ارتباك الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية وانعكاساته على المنطقة

ارتباك الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية وانعكاساته على المنطقة


30/05/2019

تتوالى مؤشرات تعقيد المشهد في المنطقة، باتجاهات تشير إلى أنّها ستذهب لمزيد من التصعيد خلال الشهور المقبلة، وهو ما يعني فتح الآفاق أمام سيناريوهات جديدة، وربما غير متوقعة، قاسمها المشترك إعادة تدوير الأزمات وتصعيدها، على وقع تداعيات تلك المؤشرات.

اقرأ أيضاً: إيران ستستهـدف إسرائيل إذا اندلعت الحرب: أربعة سيناريوهات

ويشار هنا إلى تطورين بارزين يرتبطان بالفاعلين الأساسيين في أزمات المنطقة، الأول: إغلاق ملفات "تحقيق مولر" حول التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية لصالح الرئيس ترامب، بصيغة تضمنت أن لا إدانة ولا تبرئة، والتوجيه لاستكمال التحقيقات من قبل الكونغرس الأمريكي، الذي يصر على إدانة ترامب تمهيداً لعزله، وهو ما يعني استمرار الصراع الداخلي الأمريكي بما يحول دون قرارات حاسمة في قضايا المنطقة، والثاني: حل الكنيست الإسرائيلي وإقرار انتخابات جديدة في السابع عشر من أيلول (سبتمبر) المقبل، وذلك بعد فشل نتنياهو بتشكيل حكومة جديدة، واحتمالات تقديمه للمحاكمة على خلفية قضايا فساد.

تتوالى مؤشرات تعقيد المشهد في المنطقة باتجاهات تشير إلى أنّها ستذهب لمزيد من التصعيد خلال الشهور المقبلة

هذان التطوران ستكون لهما تداعياتهما على القضية الأبرز في المنطقة، وهي القضية الفلسطينية، وباتجاهات تم التعبير عنها قبل التطورين المذكورين، من خلال الإصرار على طرح ما يسمى بـ"صفقة القرن"، بمسمّيات وصيغ جديدة، كمؤتمر المنامة، وهو ما يعني الإقرار بفشل "الصفقة" بصيغتها المطروحة، وفقاً للتسريبات حولها، والتي تؤكد إنكاراً للحقوق الفلسطينية، مرفوضاً فلسطينياً وعربياً، رغم تعاطي بعض الأطراف العربية معها، ومن المرجّح أنّ هذا الفشل لن يمنع أمريكا من مواصلة البحث عن أفق لتمرير الصفقة، وإن كانت بتسميات جديدة، وفق إستراتيجيات أولوياتها في التعامل مع أزمات المنطقة بين حل القضية الفلسطينية ومواجهة إيران.

اقرأ أيضاً: أين وصل الدعم الأمريكي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؟

ورغم التصعيد المتبادل بين واشنطن وطهران، في إطار ثنائية التلويح بالحرب والبدء بالمفاوضات، فإنّ مخرجات هذا التصعيد تشير إلى إمكانية الذهاب للتفاوض لإنجاز صفقة جديدة. وبمعزل عن مضمونها، فإنّه ولحين الوصول إليها ستبقى المنطقة تحت وطأة التصعيد، يتم خلالها تبادل الرسائل المشفرة، عبر الوكلاء في اليمن وسوريا والعراق، بما في ذلك الرسائل التي ستصدر عن قمم مكة التي دعت إليها المملكة العربية السعودية، والتي تنعقد في ظل قناعات بعدم جدية أمريكا بتوجيه ضربة قاصمة لإيران، ورسائل إيرانية، أكثر وضوحاً من السابق، تؤسس لاستعداد لبدايات تغيير، بعد تسلّم طهران للرسائل الأمريكية التي تؤكد أنّها لا تريد إسقاط النظام في طهران وتغييره.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تبتلع ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.. عن أي صفقة قرن يتحدثون؟

يزداد المشهد السوري، ومركزه التطورات في إدلب تعقيداً، في ظل حسابات تحالف أطراف أستانا المتناقضة، تلك الصيغة التي بدأت هشة، وتقترب اليوم من الانهيار، في سياقات الإجابة على أسئلة معلّقة، جمعت أطرافاً متناقضة وتواجه الحقيقة، في ظل موقف تركي له حساباته لما بعد إدلب، ويتمسك بورقة المعارضة والفصائل الإرهابية في سوريا، وخوض حرب سجال في ريف حلب وإدلب، ضد الحليف الروسي، لدرجة ضرب قاعدة حميم بصواريخ، تردّد أنّ تركيا زودت الفصائل المسلحة بها، مقابل إصرار روسي على تنفيذ إستراتيجته بإغلاق ملف إدلب، حتى وإن تعارض ذلك مع إستراتيجية "الحليف" التركي، وهو ما يؤشر لتبدلات قد تذهب باتجاه ابتعاد تركيا عن روسيا لحساب تفاهمات "قلقة" مع الإدارة الأمريكية حول مستقبل الأكراد والدعم الأمريكي لهم، والاستهداف الأمريكي الاقتصادي لتركيا، وربما تطيح تلك التفاهمات باتفاقية شراء منظومات صواريخ إس 400 الروسية.

رغم التصعيد المتبادل بين واشنطن وطهران إلا أنّ مخرجات هذا التصعيد تشير إلى إمكانية التفاوض لإنجاز صفقة جديدة

الارتباك في الإدارة الأمريكية مع المواقف الأوروبية غير الحاسمة تجاه ملفات المنطقة، سيدفع لمزيد من التصعيد في ليبيا واليمن، وستبقى ملفاتهما خاضعة لحرب الوكلاء التي أنتجتها الأزمة الخليجية، فيما نجحت طهران وأنقرة في استثمارها، رغم المؤشرات التي تؤكد خسارة رهاناتهما في السودان وليبيا والجزائر، لصالح تحالف "الرياض القاهرة وأبوظبي".

إنّ الاعتقاد من قبل أطراف في المنطقة بأنّ الصراعات تمّ حسمها في ظل ارتباكات الإدارة الأمريكية، والرهانات على عزل الرئيس ترامب أو فشله في الانتخابات المقبلة، تبدو غير موضوعية، وتعكس انسداداً في الممارسة والمقاربات السياسية في المنطقة، والتي يتم إعادتها لمفاهيم ماضوية، تقوم على كل شيء أو لاشيء، فأمريكا ما تزال رغم ارتباكات إدارتها، قادرة على تنفيذ سياساتها، والفوارق بين الديمقراطيين والجمهوريين، خاصة تجاه قضايا المنطقة وصراعاتها، تنحصر في كيفيات التنفيذ، عنوانها ضمان أمن إسرائيل.

وفي الخلاصة، فإنّ إدارة أمريكية مرتبكة، بالتزامن مع قيادة إسرائيلية أكثر ارتباكاً، تفتح الباب أمام سيناريوهات تصدير الأزمات بشن حروب جديدة، في منطقة ملتهبة بالصراعات ومهيأة لهكذا سيناريو، لفرض وقائع جديدة، لن تسهم في إغلاق ملفات بقدر ما تزيد التصعيد في المنطقة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية