لماذا سقط الرهان على "الإسلام السياسي" في المجتمعات العربية؟

الإسلام السياسي

لماذا سقط الرهان على "الإسلام السياسي" في المجتمعات العربية؟


08/05/2019

منذ بدء الاحتجاجات ضد الرئيس السوداني عمر البشير في كانون الأول (ديسمبر) 2018، كان المتظاهرون السودانيون يهتفون ضد "الإخوان المسلمين" في السودان، الذين يُطلق عليهم بالعامية السودانية نعت "الكيزان" و"الكوز"؛ أي المجارف، "كإشارة إلى شهية لاتشبع".

البني: من حسن حظ مجتمعاتنا تعرية الدور الحقيقي لغالبية تيارات الإسلام السياسي عندما تلكأت بإعلان موقف حاسم من داعش

وفي الجزائر، حرص المشاركون في الحراك الشعبي، منذ بدايته في 22  شباط (فبراير) 2019، على إبعاد الأحزاب والجماعات الإسلامية عن اختطاف الحراك الشعبي. ولم يكن مشهد رفض ظهور قادة أحدها (عبد الله جاب الله رئيس "حزب العدالة والتنمية") في إحدى المسيرات الشعبية يوم 15 آذار (مارس) الماضي، إلا التعبير الأكثر وضوحاً عن قلق الجزائريين من أن تقفز تلك الجماعات على الحراك وتركب موجته، كما حدث في بلدان عربية عدة عام 2011، وما بعده، كما يقول الكاتب المصري وحيد عبد المجيد؛ فقد حاصر مئات المشاركين في تلك المسيرة "جاب الله" وأتباعه الذين ذهبوا معه، وهتفوا يطالبونه بالرحيل، بالعربية "إرحل يا جاب الله"، حتى أُرغم على مغادرة المكان.
 كان المتظاهرون السودانيون يهتفون ضد "الإخوان المسلمين" في السودان

موجتان
لعلّ هذا يكشف عن جانب أساسي من أوجه الاختلاف بين الموجة الأولى من "الربيع العربي" التي انطلقت في تونس نهاية 2010، والموجة الثانية الحالية في السودان والجزائر؛ فالجماهير في كلا البلدين تعلمتْ الحذر في التعامل مع الإسلاميين، حتى لا تقع في أخطاء تعامل قوى التغيير في مصر عام 2011 مع "الإخوان المسلمين"، وفقاً للكاتب المصري محمد شومان، في مقال نشرته صحيفة "الحياة". وإلى جانب سقوط الرهان الشعبي العربي على الإسلام السياسي، يرى الكاتب السوري أكرم البني في تحليل نشرته الصحيفة ذاتها، أنّ ثمة، أيضاً، سقوطاً للرهانين الدولي والأمريكي على دور رئيس للإسلام السياسي في مواجهة التعصب والتطرف؛ حيث شهدنا بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 مرحلة من تركيز جهود واشنطن وبعض العواصم الأوروبية، على تقوية جماعات "الإخوان المسلمين" وما شابهها في المجتمعات العربية، باعتبارها، وفقاً لرؤيتهم آنذاك، حصاناً رابحاً في الحرب ضد الإرهاب الجهادي ولاختراق العالمين العربي والإسلامي وتخفيف عداء شعوبها لهم، وبادروا إلى فتح قنوات متنوعة لتوفير أشكال من المساعدة السياسية والمادية لها، ولتمكين حضورها في حراك "الربيع العربي"، وتعزيز وصول بعضها إلى السلطة.

اقرأ أيضاً: أولية العقل: نقد أطروحات الإسلام السياسي
تيارات الإسلام السياسي عندما تلكأت في إعلان موقف واضح وحاسم من "الدولة الداعشية"

تلكؤ الإسلام السياسي في انتقاد "داعش"
لكن، من حسن حظ مجتمعاتنا، يتابع، البني، انفضاح وتعرية الدور الحقيقي لغالبية تيارات الإسلام السياسي عندما تلكأت في إعلان موقف واضح وحاسم من "الدولة الداعشية"؛ حيث لفّ بعضها صمت مريب، ومال بعضها صوب المواربة والغموض، واكتفى آخرون بنقد سطحي لممارسات "داعش"، والأسوأ من سارعوا لتقديم بعض النصائح له لتخفيف غلوّه وعنفه! وزاد التعرية وضوحاً موقف جماعات "الإخوان المسلمين" من الحرب التي أعلنت عالمياً ضد "دولة (داعش)"، فبينما اشترطت حكومة أنقرة ضمان شريط آمن لها على طول الحدود مع سوريا لكفّ ما تعتبره شر أنصار "حزب العمال الكردستاني"، اختبأت البقية وراء تصريحات مقيتة، لزعامات دينية وسياسية، هاجمت الجهد العسكري الدولي ضد "داعش"، إما لأنها، وفق البني، اعتبرته تعدياً مقصوداً على المسلمين السنّة، يعزز تهميشهم وإذلالهم، ويقدم فائدة للمحور الإيراني، وإما لأنها لا ترى في ما يقوم به "داعش" سوى خلاف فكري ومسلكي قابل للتصويب بالحوار والتفاوض!

ميرغني: ليس هناك أكثر من السودانيين خبرة فيما تعنيه دولة "الإخوان" فقد خبروها 30 عاماً

ويتابع المحلل أكرم البني بأنّه إذا أضفنا سهولة تنكّر قوى الإسلام السياسي للشعارات المدنية والديمقراطية التي رفعتها، وإصرارها الفظ، ما أن وصلت إلى السلطة، على الاستئثار بالحكم وأسلمة الدولة والمجتمع، ثم مسارعة من لا يزال منها في المعارضات العربية إلى دعم الشعارات الإسلاموية، وما سمي الهيئات الشرعية وتغطية ظهور التفريعات المتنوعة للجماعات الجهادية، وأضفنا أيضاً ضياع الجهد الأمريكي في تدريب وتسليح فصائل إسلاموية سورية ادعت الاعتدال؛ حيث لم تتأخر غالبية كوادرها، تأثراً بتسعير الاستفزازات الطائفية، عن التحول نحو التشدد والتطرف، والتحقوا، قناعة أو خوفاً، بتنظيم "داعش" أو "جبهة فتح الشام"، نقف عند أهم الأسباب التي شجعت على إسقاط الرهان المريب على دور إيجابي للإسلام السياسي في المجتمعات العربية.

حادثة الترابي وخداع "الإخوان"
من جانبه، يعود المحلل السوداني، عثمان ميرغني، إلى الوراء ليلفت الأنظار عبر مقال نشره في صحيفة "الشرق الأوسط" إلى أنّه (ليس هناك أكثر من السودانيين خبرة فيما تعنيه دولة "الإخوان"، فقد خبروها ثلاثين عاماً وعرفوا ما تعنيه من حيث الممارسة والتطبيق). ويضيف ميرغني بأنّ السودانيين لُدغوا من "الإخوان المسلمين"  في انقلاب عام 1989 الذي راوغ بمكر لإخفاء حقيقته الإخوانية، وخدع الناس بلعبة "اذهب إلى القصر رئيساً... وأذهب أنا إلى السجن حبيساً"؛ التي بمقتضاها ذهب الدكتور حسن الترابي إلى السجن مع بقية القيادات السياسية التي اعتقلت بعد الإطاحة بالنظام الديمقراطي، بينما ذهب العميد (وقتها) عمر البشير إلى سدة الحكم رئيساً حليقاً، قبل أن يكشف عن هويته الإخوانية بعد أن تمكن النظام من مقاليد السلطة.

اقرأ أيضاً: محمد الكيلاني: الإسلام السياسي أكبر عائق أمام الديمقراطية
ويشرح الكاتب رشيد الخيون في مقال في صحيفة "الاتحاد" كلام ميرغني بالقول إنه لا يمكن عزل تجربة الثَّلاثين عاماً في السودان بمعزل عن تهاوي التَّجارب الإسلاموية، فبعد مصر، وتونس، والفشل الذريع للأحزاب الدينية بالعراق، تواجه إيران محنة عسيرة، بعد أن أخذت تتحدث عن هيمنتها على أربع عواصم، بغرور الجذب الدِّيني المذهبي.
ويتابع: كم يكون الدِّين سياسياً أداةً للجذب، لكنه لا يصمد مع الفشل، ومواجهة العصر، فثلاثون سنة لم يجن السُّودانيون غير فرض قوانين الشريعة، ببلد معروف بثقافته وأدبه وصوفيته وتدينه. وبعد هجرة النُّخب الثقافية هروباً من فرض الحِجاب والجلد والوصم بالرِّدة عن الدِّين، ظهر اليوم جيل، أعمارهم في العشرينيات، يطالبون بأوضاع لم يعيشوها، مِن انفتاح ثقافي واجتماعي، لم تحجب عقولهم سياسة الإسلام السِّياسي طوال تلك الفترة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية