كيف استقبل السعوديون والأردنيون معالجة "العاصوف" لحادثة "جهيمان"؟

العاصوف

كيف استقبل السعوديون والأردنيون معالجة "العاصوف" لحادثة "جهيمان"؟


27/05/2019

ما تزال التساؤلات تتوالى حول أبعاد الضجة التي أصابت مواقع التواصل الاجتماعي في منطقة الخليج، وفي السعودية خصوصاً، بعد بثّ العمل الدرامي "العاصوف". ووصلت تلك التساؤلات إلى مواقع التواصل في الأردن؛ التي ضجت بالجدل والسجال في الأسبوع الماضي؛ واللذين بلغا ذروتهما مع بث المسلسل مجموعة من الحلقات المتتالية؛ التي تُعالج درامياً حادثة اقتحام الحرم المكي الشريف واحتجاز الرهائن داخله عام 1979.

اقرأ أيضاً: "العاصوف": الحقيقة تجرح... لسنا ملائكة!
وقد تحولت سيطرة إسلاميين على المسجد الحرام بمكة المكرمة عام 1979 إلى مادة أساسية في المسلسل التلفزيوني "العاصوف"، الذي سلّط الضوء، كما تقول وكالة "رويترز" للأنباء على رواية مثيرة للجدل؛ تستخدمها السعودية اليوم لدعم التغييرات الاجتماعية التي كانت تعد في الماضي منافية للإسلام.
جهيمان العتيبي

انتهازية "الإخوان المسلمين"
ويغوص مسلسل "العاصوف"، بجزئه الثاني، في عمق التحولات الفكرية التي عصفت بالمجتمع السعودي أواخر عقد السبعينيات من القرن الماضي، وهو ما يجعل هذا الجزء - الذي يُعرض حالياً في رمضان على قناة "إم بي سي" - أشد إثارة من الذي سبقه؛ حيث يكشف الستار عن حادثة اقتحام الحرم المكي المعروفة بـ"فتنة جهيمان"، ويوثّق حركة "الإخوان المسلمين" وبداياتها الانتهازية في التكسب من الأحداث التي شهدتها المنطقة آنذاك (وسعي قياداتهم إلى الحصول على الجنسية السعودية)، الأمر الذي جعل "العاصوف" يقفز على قائمة أعلى الأعمال الدرامية متابعة في السعودية، بحسب تطبيقات قياس الرأي، كما تقول صحيفة "الشرق الأوسط"، التي أضافت أنّ عائلة الطيّان في "العاصوف" تأتي كشاهد على أبرز التحولات المجتمعية والفكرية التي عاشها السعوديون في تلك الحقبة، بداية بالطفرة النفطية التي ازدهر على إثرها أبناء الطيّان، وانتقلوا معها إلى منازل فسيحة، واقتنوا أحدث الأجهزة والسيارات الدارجة في تلك الفترة، مروراً بثورة الخميني في إيران، وما أحدثته هذه الثورة من إرباك للمنطقة، وما تبع ذلك من تطرف مقتحمي الحرم المكي خلال رحلة عمرة خالد الطيّان (الذي يؤدي دوره الفنان ناصر القصبي) مع خاله إلى مكة المكرمة، والتي جعلتهما مرآة لتلك التفاصيل التي حدثت آنذاك.

الجدل الذي رافق انطلاق "العاصوف" مرده إلى أحقية من يعيد رواية التاريخ السعودي وبناء تلك الرواية وأبعادها الثقافية والاجتماعية والسياسية

ولم يغفل "العاصوف" عرض ملامح من محاولات حركة "الإخوان المسلمين" المستميتة في خلق قاعدة لهم في السعودية من خلال التكسب من وراء هذه القلاقل، ففي كل أزمة يأتي مشهد الشيخ الإخواني مع جماعته داخل غرفة اجتماعاتهم السرية التي يفكرون فيها بحيلة جديدة للمداهنة والظهور، وذلك مع بداية تأسيس هذا الحراك المشبوه، والذي أظهر "العاصوف" إصراره على التغلغل داخل المجتمع بحثاً عن مصالح سلطوية بحتة، كما أضافت "الشرق الأوسط". وتشير الصحيفة إلى أنّه وبرغم كون "العاصوف" قفز إلى موضوعات يراها معظم السعوديين من المسكوت عنه، خاصة فتنة جهيمان التي تُعرض لأول مرة بعد مرور نحو 40 عاماً على هذه الحادثة المفصلية فكرياً، وكشف الستار عن الجهود العسكرية السعودية التي بذلت لتخليص الحرم المكي من جماعة المهدي المزعوم، عبر ثلاث حلقات شهدت أعلى نسبة مشاهدة "ترند" للمسلسل، إلا أنّ آراء بعض النقاد كانت قاسية تجاه العمل، ممن انقسموا حول تقييمه.

رواية التاريخ الاجتماعي السعودي
من جانبه، يرى الإعلامي السعودي، يحيى الأمير، أنّ الجدل الذي رافق انطلاق مسلسل "العاصوف" كان مرده إلى عنصرين؛ الأول: أحقية من يعيد رواية التاريخ السعودي، ومن يملك الحق في روايته، وبناء تلك الرواية وأبعادها الثقافية والاجتماعية والسياسية.
والثاني: وجود شخصية الفنان ناصر القصبي الذي يثير جدلاً، ويقابَل بمجابهة كبرى من تيارات التشدد والتطرف، خصوصاً أنه يحمل موقفاً فكرياً واضحاً، حملته مختلف أعماله الفنية السابقة.

يغوص المسلسل، بجزئه الثاني، في عمق التحولات الفكرية التي عصفت بالمجتمع السعودي أواخر عقد السبعينيات من القرن الماضي

ويقول الأمير في مقال نشرته صحيفة "عكاظ"  إنه لم يحدث أن أصبح التاريخ السعودي الحديث مادة لعمل ملحمي درامي كما هو الحال في "العاصوف"، بل إنّ رواية التاريخ الاجتماعي السعودي ربما لم تكتب بعد، فقد تركز الاهتمام على التاريخ السياسي، وظل التاريخ الاجتماعي حائراً بين روايتين؛ فـ"الصحوة" لديها روايتها للتاريخ الاجتماعي السعودي، تتحفظ على جانب من ذلك التاريخ، وتتوسع في جانب، فهي ترى أنّ التحول الذي شهدته السعودية منذ عام 1979 يمثّل هداية وعودة للصواب، مدافعة بذلك عن مشروعها بصفتها مرحلة يقظة ووعي ديني حمت به المجتمع من الانحراف والضلال. ويلفت الأمير إلى أنّ "أعظم ما حدث أنّ السياسي لم يتدخل في بناء رواية خاصة بالتاريخ الاجتماعي وتُرك ذلك للمجتمع ليكتب روايته".

اقرأ أيضاً: جهيمان والخميني وأفغانستان!
ودفعت حادثة احتلال الحرم المكي، لمدة أسبوعين من قبل جماعة "السلفية المحتسبة" التي قادها جهيمان العتيبي، السعودية إلى اتجاه أكثر تحفظاً مع سعي حكامها حينها، كما تقول "رويترز"، لاسترضاء المتشددين بالتخلي عن السيطرة على المدارس والمحاكم والقضايا الاجتماعية. وبعد 40 عاماً تعهد ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، بإحياء "الإسلام المعتدل"، وقام بتقليص سطوة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبرفع الحظر على السينما، كما تقول "رويترز"، التي أضافت "ينحي الأمير محمد باللوم في فقد السعودية طريقها على ما حدث في‭ ‬1979 وظهور حركة الصحوة. وعلى الرغم من انتقاد بعض الباحثين هذا التصوير بوصفه إعادة كتابة للتاريخ تتجاهل دور الحكومة فقد رحب به سعوديون كثيرون؛ يشعرون باستياء من رجال الدين المتشددين".
اعتذار متأخر
وسلّط "العاصوف" في حلقة أمس، الضوء على انتشار مظاهر التشدد الديني في السعودية تحت مسمى "الصحوة"، ومن ذلك قيام خرّيج الشريعة، في المسلسل، سعد ابن إمام المسجد محمد بتكسير أجهزة التلفاز والفيديو في بيت جدته، بحجة أنّها أصوات إبليس، بما تبثه من الأغاني والمسلسلات، وفق زعمه، مُبقياً على المسجّل لتستمع جدته وخالة أبيه من خلاله لخطب عبد الحميد كشك وغيره من رموز ما سمي "ثورة الكاسيت" الإسلامي، من أمثال؛ سعد البريك ومحمد العريفي وعائض القرني وسلمان العودة وناصر العمر وسعيد بن مسفر.

اقرأ أيضاً: جهيمان العتيبي مُقتحم الحرم المكيّ والمبشّر بالمهدي
وإلى جانب "العاصوف" الذي بدأ عرضه بداية شهر رمضان المبارك، فقد أثار إقرار زعيم سابق من زعماء "الصحوة الإسلامية" بخطئه نقاشاً عاماً نادراً بشأن الدين والسياسة، وفقاً لـ"رويترز"، التي نقلت عن عائض القرني قوله قبل أسابيع "أعتذر باسم الصحوة للمجتمع السعودي عن الأخطاء التي خالفت الكتاب والسنة وسماحة الإسلام وضيقت على الناس". وأضاف "إنني الآن مع الإسلام المعتدل المنفتح على العالم، الذي نادى به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان".
وحظيت تعليقات القرني، بحسب "رويترز"، بترحيب على نطاق واسع، لكن بالنسبة لمواطنين ولدوا بعد عام 1979 يشعر سعوديون كُثر بالاستياء من الكيفية التي استخدم بها الدين لحرمانهم من الاستمتاع بحياتهم.

يعد الجزء الثاني من المسلسل أشد إثارة من الذي سبقه

الأردن وحادثة جهيمان

في سياق ذي صلة، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن بعد انتهاء حلقات مسلسل "العاصوف" حول حادثة اقتحام الحرم المكي الشريف واحتجاز الرهائن داخله عام 1979. وذكر موقع "عمّون" الإخباري الأردني أنّ الأردنيين يرون أنّ المسلسل تجاهل دوراً أردنياً في تحرير الحرم المكي من أيدي جهيمان العتيبي وجماعته؛ التي ادعت ظهور المهدي المنتظر وطالبت المحتجزين بالحرم بمبايعته.

لم يغفل العمل عرض ملامح من محاولات "الإخوان" في خلق قاعدة لهم بالسعودية من خلال التكسب من وراء هذه القلاقل

ويتابع الموقع: "ترسخ في معتقدات عدد كبير من أبناء الشعب الأردني روايةً تقول إن الأردن أرسل (آنذاك) قوة من القوات الخاصة بقيادة اللواء أحمد علاء الدين أرسلان وشاركت في اقتحام الحرم وتحريره من أيدي جهيمان". وللتأكد من صدقية ودقة هذه الرواية تحدث "عمّون" إلى رئيس الديوان الملكي الأسبق، والذي كان يشغل منصب وزيراً للإعلام عام 1979، عدنان أبو عودة، الذي أكد لـ "عمّون" أنّ الأردن سرعان ما تجهز لإرسال قوة عسكرية لمساندة القوات السعودية في تحرير الحرم آنذاك.
وقال أبو عودة إنّ الأردن أبلغ المملكة العربية السعودية باستعداده للمشاركة في عملية تحرير الحرم المكي، وأنّ القوة العسكرية لهذه الغاية جاهزة. وأضاف أنّ السعودية أبلغت الأردن أنّه في حال تطلب الأمر المساندة ستطلب ذلك من القوة الأردنية، وعليه بقيت القوة الأردنية على أهبة الاستعداد.

اقرأ أيضاً: العاصوف: القصبي يواصل تحريك المياه الراكدة
وأشار أبو عودة في شهادته إلى أنّ دولاً أخرى أيضاً عرضت على السعودية إشراك قواتها في تحرير الحرم المكي، إلا أنّ المملكة العربية السعودية أكدت سيطرتها على الأمر، بالتعاون مع قوة فرنسية.
وأوضح أبو عودة أنّ تفاصيل هذه الاتصالات لم تعلن منذ ذلك الحين؛ كونها اتصالات عسكرية، ومن المفترض أن تبقى سرية، إلا أنّ التسريبات أحدثت خلطاً لدى الأردنيين بين حادثتين مختلفتين. وقال إنّ الخلط وقع بين حادثة تحرير رهائن فندق الأردن كونتينانتال عام 1976، والتي قادها المرحوم اللواء أحمد علاء الدين، واقتحم خلالها الفندق عبر مدخنة مطبخه، وتمكن من تحرير المحتجزين، وبين حادثة الحرم المكي، التي لم تشارك فيها أي قوة أردنية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية