ورحلت محسنة توفيق صاحبة الصرخة المدوية: "لا.. لا هنحارب"

مصر

ورحلت محسنة توفيق صاحبة الصرخة المدوية: "لا.. لا هنحارب"


07/05/2019

بغياب الممثلة المصرية محسنة توفيق مساء أمس الإثنين، يخسر الفن العربي واحدة من أبرز أيقوناته التي جسدت سمو الفن وربطته بالحياة والسياسة والمواقف التي يخلدها التاريخ.

رغم قلة أعمالها الفنية في السينما إلا أنّ محسنة توفيق كانت مميزة وتركت بصمة راسخة مع يوسف شاهين

كان الاسم الذي التصق بالراحلة هو "بهية" نسبة إلى الشخصية التي قدمتها في فيلم "العصفور" للمخرج المصري يوسف شاهين، حينما جسّدت أيقونة النضال والثورة ضد الفساد وعبّرت عن رفضها الرضوخ للواقع بجملتها الشهيرة في نهاية الفيلم "لا.. لا هنحارب"، وهو الفيلم الذي كان المخرج شاهين يبحث من خلاله عن أسباب هزيمة 1967، ويستخلص في نهايته رغبة الشعب المصري والعربي في النضال، ما جعل الفيلم بمثابة فيلم تسجيلي يوثق الحالة الوجدانية للشعب في تلك الفترة، وما صاحب النكسة من حراك وعزيمة وإرادة لمحو آثار الهزيمة.
التحمت الفنانة الراحلة بالشارع واشتبكت مع السياسة. وإلى جانب المسرح والسينما والتلفزيون اشتهرت بمواقفها السياسية الصلبة، التي غالباً ما كلفتها كثيراً.
وسيتم تشييع جثمان الراحلة من مسجد السيدة نفيسة اليوم الثلاثاء، حسبما أكد الدكتور أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية.
ونعت الراحلة وزارةُ الثقافة في بيان قالت فيه إنّ "الإبداع الدرامي فقد إحدى علاماته التي تميزت بالأداء الفني الصادق".
خسر الفن العربي واحدة من أبرز أيقوناته

مضايقات أمنية للراحلة
وكان آخر ظهور للفنانة في ندوة ضمن فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان أسوان السينمائي الدولي لأفلام المرأة، شباط (فبراير) الماضي، بمناسبة تكريمها، حيث تحدثت الفنانة المخضرمة آنذاك عن مسيرتها الفنية التي صاحبتها مضايقات أمنية في السبعينيات نظراً لمواقفها السياسية الجريئة، فكانت توفيق من أوائل المنضمّين إلى حزب التجمع (اليساري) المصري، حين تأسيسه عام 1976، بصحبة مجموعة من الفنانين على رأسهم يوسف شاهين وجميل راتب وسيد حجاب وعبد العزيز مخيون، حسبما أفادت وكالات الأنباء.

اقرأ أيضاً: في ذكرى رحيل ماركيز .. الصحافة تأسر صاحب "مائة عام من العزلة"
وعارضت محسنة توفيق آنذاك سياسات الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات، وأعلنت رفضها لزيارته القدس المحتلة (1977) واتفاقية كامب ديفيد (1978)، وأعلنت وقتها في تصريح شهير، أنها شرعت في "اللطم على وجهها"، وأنّ صوت المذيع الذي أعلن الخبر لا زال يتردد في أذنها. كان نتيجة ذلك صدور "تعليمات سرية" بعدم ترشيحها لأعمال فنية كما روت الفنانة قائلة: "قيل كثيراً بلاش محسنة توفيق تمثل، ورئيس التلفزيون زوج أختي هو من أبلغني بذلك، بسبب مواقفي السياسية، وقلت له لن أغير مواقفي، لذلك ظلت هناك تعليمات سرية بعدم ترشيحي للأعمال الفنية".
اشتهرت بمواقفها السياسية الصلبة، التي غالباً ما كلفتها كثيراً

اعتقال في زمن عبد الناصر
وقبل السادات كانت الفنانة الراحلة من ضمن قائمة شملت 21 كاتبة وفنانة، طالتهن حملة الاعتقالات في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، إلى جانب فتحية العسال وصافيناز كاظم وكريمة الحفناوي.

محسنة توفيق: الفنان الحقيقي لا بد أن يلتحم مع الشعب وأن تكون له مواقف معبرة عن مبادئه

زارت محسنة توفيق لبنان عام 1982، أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، ورفضت المشاركة في وفد يضم 70 شخصية فنية لزيارة بيروت عام 2006، خلال الاعتداء الإسرائيلي على لبنان، وانتقدتهم بشدة في جريدة "الأخبار" الفلسطينية، وقالت حينها: "لن آتي إلى بيروت لزيارة الرؤساء. سأنزل إلى الشارع وأقول للناس إياكم ومعاهدة السلام مع إسرائيل، التجربة جلبت الخراب على مصر، الشعب يعيش مأساة حقيقية منذ أصبحت إسرائيل صديقتنا".
وقالت: أنا مؤمنة بأنّ الفنان الحقيقي لا بد أن يلتحم مع الشعب، وأن تكون له مواقف معبرة عن مبادئه، ولم أحسبها يوماً بحسبة المكسب أو الخسارة، بل كان كل ما يهمني هو أن أكون حقيقية وغير مزيفة".
شاركت الفنانة الراحلة في ثورة يناير 2011 في مصر، وكان من بين تصريحاتها: "25 يناير كانت ثورة حقيقية، ثار فيها الشعب المصري على الظلم، وطالب بالعدالة، والدليل على ذلك هو الملايين التي خرجت للشوارع لتعبر عن رغبتها في التغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية، ونحن في زمن الشعوب ولسنا في زمن القادة".
العظيمة محسنة توفيق
ورثى الراحلة الكثير من فنانات مصر وفنانيها وكل المؤمنين بخطها النضالي، حيث نشرت المخرجة نادية كامل عبر حسابها الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" صورة لها وعلقت عليها قائلة: "مع السلامة محسنة راحت لخليل، لك السكينة والسلام"، في إشارة إلى زوجها أحمد خليل الذي توفي العام قبل الماضي، كما أعلن المخرج محمد سعدون، مدير مهرجان إسكندرية السينمائي للأفلام القصيرة وفاة الفنانة الكبيرة.

اقرأ أيضاً: رحيل برنار دادييه أعظم كتّاب ساحل العاج
وكتبت الفنانة رانيا يوسف، عبر حسابها الشخصي في موقع "تويتر": "إنا لله وإنا اليه راجعون، وفاة الفنانة القديرة والعظيمة محسنة توفيق".

اشتهرت بتعاونها الفني مع المخرج الراحل يوسف شاهين في مجموعة من أبرز أعماله

أدوار قليلة ولكن ساطعة
وُلدت محسنة توفيق في العام 1939، وحصلت على درجة البكالوريوس في الزراعة عام 1968، واشتهرت بتعاونها الفني مع المخرج الراحل يوسف شاهين في مجموعة من أبرز أعماله، منها "اسكندرية ليه"، و"العصفور"، و"وداعاً بونابرت".
وقدمت العديد من المسرحيات منها "مأساة جميلة" و"منين أجيب ناس" و"حاملات القرابين" و"الدخان" و"إيرما" و"عفاريت مصر الجديدة".

اقرأ أيضاً: جادو عزّ الدين.. رحيل شاهد على ذاكرة النضال والوحدة
وفي مجال الدراما التلفزيونية قدمت مسلسلات "الكعبة المشرفة" و"الشوارع الخلفية" و"الوسية" و"أم كلثوم" وغيرها. لكن يبقى دورها في "ليالي الحلمية" الأكثر تأثيراً لدى المشاهدين المصريين والعرب.
ورغم قلة أعمالها الفنية في السينما، إلا أنها كانت مميزة، وتركت بصمة راسخة، خاصة وأن معظمها جاء مع مخرج كبير مثل يوسف شاهين الذي قدمها للفن السابع باعتبارها ممثلة مبدعة وصوتاً للحق والصدق والثبات على المبدأ.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية