مأزق المشروع الإخواني يجمع الغنوشي وأردوغان في إسطنبول

مأزق المشروع الإخواني يجمع الغنوشي وأردوغان في إسطنبول


06/05/2019

الجمعي قاسمي

تنظر الأوساط السياسية بكثير من التوجس إلى اجتماع رئيس حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في هذا التوقيت الذي تزدحم فيه الاحتمالات المفتوحة على كل القراءات في سياق تداعيات التطورات السياسية العاصفة، محليا وإقليميا ودوليا التي تُحيط بالمشروع الإخواني.

ويبعث توقيت هذا الاجتماع برسائل في اتجاهات مُتعددة، لاسيما وأنه يأتي على وقع الاضطراب السياسي المُتواصل في الداخل التونسي، واقتراب ساعة الحسم العسكري لإنهاء سطوة الميليشيات وعبث تنظيمات الإسلام السياسي في العاصمة الليبية طرابلس، وبروز عزم أميركي على تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية.

وقالت حركة النهضة الإسلامية، في بيان مُقتضب نشرته في صفحتها الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك إن “الغنوشي التقى خلال تواجده في مدينة إسطنبول، بالرئيس التركي وبحث معه علاقات الأخوة والصداقة بين تونس وتركيا وسبل تعزيزها”.

ولم تُقدم المزيد من التفاصيل حول هذا اللقاء، واكتفت في المقابل بالإشارة إلى أن زيارة الغنوشي لمدينة إسطنبول، اندرجت في إطار “المشاركة في مراسم تدشين جامع تشامليجا، الذي يُعتبر أكبر جامع في تركيا”.

وساهم هذا البيان بمفردات لغته الخشبية، في توسيع دائرة الهواجس التي تنتاب الفاعلين السياسيين في تونس، الذين لا يخفون خشيتهم من انعكاسات مُخرجاته على الواقع التونسي الذي دخل في مرحلة حرجة ارتفعت فيها محاولات التطويع والتوظيف السياسي لمختلف الأحداث لتكون على المقاس، في علاقة بالاستحقاقات الانتخابية المُرتقبة.

وتأخذ تلك الخشية أبعادا إضافية بالنظر إلى المأزق الذي دخلته حركة النهضة الإسلامية على ضوء المُتغيرات في المشهد السياسي الذي بدأ يتشكل بموازين قوى جديدة بملامح واتجاهات مغايرة عن السابق، أفقدتها إلى حين الغطاء السياسي المدني الذي وفره لها “التوافق المغشوش” خلال السنوات الماضية، كما قلّص من شعبيتها لدى الشارع التونسي الذي بات يُجاهر برفض مشروعها.

وتعكس بيانات سبر الآراء الأخيرة، هذا التراجع في شعبية حركة النهضة الإسلامية، مقابل تقدم ملحوظ للحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسي، وحزب تحيا تونس المحسوب على رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وذلك قبل نحو خمسة أشهر من الانتخابات التشريعية القادمة، الأمر الذي أربك حساباتها، وأدخلها في حالة من القلق المُتزايد.

بل إن هذا القلق الذي اقترب كثيرا من الخوف، بدأ يتعمق على وقع بوادر حراك شعبي تخطى الرفض السياسي لحركة النهضة، ليصل إلى تحركات ميدانية شهدتها العديد من محافظات البلاد، أعرب خلالها المتظاهرون والمحتجون، عن رفضهم وتذمرهم وامتعاضهم الواضح من سياسات وممارسات هذه الحركة، التي أوصلت البلاد إلى الوضع الخطير الذي تمر به حاليا.

ويُؤشر هذا القلق إلى حجم المأزق الذي دخلته حركة النهضة الإسلامية، الذي لم يعد يقتصر على خياراتها الخاطئة ومناوراتها التي شوهت المشهد السياسي في البلاد، بل يتجاوز ذلك إلى الحديث عن مستقبل تحالفاتها، على خلفية معركة تحرير طرابلس، التي ستكون لها تداعيات مباشرة على هذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.

وتُدرك حركة النهضة أن قواعد اللعبة الإقليمية لم تعد في صالح المُخطط الإخواني الذي انخرطت فيه، وهو إدراك فرضته التطورات المفتوحة على كل الاحتمالات التي ستكون لها حساباتها ومعادلاتها بأبعاد تتخطى الإقليمي، إلى ما هو دولي في علاقة بعزم واشنطن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، وما يترتب عن ذلك من فرض قواعد تعامل جديدة تأخذ في الاعتبار ترابط العلاقة بين الإقليمي والدولي.

ودفعت هذه التطورات التي جعلت هامش المناورة يضيق أمام تنظيمات الإسلام السياسي، القيادي في حركة النهضة الإسلامية رفيق عبدالسلام، إلى اتهام قائد الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر بأنه “يدير حربا نيابة عن المحور المصري الخليجي الذي زوّده بالمال والسلاح، ووفر له الغطاء السياسي والمالي في إطار مشروع الثورات المضادة لإشاعة القتل والخراب في ليبيا الشقيقة”.

ولم يكتف بذلك، وإنما ذهب في تدوينة نشرها في صفحته الرسمية على موقع فيسبوك إلى حد الإعلان صراحة وبكل وضوح اصطفاف حركته إلى جانب المحور القطري-التركي-الإخواني قائلا “… نحن لسنا محايدين في هذه المعركة التي تدور على حدودنا، بل لا نملك إلا أن ننحاز لحكومة طرابلس وقواها الصامدة في مواجهة هذا المخطط العدواني الذي تقوم به قوات حفتر”.

وعاد في تصريحات إذاعية إلى التقليل من عزم واشنطن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، وإلى محاولة النأي بحركة النهضة الإسلامية عن هذا التصنيف، قائلا إن “النهضة وحزبي العدالة والتنمية الحاكمين في تركيا والمغرب ليست من الجماعات المعنية بتصنيف واشنطن للإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية”.

واعتبر أن توظيف هذا الموضوع في تونس سياسيا وإعلاميا وصولا إلى القول إن “السيف اقترب من رقبة النهضة”، كان متوقعا، لكن حركة النهضة غير معنية بذلك.

وتُفسر هذه التصريحات بعضا من أبعاد القلق الذي ينتاب حركة النهضة الإسلامية، كما يعكس غايات وأهداف اجتماع الغنوشي وأردوغان، والرسائل التي بعث بها في وقت لا تغيب الاستنتاجات المباشرة في إعادة التأكيد على مأزق المشروع الإخواني الذي قد يتسبب في مواجهة سياسية بقواعد اشتباك مُختلفة قد تشمل تونس في مسعى لتجنيب حركة النهضة العاصفة التي تقترب من المنطقة.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية