داوود عبد السيد: تحويل الأدب إلى السينما "افتراس"

داوود عبد السيد: تحويل الأدب إلى السينما "افتراس"


12/05/2019

قال المخرج المصري داوود عبد السيد إنّ الاقتباس عن أعمال أدبية وتحويلها للسينما يشبه "الافتراس"″؛ بمعنى أنّ حيواناً مفترساً يأكل حيواناً آخر ثم يحوّله إلى طاقة في جسمه يستفيد منها لكنه لا يُقسّمه إلى أجزاء ويعيد ترتيبها.
لذا يعتقد السيد أنه يجب التعامل مع النص الأدبي بكل حرية في فهمه وإعادة تقديمه بشكل مختلف، حسبما أفاد في حوار نشرته صحيفة "العرب" أجرته حنان عقيل.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تصنع السينما إرهابياً حقيقياً؟
وأوضح بأنه في فيلم "الكيت كات" قرأت رواية "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان وأعجبت ببعض الأشياء فيها، لكنّ الرواية بشكلها المتكامل لا تصلح أن تتحول إلى فيلم سينمائي؛ فهي مليئة بالشخصيات والأحداث وليس لها عمود فقري، ومن ثم كان لا بد من التعامل معها بحريّة وإعادة تقديمها في ثوب جديد. أما في "سارق الفرح" فقد كانت قصة قصيرة للراحل خيري شلبي ليس لها امتداد بطبيعتها، وهنا كان من الضروري تأسيس أحداث جديدة وشخصيات جديدة.

مقطع من فيلم الكيت كات:

 

 

الأعمال المقتبسة عن الأدب
أما بالنسبة للأفلام الجديدة المُقتبسة من أعمال أدبية، فقال إنني ألمح مثلاً الأعمال المأخوذة عن روايات الكاتب الشاب أحمد مراد، شاهدت فيلم "الفيل الأزرق" لكن لم أقرأ الرواية، لكني قرأت رواية "تراب الماس" للمؤلف نفسه. أرى أنّ الاتجاه الذي يتبناه مراد متمثلاً في الروايات المكتوبة جيداً بشكل مُسلّ وجذّاب، من المنطقي أن تتحول إلى أفلام تجاريّة مسليّة بعيداً عن الادعاءات العميقة. فيلم مثل "الفيل الأزرق" ليس فيه أفكار مهمة لكنه معتمد على ثيمة التشويق والجذب. هناك أيضاً تجربة فيلم "عمارة يعقوبيان" المُقتبس من رواية بالاسم ذاته للروائي علاء الأسواني والتي لم يُدخل فيها تغييرات كبيرة في السيناريو بشكل مُختلف عن الرواية الأصلية، وهي مُهيّأة بالفعل، ومنطقي جداً أن تتحول إلى فيلم بسهولة.

للهوس الديني أسباب عدة ربما أهمها فكرة الهزيمة التي دفعت للرجوع إلى مصدر الأمان ممثلاً في الأمجاد التاريخية والدينية

في الفترة الأخيرة، يردف السيد، قرأت أعمالاً روائية ممتازة لأجيال جديدة، أرى أنّ هناك حركة روائية لافتة في مصر ودول عربية أخرى مثل العراق. ولكن مسألة تحويل العمل الأدبي إلى فيلم تعتمد على مسائل أخرى غير جودة النص الأدبي. عادةً، العمل الروائي الذي أنبهر به لا أستطيع أن أحوله إلى فيلم لأنني أراه مكتملاً ولن أستطيع التغيير فيه، هناك روايات أخرى قد تعجبني لكن لا تستوعبها السينما.
وأكد داود عبدالسيد أنّ الأدب أحد مصادر السينما، التي من المفترض أن تعتمد على مصادر مختلفة منها قصص الحياة العادية وحوادث الجرائد ومنها الأحداث التاريخية، وكلما نضجت السينما تعددت مصادرها، وجزء من مصادرها الأعمال المؤلفة خصيصاً للسينما.
وقال إنّ الفكرة الشائعة بأنّ الأدب يرفع مستوى السينما ليست صحيحة في رأيي؛ لأنّ ما يرفع مستوى السينما فعلاً استعمالها لجميع المصادر المتاحة لها وألا تظل حبيسة منطقة ما. بالطبع عندما تتحول رواية جيدة إلى فيلم سينمائي فعلى الأقل يكون هناك ضامن لفكرة موضوع جيدة، ولكن عندما يتم تحويل رواية جيدة إلى فيلم سيّء فهذا ذنب لا يغتفر.
 الكاتب الشاب أحمد مراد

فقر رؤية في السينما المصرية
وأقر السيد بأنّ هناك فقراً في الرؤية لدى السينما المصرية؛ فمثلاً رغم تعدد المحافظات بكل شوارعها وسكانها فإنّ السينما لا تُقدِّم سوى شوارع القاهرة وأحياناً الإسكندرية، ورغم تعدد المهن إلا أنه نادراً ما نشاهد أفلاماً عن الفلاحين في القرى أو العمال أو غير ذلك. ورغم ما نمتلكه من تاريخ ثري إلا أننا لا نشاهد أعمالاً تاريخية. وقال هناك زاوية شديدة الضيق في الرؤية السينمائية.

هناك فقر رؤية في السينما المصرية؛ فرغم تعدد المحافظات بكل شوارعها وسكانها فإنّ السينما لا تُقدِّم سوى شوارع القاهرة والإسكندرية

وبسؤاله عن "سينما المؤلف" ذكر المخرج المصري الذي كتب وأخرج معظم أفلامه: لديّ رؤية سينمائيّة ما أرغب في تقديمها، ومن ثمّ كان الأنسب أن أقوم بكتابتها، ولكن ليس لديّ مشكلة في أن يكتب لي أحد سيناريو أحبه ومن ثم أستخدمه، لا أرى أنّ كتابة السيناريو شرط، ولكن الحديث عن انتقادات للسيناريو بسبب عدم وصوله إلى الجمهور فأراه مسألة غريبة، فما دامت القصة واضحة وأحداث الفيلم منطقية فليس هناك غموض.
ورداً على سؤال يتعلق بثورات الربيع العربي، وكيف طالعت عدسته ما مرّت به البلدان العربية وتأثير كل تلك المتغيرات على السينما، قال السيد إنّ الثورات كانت حدثاً مهماً وقوياً استدعت مقاومة شديدة من الأنظمة والقوى الاجتماعية والسياسية. وتابع: الآن يُنكّل بقوى الثورة، لكن السؤال هل سينجحون في إلغاء تأثير الثورات؟ أشك في ذلك. ستظل هناك نقطة مضيئة، لا يوجد أحد مرَّ بهذه المرحلة وفقد كل شيء، قد يكون خائفاً أو مسجوناً أو مهاجراً، إنما ستظل هناك جذوة بداخله هي رغبته في التحرر. هذه مسيرة من تاريخ الثورات لن تنتهي بالقمع.
السينما والثورات العربية
أما تأثير تلك الفترة على السينما، فقد ضعفت حركة الإنتاج في الفترة ما بعد الثورة، الآن الإنتاج كثير ولكن المشكلة في نوعية الأفلام المُقدّمة، نحتاج إلى تقديم أنماط مغايرة يفرزها مناخ من الحريّة.
وعن التوجه الأخلاقي في السينما أو "السينما التوعوية" التي تحاول أن تقدم مضامين هادفة باشتراطات أخلاقية ودينية، وتفسيره لتوغل الهوس الديني في المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة، قال المخرج المصري: أنا لا أطيق هذه النوعية من الأفلام المباشرة. الفن دوره أن يتحدّث عن البشر لا عن المشاكل التي قد تحضر في الفيلم لكنها ليست الهدف. بالنسبة إليّ أحاول النظر في سيكولوجية الشخص الواقع تحت تأثير مشكلة، وليس البحث عن حل للمشكلة الاجتماعية. لا أرى أن هذا فن جيد. نفس الشيء ينطبق على الأفلام ذات التوجهات الدينية فهي تجارب غير ناضجة برأيي.

اقرأ أيضاً: كيف خدمت السينما أعمال إحسان عبدالقدوس؟
وأضاف بأنّ الهوس الديني له أسباب عدة، ربما أهمها فكرة الهزيمة التي دفعت للرجوع إلى مصدر الأمان ممثلاً في الأمجاد التاريخية والدينية.
يذكر أنّ داوود عبد السيد المولود في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 1946، أنجز خلال ما يناهز ثلاثة عقود، أفلاماً شكّلت علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية، من بينها "الصعاليك" (1985)، "البحث عن سيد مرزوق" (1991)، "الكيت كات" (1991)، "أرض الأحلام" (1993)، "أرض الخوف" (2000)، "مواطن ومخبر وحرامي" (2001)، "رسائل البحر" (2010)، و"قدرات غير عادية" (2014).



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية