كيف أصبح المسيحي كمال ترزي عكازة صديقه الضرير المسلم حاتم خريس؟

كيف أصبح المسيحي كمال ترزي عكازة صديقه الضرير المسلم حاتم خريس؟


30/05/2019

قبل غروب شمس كلّ يوم رمضاني، يحضر الغزي، كمال ترزي، وهو مسيحي الديانة، مائدة الإفطار، ليجتمع عليها هو وصديقه الكفيف، حاتم خريس، مسلم الديانة. وبعد أن تصدح المآذن بصوت أذان المغرب يتناول الصديقان وجبة الإفطار معاً داخل منزل خريس غرب مدينة غزة.
وما أن يحين موعد صلاة العشاء، يرافق المسيحي ترزي صديقه المسلم خريس إلی مساجد غزة، لأداء صلاة التراويح؛ حيث يرافقه طوال الطريق ليتعكز عليه، فیما ينتظره على باب المسجد لحين الانتهاء من الصلاة، فتبدأ نظرات الاستغراب من المصلين، وتبدأ التساؤلات والأحاديث الجانبية عن سبب وقوفه على باب المسجد وقت الصلاة.
يرافق المسيحي ترزي صديقه المسلم خريس إلی مساجد غزة، لأداء صلاة التراويح

الإنسانية لا تفرّق
كمال ترزي، الذي يعتنق الديانة المسيحية، يكرّس حياته لخدمة صديقه الطبيب الكفيف، الذي فقد بصره قبل ثمانية أعوام، أثناء تركيب وصفة طبية؛ فهو يرافقه منذ خمسة عشر عاماً، رغم اختلاف الديانات بينهما، فالإنسانية لا تفرّق بين مسلم ومسيحي، كما يقول.

اقرأ أيضاً: مسيحيو فلسطين يرفعون صليب الآلام ويقاومون سياسات التهجير الإسرائيلية
الشخص الذي كان يداوي جراح المرضى أصبح في حاجة إلى من يداوي جراحه، ويخفف آلامه، بعد فقدانه عينيه؛ حيث لم يستطع الخروج من المنزل وقضاء احتياجاته الخاصة، والذهاب لأداء الصلوات الخمس في المسجد، كما كان في السابق، بسبب انشغال كلّ من حوله، فكاد أن يصاب بحالة نفسية وانقلبت حياته رأساً على عقب بعد الحادث.
فقد المواطن خريس عينيه، لكنّه لم يفقد الإنسانية في قلوب البشر، فصديقه المسيحي ترزي قرر أن يخفف آلامه، ويمارس حياته بشكلها المعتاد، وكأنه لم يصبح كفيفاً، فكان بمثابة بصره الذي يبصر به، فهو لا يفارقه إلا ساعات قليلة خلال اليوم.
لا يصوم ترزي في شهر رمضان المبارك، إلا أنه يشارك صديقه المسلم طعام الإفطار

المشاركة في جميع الأوقات
لا يصوم ترزي في شهر رمضان المبارك، إلا أنه يشارك صديقه المسلم طعام الإفطار، ويجتمعان على مائدة واحدة؛ حيث إنّ الأخير لا يحلو له تناول الإفطار إلا برفقة أبو إلياس الذي يشاركه أفراحه وأحزانه.

اقرأ أيضاً: جورجي زيدان اللبناني المصري المسيحي المسلم المُفترى عليه
ويقول ترزي لـ "حفريات": "منذ خمسة عشر عاماً وأنا والدكتور حاتم صديقان، كان يخفف آلامي عندما أشعر بالمرض، ويقدم لي الدواء المناسب، وعندما فقد بصره قررت أن أخفّف آلامه وأسانده في محنته، والوقوف بجانبه حتى لا يشعر بالنقص، وبأنه أصبح ضريراً".
ومنذ بداية صداقتهما تعاهدا على أن يتشاركا الفرح والألم: "قضينا أوقاتاً جميلة معاً، وبعد مصابه الجلل، وفقدانه أعزّ ما يملك، أكملنا المشوار الذي بدأناه، وقررت أن أشاركه فيما أصابه، فكلّ من يعرف أنّ كلّ واحد منا يعتنق ديانة مختلفة يصاب بالدهشة من عمق العلاقة التي تجمعنا، رغم اختلاف الديانات".
الشعور بالفرح
ويستذكر أبو إلياس أول موقف بينه وبين صديقه الكفيف بعد إصابته؛ عندما أبلغه بأنّه سيرافقه إلى المسجد لأداء الصلاة جماعة، كما اعتاد منذ الصغر، ففرح فرحاً شديداً، وكأنّ بصره عاد إليه من جديد.

يفضل خريس مرافقة صديقه المسيحي الملقَّب بـ "أبي إلياس" علی مرافقة أصدقائه الآخرين أو حتى أهله

ويقضي ترزي أغلب أوقاته مع صديقه، كونه لا يعمل؛ فهو يتقاضى راتباً من السلطة الفلسطينية، كونه أسيراً محرراً، حكمت عليه المحكمة الإسرائيلية، عام 1988، بالسجن 9 أعوام؛ نظراً إلى نشاطه السياسي، فقضى مدة سبعة أعوام، وتمّ الإفراج عنه ضمن اتفاقية "أوسلو"، عام 1994.
ويخبر ترزي "حفريات"؛ بأنّه في حال إجماع الأطباء في مجال طبّ العيون على أنّ عملية زراعة عين لصديقه سوف تتكلل بالنجاح بنسبة 100%، فهو على استعداد لأن يقدم له إحدى عينيه ويبقى بعين واحدة، في سبيل أن يبصر صديقه، ويتمكن من رؤية أبنائه الخمسة، الذين حُرم من رؤيتهم طوال الأعوام الماضية.
ويبين أنّ المسيحيين في قطاع غزة يعيشون بحبّ وسلام مع المسلمين، ولا يفرقهم شيء، فما يجري على المسلم يجري على المسيحي، وهم شركاء في الدم والقضية، لافتاً إلى أنّ واقع المسيحيين لا يمكن فصله عن واقع المسلمين.
يقضي ترزي أغلب أوقاته مع صديقه

معالج حالة الإحباط
حالة الإحباط التي أصيب بها الطبيب بعد فقدانه بصره لم تدم طويلاً؛ فقد استطاع صديقه المسيحي أن يخرجه من تلك الحالة، وأن يعيده إلى الحياة مجدداً، فهو استطاع أن يعوضه عن بصره من خلال مساعدته في الوصول إلى المسجد وشراء ما يحتاج بنفسه وممارسة حياته الذي اعتاد عليها وهو مبصر.

الإحباط الذي أصيب به الطبيب بعد فقدانه بصره لم يطل؛ فقد استطاع صديقه المسيحي أن يخرجه من تلك الحالة

ترزي مثال يحتذَى به؛ فهو الصديق الإنسان الذي يساند صديقه في محنته، ولا يلقي بالاً للثرثرات والأحاديث الجانبية ونظرات الاستغراب من المصلين أثناء انتظار خروج رفيق دربه من المسجد، فواجبه الإنساني يحتّم عليه أن يستمر بما بدأ دون توقف.
ويفضل خريس مرافقة صديقه المسيحي، الملقَّب بـ "أبي إلياس"، علی مرافقة أصدقائه الآخرين، أو حتى أهله؛ فهو الشخص الذي كرّس حياته للوقوف إلى جانبه ومساعدته وإيصاله إلی المسجد. يقول خريس لـ "حفريات": "ما يقوم به صديقي المسيحي يدلّ علی التسامح الديني، فعندما أجلس مع صديقي المسيحي أشعر بسعادة غامرة، فنحن نقضي جلّ الأوقات معاً؛ ففي ساعات المساء نذهب إلى الأماكن الترفيهية، وهناك نتبادل أطراف الحديث عن الحياة والأوضاع الإنسانية التي يعاني منها سكان القطاع، ولا تخلو جلساتنا من النكات التي يحاول من خلالها تخفيف همومي".
ويفصّل خريس علاقته التي لا حدود لها بصديقه المسيحي بقوله: "يساندني في المرض، ويفرح لفرحي ويحزن لحزني، ويشاركني في طقوس شهر رمضان؛ إذ إننا نجتمع على مائدة إفطار واحدة داخل منزلي، نتناول طعام الإفطار معاً، وبذلك يمكنني القول إننا أصبحنا روحين في جسد واحد، وإنّ اختلاف الديانات بيننا لم يفرقنا بل وحّدنا".

اقرأ أيضاً: مسيحيّو فلسطين اعتصموا بالثورة والمقاومة وأناروا العالم بحضورهم
ويرى الطبيب خريس؛ أنّ علاقته بصديقه ترزي علاقة قوية، وأنّه لا يوجد أثر سلبي للديانة على العلاقة، لافتاً إلی أنّ علاقته بصديقه المسيحي، أبو الياس، يُضرب بها المثل.
فحال الصديقين، المسيحي والمسلم، كحال المسيحيّين والمسلمين الفلسطينيّين، الذين يعيشون في قطاع غزّة الحصار الإسراٸيلي؛ حيث إنّ هناك 3500 مسيحي من أصل ما يزيد عن مليوني نسمة، يعيشون بسلام مع بعضهم.

الصفحة الرئيسية