القيادة الفلسطينية ستتخذ إجراءات "أحادية" ضدّ إسرائيل، في حال رفضت تل أبيب تغيير اتفاق باريس، الذي وقِّع عام 1994، بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وأوضح محمد مصطفى، لإذاعة "صوت فلسطين"، في 9 كانون الأول (ديسمبر) 2018؛ أنّ "اتفاق باريس تخطاه الزمن وتخطته إجراءات إسرائيل الأحادية، ولا بدّ من تغييره"، قائلاً: إنّ تغيير الاتفاق يحتاج إلى جهد كبير، وإنّ التواصل مع الجانب الفرنسي في هذا الصدد خطوة في رحلة طويلة.

 

 

احتجاج فرنسي ضدّ إسرائيل
ورفضت الحكومة الإسرائيلية، احتجاجاً رسمياً تقدمت به فرنسا، حول دفع أموال المقاصة الفلسطينية، والذي طالبت من خلاله بتسليم الأموال كاملة وغير منقوصة للسلطة الفلسطينية، وجاء ذلك وفق ما أوردته "القناة 12" الإسرائيلية، في نشرتها المسائية، في 21 نيسان (أبريل) الجاري، وأشارت القناة إلى أنّ ذلك شكل توتراً دبلوماسياً بين الجانبين، بعد أن أصرّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على رفض الطلب الفرنسي عبر رسالة رسمية شديدة اللهجة.

القيادة الفلسطينية تهدد باتخاذ إجراءات "أحادية" ضدّ إسرائيل، في حال رفضت تل أبيب تغيير اتفاق باريس، الذي وقِّع 1994

في المقابل؛ ردّ نتنياهو على المطلب الفرنسي برسالة رسمية كتب فيها: "إسرائيل ستواصل العمل وفق سياساتها، وبحسب ما تنص عليه قوانين الكنيست"، ورأى نتنياهو في رسالته؛ أنّ "الطلب الفرنسي غير أخلاقي وغير سياسي، كما يتعارض مع السياسة الأوروبية لمحاربة الإرهاب".

يذكر أنّ أموال المقاصة تشكّل النصيب الأكبر من الإيرادات العامة الفلسطينية، وتصل قيمتها الشهرية إلى 180 مليون دولار، هي إجمالي الضرائب غير المباشرة على السلع والبضائع والخدمات المستوردة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، من إسرائيل، أو عبر الموانئ والمعابر الخاضعة لسيطرتها.
وتشير البيانات المالية عن أموال المقاصة الفلسطينية، إلى أنها تغطي ما نسبته 80% من رواتب موظفي السلطة، وبالتالي فإن عدم استلام هذه الأموال في موعدها يعني عدم تمكن السلطة من الوفاء بالتزاماتها المالية.

وبموجب "اتفاقيات السلام المؤقتة"؛ تجمع إسرائيل الضرائب بالإنابة عن الفلسطينيين، الذين يقدرون أنّ حجم المبالغ الحالية هو 222 مليون دولار شهرياً، وتحصل على عمولة 2% من قيمة المبلغ، ومع توقف المفاوضات، عام 2014، تحجب إسرائيل أحياناً هذه الأموال على سبيل الضغط على السلطة في رام الله.

الصفحة الرئيسية