لماذا يطمع الأتراك بمصر؟

لماذا يطمع الأتراك بمصر؟


04/01/2018

كانت ثورة 30 يونيو المصرية، وخروج الملايين من الشعب المصري إلى الشارع، مطالبين بإسقاط النظام الإخواني الذي يقوده محمد مرسي، بمثابة المسمار الأخير الذي دق في نعش أحلام الإمبراطورية العثمانية الجديدة، التي يحاول الرئيس التركي أردوغان إحياءها بواسطة حلفائه من الإخوان المسلمين.

فقد استطاعت تركيا وحليفتها قطر، في الفترة التي سبقت الربيع العربي، الاستحواذ على قرار التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وهو ما شكّل دفعًا لحلم أردوغان بإعادة السيطرة على الدول العربية التي كانت محتلة من قبل الدولة العثمانية.

وبسيطرتهم على أكبر فرع للإخوان في جمهورية مصر العربية، ووصول ذلك الفرع إلى سدة الحكم، سيطرت تركيا على أكبر دولة عربية “مصر”، بوصفها العربة الأولى في قيادة أي مشروع عربي.

فجميع المشاريع الحديثة التي انضوت تحتها الأمة العربية، كان منشأها مصر، فمنها بدأ الاستقلال العربي الحديث، وهي قائدة المشروع القومي، وكانت الرائدة في الصراع العربي الإسرائيلي، والمتقدمة في الحروب ضد إسرائيل وعزلها.

ومن مصر استطاع الاتحاد السوفيتي أن يمد نفوذه إلى المنطقة العربية، ومنها أيضًا دخل الدور الأمريكي إلى الشرق الأوسط، بعد أن ساءت علاقة مصر مع الاتحاد السوفيتي.

ومن مصر وبها انطلقت ودُعمت حركات التحرر في بلدان العالم الثالث، التي امتدت إلى أدغال أفريقيا، ودول أمريكا اللاتينية، وباقي الدول الإسلامية في شرق آسيا، وبقرار مصري تشكلّت كتلة عدم الانحياز.

فالأتراك ومنذ أن فشلوا في الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، اتجهت أعينهم إلى الجنوب؛ للسيطرة على المشرق العربي وقيادته، وكانت الرقعة الأولى التي حرّكوا عليها أحجارهم هي مصر، لأجل أن تصبح نقطة الانطلاق لضم باقي الدول العربية، لأنهم يعلمون أن خبرة التاريخ تقول أن ما يسود في مصر سيسود تلقائيًا في كافة أنحاء الوطن العربي.

ويقول عقل التاريخ، إن الغزاة الذين جاءوا لاحتلال الشرق بدأوا من مصر.

منذ الاحتلال الفارسي سنة 530 ق.م، عندما فكرّت فارس في الفترة الأخمينية بتوسيع نفوذ دولتها، فاحتلت مصر، ومنها تحوّلت إلى إمبراطورية عظمى، استطاعت توسيع نفوذها في آسيا وأفريقيا وأوروبا.

ومنذ حملة الإسكندر المقدوني، الذي استطاع أن يحتل مصر سنة 332 ق.م، مما مهد له الطريق لاحتلال باقي دول المشرق مرورًا بالعراق وإيران، حتى وصل بجيشه اليوناني إلى الهند.

وهو ما فعلته الإمبراطوريات اللاحقة، الرومانية، والإسلامية. وجميعها قامت على أكتاف مصر، وقوتها البشرية، وموقعها الجغرافي مركز العالم القديم، وثرواتها الطبيعية.

وصولاً إلى أطماع نابليون باحتلال الشرق، وحملته الفرنسية الأولى على مصر، التي حاول، انطلاقًا منها، مد نفوذه إلى الهند.

وحرب إسرائيل سنة 1967 ومحاولتها لإسقاط الدولة المصرية، من أجل أن تحل إسرائيل مكانها في قيادة منطقة الشرق الأوسط، لأن مصر القوية كانت الجدار الأول أمام التوسع الصهيوني في الدول العربية.

لأن مصر تبني الإمبراطوريات

في فترة الاحتلال العثماني، التي يعتبرها المؤرخون أسوأ احتلال حديث لمصر، هدف سلاطين الدولة العثمانية إلي نقل مشعل الحضارة الإسلامية من العواصم العربية في بغداد، ودمشق، والقاهرة إلى عاصمتهم. ولهذا قاموا  بنهب وسرقة الكتب من المدارس والمساجد، ونقل آثار الرسول، وقاموا بالقضاء على أى محاولة لنهضة مصر، وتمثلت هذه المحاولات فى إلغاء كافة أشكال التعليم في الدول العربية، وأوقفوا الإنفاق على العلم، واقتصر دورهم على أخذ الخراج وفرض الضرائب.

كل تلك المحاولات الممنهجة قام بها العثمانيون في مصر وباقي الدول العربية، من أجل تركيعها وحتى تظل الدول العربية مجرّد ولايات تابعة لتركيا، يأخذون منها لتطوير الأستانة! وكان أول ما قام به السلطان العثماني “سليم الأول” في مصر، هو نقل العمالة المصرية المهرة (الصنايعية) من مصر إلى الأستانة، واتفق المؤرخون على نقل عمال وصناع ثلاث وخمسين مهنة بالقوة إلى الأستانة، وبهؤلاء الصناع المصريين بدأت نهضة كل الفنون التركية المعروفة. وهو ما حدث مع بغداد ودمشق وجميع حواضر العرب التي احتلها العثمانيون.

ولم يكن شأنهم أن تتحول الدول العربية الحضارية إلى دول بدائية متخلفة، يغزوها الجهل وتسودها الأمية.

كما قل عدد سكان مصر في الفترة العثمانية من تسعة ملايين مواطن، إلى مليونين ونصف فقط خلال قرنين من حكم العثمانيين، وفي وصف حالة المصريين البائسة يذكر الدكتور جمال الغيطاني في كتابه “قاهريات مملوكية” أن “حياة الإنسان لم تكن لها أي قيمة، ويمكن أن يقتله عسكر الإنكشارية في أي لحظة، ويمكن اختطاف أي إمرأة، واغتصابها علنًا حتى في المساجد”!

وكما أن مصر قامت على أنقاضها إمبراطوريات، فقد كان خروجها من الإمبراطورية العثمانية بمثابة هدم لها، فعندما تحررت مصر من نير الاحتلال العثماني، تحوّلت الأخيرة إلى “الرجل المريض”. وهو ما حدث في المشروع الأردوغاني/العثماني الحديث، فعندما أسقطت مصر وكلاء أردوغان من الإخوان وحركات الإسلام السياسي، تزعزعت أحلام تركيا الحديثة، وبدأت تحيك مؤامراتها ضد مصر وفي جنوبها وبجوارها.

عن"كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية