رحلة البحث عن مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية

رحلة البحث عن مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية


24/01/2018

يحاول بحث "دور عملة البتكوين في تمويل الجماعات والتنظيمات الإرهابية"، التجوّل بين عديد القضايا المرتبطة بالواقع المعيش؛ ليحلّ ألغازه، ويشرح، عبر رحلة طويلة، كيف استغلت الجماعات الإسلامية الإرهابية عملة "البتكوين" الافتراضية، لتصبح أحد أهم مقومات اقتصادها.

أثناء الرحلة الدقيقة عن هذه المصادر، يجدها الباحث متعددة، ويحاول رصد معظمها، فيذكر منها:

الاستيلاء على آبار النفط وتصديره: فقد تبنّت التنظيماتُ الإرهابية، سيما داعش، إستراتيجية السيطرة على آبار النفط، والاستيلاء على إنتاجه، ومن ثمَّ بيعه، وذلك للاستفادة من عوائده، وهو ما حدث في حالتي سوريا والعراق، فقد سيطر داعش، في 2 آب (أغسطس) عام 2014، على حقلي "عين زالة" و"بطمة" في جنوب كركوك، اللذين تبلغ طاقتهما الإنتاجية الإجمالية 30 ألف برميل يومياً، من النفط الخام الثقيل، كما سيطر على جزء من مسار خط أنابيب تصدير النفط إلى ميناء "جيهان" التركي.

ورغم عدم وجود تقديرات رسمية حول إجمالي سيطرة داعش على المناطق النفطية في العراق، أثناء كتابة البحث، وذلك بالطبع قبل أن يتم تحرير العراق من داعش، بعد معارك متعددة خسرت فيها البلاد العديد من مواردها، فإنّ التقديرات كانت تشير إلى سيطرة التنظيم على ما يقرب من 17% من المناطق النفطية.

تدرك الجماعات العنيفة والمتطرفة، التي تنتهج العنف، أنّ الحفاظ على قوتها وبقائها يتطلب توفير موارد مالية ثابتة

سرقة ونهب البنوك والممتلكات الخاصة: مع اتساع نطاق الفوضى، وخروج العديد من المناطق عن سيطرة الدول العربية، بعد الانتفاضات العربية في بعض المناطق، بدأت المجموعات الإرهابية في الاعتماد على مصدر جديد للتمويل، يتمثّل في سرقة أموال البنوك والمصارف؛ حيث انتشرت عمليات اقتحام وسرقة المصارف، في كلٍّ من العراق واليمن وليبيا؛ ففي العراق، استطاع تنظيم داعش، في حزيران (يونيو) عام 2014، بعد دخول الموصل واقتحام بعض البنوك، الاستيلاء على مبالغ مالية تصل، وفق بعض التقديرات، إلى 425 مليون دولار.

الاتجار في المواد المخدرة وتأمين مسارات التهريب: تعدّ عائدات الاتجار في المخدرات، من أهم مصادر تمويل أنشطة الجماعات الإرهابية، التي تقوم أيضاً بتوفير مسارات التهريب، فعلى سبيل المثال: يقدّم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" الحماية لمهربي الكوكايين القادمين من الصحراء الإفريقية، المتجهين إلى الدول الأوروبية، مقابل الحصول على مبالغ مالية.

فرض الجزية والابتزاز المالي لغير المسلمين: وقد مثلت الحالة السورية نموذجاً في ذلك، سيما بعد سيطرة داعش على مساحات واسعة في شرق سوريا، وإعلانه تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق التي تخضع لسيطرته؛ ففي أواخر شباط (فبراير) عام 2014، قام التنظيم بفرض جزية على المسيحيين في مدينة الرقة، في صورة مبالغ مالية تساوي 17 غراماً من الذهب للطبقة الغنية منهم، ونصف هذه القيمة لمتوسطي الحال، كما قام التنظيم بالأمر نفسه مع النساء الإيزيديات في سوريا والعراق.

صعوبة تعقب معاملات البتكوين أهم الميزات التي تجذب العناصر المتطرفة والإرهابية

الاتجار بالبشر: انتشر هذا النمط في حالة التنظيمات الإرهابية في العراق، فوفق تصريحات محمد الخزاعي، المتحدث باسم الهلال الأحمر العراقي؛ فإنّه في 8 آب (أغسطس) من عام 2014، قامت ميليشيات داعش بخطف النساء المسيحيات الإيزيديات، وبيعهن في الأسواق بمدينة نينوى، باعتبارهنّ سبايا وجوار، مقابل مبالغ مالية وصلت إلى 150 دولاراً للمرأة الواحدة.

التبرعات واستغلال منظمات العمل الأهلي: في عام 2003، أجرت جامعة "جونز هوبكنز/ (Johns Hopkins)"، دراسة تهدف إلى مقارنة الجمعيات الأهلية غير الهادفة للربح في 35 دولة؛ منها 16 دولة من الاقتصاديات الصناعية المتقدمة، و14 دولة من الدول النامية، و5 دول أخرى تُصنف تحت بند "اقتصاديات انتقالية"، وذلك بناءً على معلومات تم جمعها، في الفترة بين أعوام 1995 و1998؛ حيث خلصت الدراسة إلى أنّ التبرعات التي تلقتها المنظمات الإرهابية، في هذه الفترة، بلغت ما يعادل 1,3 تريليون دولار أمريكي، وهو ما يعادل 5,1% من إجمالي الناتج المحلي في الدول الـ 35، ما يعني أنّ هذا الرقم ربّما يكون قد تضاعف بعد ذلك، دون وجود رقابة فعَّالة على التبرعات في كثير من الدول.

ولم يمنع قيام كثير من الدول بإيقاف المنظمات التي يُشتبه في تمويلها للإرهاب، من أن تعود هذه المنظمات للعمل مرة أخرى، دون ترخيص من الحكومة، وبشكل خفي، مثل: "جماعة الدعوة" في باكستان، كما حظرت الولايات المتحدة كثيراً منها، لكنها عادت للظهور مرة أخرى تحت أسماء جديدة.

ويُلاحظ أنّ هذه التبرعات قد لا تذهب بشكل مباشرٍ إلى الجماعات الإرهابية، فقد يذهب جزء منها لدعم المساجد والمدارس، التي تبث أفكاراً متطرفة، كما يبين البحث.

وعلى سبيل المثال؛ أصدرت الاستخبارات الأمريكية تقريراً، في عام 2005، يفيد بأنّه تم استخدام 35 مليار دولار من الأموال المخصصة للتبرعات، لبناء مساجد ومدارس تبث أفكاراً متطرفة في إقليم كشمير، وتستهدف بصفة أساسية الفئة الفقيرة من المواطنين.

أصبح لدى التنظيمات الإرهابية، قدرة أكبر على استخدام أدوات أمنية، للتستّر بشكلٍ مُحكمٍ، من خلال شبكات إخفاء الهوية

تزوير العملة والأوراق المالية: تُستخدم هذه الوسيلة في تمويل الإرهاب، عندما يكون التمويل قادماً من دولة راعية للإرهاب، وتستهدف، في الوقت نفسه، الإضرار باقتصاد الدولة؛ حيث يلاحظ وجود علاقة طردية بين زيادة نشاط الإرهابيين وانتشار العملة المزورة، وقد كشفت وحدة مكافحة التمويل الهندية، أنّ العملات المزورة التي تم اكتشافها خلال الفترة بين كانون الثاني (يناير) 2011 إلى آذار (مارس) 2012، قد بلغت 3,27,328 مليون روبية هندية، كذلك أكدت شرطة دبي، في عام 2011، أنّها قد عثرت على 10,700 عملة هندية مزورة بقيم مختلفة، فيما عثرت على 9000 عملة أمريكية مزورة.

فدية الاختطاف: لا ينتبه الكثيرون إلى اتساع نشاط التنظيمات الإرهابية، في ليبيا والمناطق الجنوبية من اليمن، فيما يخصّ عمليات الخطف، بهدف الحصول على فدية مالية مقابل إطلاق سراح المختطفين.

ويُعدّ تنظيم القاعدة في اليمن، الأكثر اعتماداً على الخطف كأداة للحصول على الأموال، فوفق تقرير اعتمدت عليه الورقة البحثية عن صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلاً عن ديفيد كوهين، وكيل إدارة مكافحة الإرهاب في وزارة الخزانة الأمريكية؛ فإنّ أموال الفدية التي حصلت عليها الجماعات الإرهابية في الفترة بين عام 2012 وعام 2014، بلغت 120 مليون دولار، علماً بأنّ فرع تنظيم "القاعدة" في اليمن وحده، حصل على ما لا يقل عن 20 مليون دولار من تلك الأموال.

ويمكن القول: إنّ مسألة تجفيف مصادر تمويل الجماعات الإرهابية، ظلت تمثّل الشاغل الأول لمختلف الدول والمنظمات الدولية، سيما في السنوات الأخيرة؛ حيث اتخذت تلك الدول حزمة من الإجراءات لمكافحتها، سواء بشكل منفرد، أو بشكل جماعي.

وهنا، تثير الورقة سؤالاً أساسياً، حول مدى إدراك الجماعات المتطرفة والإرهابية للعملات الافتراضية بشكل عام، والبتكوين على وجه الخصوص، وهل هناك مؤشرات ودلائل تشير إلى اتجاه تلك الجماعات نحو العمل عبر تلك العملات، كخطوة ثانية تلي حصولها على الأموال من المصادر المذكورة سلفاً؟

تسعى الجماعات الإرهابية بقوة إلى استغلال التكنولوجيا وتقنيات الإنترنت

كيف توظف الجماعات الإرهابية البتكوين؟

تدرك الجماعات العنيفة والمتطرفة، التي تنتهج العنف، أنّ الحفاظ على قوتها وبقائها يتطلب توفير موارد مالية ثابتة، تصعب ملاحقتها ومصادرتها من قبل المصارف والبنوك، أو السلطات العامة في الدول والحكومات، لذا؛ فإنّها تسعى بشكل قوي إلى استغلال التقنيات والآليات الحديثة، لإخفاء مواردها المالية، للحفاظ عليها، وتشفير عمليات نقل الأموال وشراء المعدات والأجهزة اللازمة لها.

وتثير الورقة البحثية، تساؤلاً مهماً: هل تدرك الجماعات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة تلك العملات الافتراضية وأهميتها المتزايدة، بالتالي، تستخدمها في التمويلات المحظورة، وشراء الأسلحة والمعدات المهمة، التي لا يمكنها الحصول عليها بالأساليب الشرعية؟ وهو محور تلك الورقة، وهل هذا الإدراك يصاحبه توافر إمكانات وقدرات تقنية ومعرفية تمكن تلك الجماعات من استغلال تلك الأوعية الجديدة والمتجددة لضمان موارد مالية مستقرة وآمنة.

وتوصل البحث إلى القول: إنّ العديد من المؤشرات والظواهر تشير بوضوحٍ إلى إلمام العديد من الحركات والجماعات المتطرفة والإرهابية بتلك الأوعية الجديدة، كما تشير المؤشرات إلى وجود القدرات، العلمية والتقنية، اللازمة لاستخدام هذه الأوعية واستثمارها، التي دفعت العديد من الدول والمنظمات إلى الاهتمام بتلك الأوعية، والعمل على إيجاد وسائل حديثة وآليات متقدمة، لرصد تلك العملات وتتبعها، وفرض رقابة عليها، وعلى حركتها عبر الدول.

لماذا يختارون البتكوين؟

تتميز البتكوين، بالقدرة على التعامل مع أية أفراد أو جهات، في مختلف العالم؛ حيث يسمح نظام التعامل عبر تلك العملة بتحويل الأموال من أي مكان، إلى أي مكان آخر، وبأيّة قيمة.

السرعة الفائقة في إجراء المعاملات: من السمات المميزة للتعامل بالعملة الافتراضية البتكوين: عنصر السرعة، والعمليات الهائلة، تتم بين مختلف مناطق ودول العالم في مدة زمنية لا تتعدى الثواني المعدودة.

سهولة التحكم والبيع وسهولة محو الآثار، تجعل من البتكوين عملةً مفضلةً للإرهاب

الأمن والتحكم: يمتلك مستخدمو البتكوين تحكماً كاملاً في معاملاتهم، من المستحيل للتجار أن يفرضوا عنوةً رسوماً غير معلن عنها، أو غير مرغوب فيها، كما يمكن أن يحدث مع وسائل الدفع الأخرى. مدفوعات البتكوين يمكن أن تتم دون أن يتم دمج أو ربط المعلومات الشخصية بالمعاملة، وهذا يوفر حماية فائقة ضد سارقي الهويات، ويمكن لمستخدمي البتكوين، أيضاً، حماية أموالهم من خلال النسخ الاحتياطي والتشفير.

وتطرح الورقة مجموعة من الأسباب التي تدفع تلك الجماعات إلى التفكير في البتكوين تحديداً، ومنها:

انخفاض تكلفة الاستخدام: تتميز المعاملات والتحويلات بانخفاض تكلفة التحويل والدفع ونقل الأموال؛ حيث لا تمرّ تلك الأموال الافتراضية عبر المؤسسات المصرفية، أو الجهات المالية الدولية والمحلية، إنّما تتم المعاملات مباشرة بين المستخدم والآخر دون الحاجة إلى وسيط يسهم في رفع التكلفة.

سهولة الاستخدام: أيّاً كان النظام الذي يتم استخدامه، ينبغي أن يكون سهل الاستخدام بالنسبة للأفراد الذين لا يمتلكون خبرات تقنية، وهنا نجد أنّ أجهزة الكمبيوتر ساعدت على إنشاء المعاملات بسرعة وسهولة؛ بل وإمكانية استخدام الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية المتصلة بشبكة الإنترنت.

صعوبة تعقب المعاملات: وهي أهم الميزات التي تجذب العناصر المتطرفة والإرهابية، إضافة إلى جماعات الجريمة المنظمة، وغسل الأموال، وتجارة المخدرات والأسلحة، حيث يصعب، بشكلٍ كبيرٍ، تعقّب تلك المعاملات، أو اقتفاء أثرها، بغرض تحديد الأطراف والجهات المتعاملة. إضافة إلى غموض السلع والمنتجات المستخدمة في عملية التبادل.

التحصين الأمني: أصبح لدى التنظيمات الإرهابية، قدرة أكبر على استخدام أدوات أمنية، للتستّر بشكلٍ مُحكمٍ، من خلال شبكات إخفاء الهوية، التي جعلت مهمة وكالات إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب صعبةً للغاية.

لقراءة البحث كاملاً انقر هنا 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية