الإمارات تتمسك بدعم الشعب الصومالي رغم مؤامرات حكومته

الإمارات تتمسك بدعم الشعب الصومالي رغم مؤامرات حكومته


17/04/2018

تتجاوز الجهود الإنسانية لدولة الإمارات العربية المتحدة في الصومال الجانب التنموي، والبعد الإغاثي الظرفي، إلى بعد أشمل ذي طابع إستراتيجي هدفه إعادة الاستقرار إلى البلد بعد سنوات طويلة من الحروب وغياب الدولة، غير أنّ حكومة مقديشو اختارت مؤخراً تحويل بوصلتها نحو قوى معادية للإمارات.

وقررت دولة الإمارات إنهاء مهمة قواتها التدريبية في الصومال لبناء الجيش الصومالي الذي بدأ عام 2014. يأتي هذا القرار على خلفية حادثة احتجاز السلطات الأمنية الصومالية طائرة مدنية خاصة مسجلة في دولة الإمارات الأحد 8 نيسان (أبريل) 2018 في مطار مقديشو الدولي، وعلى متنها عناصر من قوات الواجب الإماراتية، وعلى خلفية قيام بعض العناصر الأمنية بالاستيلاء على المبالغ المالية المخصصة لدعم الجيش الصومالي ودفع رواتب المتدربين الصوماليين.

وأعربت الإمارات عن استنكارها لهذه الحادثة، التي ترى فيها ما يناقض الأعراف والتقاليد الدبلوماسية المستقرة بين الدول وما يخالف مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين، فيما يؤطّر خبراء ومراقبون هذا التصعيد ضمن سياقات استراتيجية ترتبط من جهة بالأجندات الخارجية في منطقة القرن الأفريقي.

ويرتبط هذا التصعيد من جهة أخرى، بالخلافات بين مقديشو وجمهورية أرض الصومال، أو صوماليلاند، وهو إقليم منطقة حكم ذاتي تقع في القرن الأفريقي، على شاطئ خليج عدن، وبالتحديد في شمال الصومال، وتطالب بأن يعترف العالم بها، وخصوصا جامعة الدول العربية.

على مستوى التصعيد الخارجي، تعتبر تركيا، الصومال من المناطق الرئيسية في سياساتها الناعمة، وعلى مدى سنوات طويلة استغلت الأوضاع الإنسانية في البلاد، لترسخ قدمها وذلك عبر سياسة بدأت بالمساعدات الإنسانية ومشاريع خيرية انتهت ببناء قاعدة عسكرية.

وتقلق جهود الإمارات في دعم الشعب الصومالي، تركيا، كما قطر وإيران أساسا، باعتبار أن أجنداتها “الإنسانية” تبطن غايات سياسية. فقطر مثلا تلعب على كل الأطراف في مقديشو وتستغل تواطؤ الحكومة، لتحويل الصومال إلى أفغانستان جديدة في أفريقيا، عبر دعمها للحركات المتشددة، خاصة حركة الشباب المتطرفة.

وقال محمود كمال، مساعد مدير المركز العربي الأفريقي للدراسات، إن التصعيد الصومالي، تقف وراءه قطر التي تبحث عن إعادة إحياء دور التنظيمات المتشددة مرة أخرى، بشكل يخدم أغراضها، ويتوافق مع توجهاتها في إحداث المزيد من توترات في المنطقة، باعتبار أن الصومال إحدى الدول المهمة في منطقة القرن الأفريقي.

وأضاف لـ”العرب”، أن الإمارات أخذت على عاتقها مهمة إعادة بناء الجيش الصومالي وتطهيره من المتشددين وكسر شوكة التنظيمات المتطرفة في غالبية الأراضي الصومالية، بدعم من قوات البعثة العسكرية للاتحاد الأفريقي، حتى افتعلت مقديشو أزمة الطائرة المحملة بالملايين من الدولارات، وهو ما استثمرته الدوحة لسكب الزيت على النار، أملا في أن تقوم بدور الخزينة بالنسبة للحكومة الصومالية.

وأوضح كمال، أن محمد مرسي الشيخ، وزير الدفاع الصومالي، كان قد أعلن قبل فترة عن وقف برنامج تدريب عسكري إماراتي بحجة أن الحكومة سوف تتولى دفع رواتب المجندين وليست بحاجة إلى دعم إماراتي، برغم أن الصومال يعاني من أزمة اقتصادية صعبة، لكن ذلك التحول المفاجئ بدأ يأخذ منحنى التوتر منذ قرار الدول الأربع (مصر والإمارات والسعودية والبحرين) بمقاطعة قطر بسبب تمويلها للتطرف.

وأشار إلى أن وجود نفوذ قوي للدوحة في الصومال، الذي يقع قريبا من باب المندب وعند مدخل البحر الأحمر، يمكّنها من تهديد أمن مصر والسعودية، لأن "قطر تهوى أن يكون لديها متشددون تابعون لها في المناطق التي تمثل أهمية استراتيجية، لذلك فهي تعمل حاليا على تغذية التطرف في المنطقة بما يخدم مصالحها الرامية إلى تهديد أمن دول الخليج الرئيسية، بذريعة أن ذلك يقوي نفوذها، متصورة أن هذا النوع من التصرفات قد يدفع الدول الأربع إلى مراجعة مواقفها حيالها".

لدولة الإمارات خبرات وتجارب متراكمة في مساعدة الدول الفقيرة والناشئة على التوازن والاستقرار من بوابة التنمية، وقد قدّمت للصومال الذي يسعى للخروج من مرحلة الحرب الأهلية، العديد من المساعدات ذات الطابع التنموي.

وقد أثنى المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصومال، مايكل كيتينغ، على جهود دولة الإمارات العربية المتحدة المستمرة في مساعدة الصوماليين في مختلف المجالات، لدعم الأمن والاستقرار والتنمية في هذا البلد الذي لا يزال في طور البحث عن توازنه، بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية.

تاريخ من العلاقات

لا يأتي اهتمام الإمارات بدعم الصومال، من مبدأ المصلحة، وإن كان استقرار الصومال يعني نجاح عمليات مواجهة القرصنة في الساحل الأفريقي وحماية السفن التجارية الإماراتية والدولية. لكنه، يأتي تنفيذا لوصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في مد يد العون والسند للجميع، وخاصة في مجال الدعم التنموي والإنساني لجميع الدول العربية والإسلامية، وفي مقدمتها جمهورية الصومال، وكذلك اليمن.

ودعمت الإمارات العديد من المؤتمرات الدولية لمكافحة القرصنة في الصومال تزامنا مع تزايد هجمات القراصنة واختطاف العديد من السفن التجارية التي تعبر الحدود المائية للصومال.

ويقول عبدالرحمن عبدي، نائب رئيس مركز  مقديشو للدراسات السياسية، “تفاجأ الجميع بحادثة احتجاز الطائرة الإماراتية ومصادرة الأموال التي كانت على متنها ولم يكن أمرا متوقعا نظرا للعلاقات القوية بين البلدين والدور الكبير الذي لعبته الإمارات خلال السنوات الماضية في دعم الصومال سواء في المجال الأمني وخصوصا في محاربة التطرف وفي المجال الإنساني حيث تنفذ الإمارات منذ عدة سنوات مشاريع تنموية ذات بعد استراتيجي في عدد من المناطق الصومالية”.

وترتبط دولة الإمارات والصومال بعلاقات تعاون تاريخية قامت على أساس الاحترام المتبادل، وقد نفّذت قوة الواجب الإماراتية عدة دورات تدريبية تخرج منها الآلاف من الصوماليين تم تدريبهم لبناء الجيش والأجهزة الأمنية الصومالية، كما تقوم دولة الإمارات بدفع رواتب 2407 جنود صوماليين، وبناء 3 مراكز تدريب ومستشفى وطواقم طبية إماراتية لعلاج الصوماليين.

وتشرف الإمارات على برنامج قوات الشرطة البحرية في إقليم بونتلاند المعنية بمكافحة التطرف والقرصنة. وساهمت في رفع قدرات المؤسسات الأمنية والعسكرية الصومالية، وكذلك دعم وتعزيز جهود مكافحة التطرف بالتعاون مع عدة أطراف دولية والقوات التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال.

وقدمت الإمارات عبر هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لشعب الصومال منذ عام 1993 وحتى نهاية 2016، أي خلال 24 عاماً، مساعدات بلغت 277 مليوناً و553 ألف دولار، بالإضافة إلى 165 مليوناً حصيلة حملة “لأجلك يا صومال” والتي تم إطلاقها عام 2017، ليصل مجموع المساعدات 442 مليوناً و553 ألف دولار، المساعدات شملت العديد من المشاريع التنموية، وبرامج الإغاثة ومشاريع رمضان والأضاحي والأيتام والمساعدات الإنسانية للمحتاجين.

بلغت قيمة المساعدات الإغاثة منذ عام 1993 وحتى نهاية 2016، نحو 95.8 مليون دولار، فيما بلغت قيمة المشاريع 82.6 مليون دولار، وبلغت قيمة مشاريع رمضان والأضاحي 19.5 مليون دولار، والمشاريع الخاصة بكفالة الأيتام 78.8 مليون دولار، فيما بلغت قيمة المساعدات الإنسانية 10.6 مليون دولار، وفي عام 2016، بلغ إجمالي قيمة المشاريع الإغاثية وكفالات الأيتام والمساعدات الإنسانية ومشاريع الإغاثة ورمضان والأضاحي نحو 13.5 مليون دولار.

تصعيد مقديشو
لكن، في الوقت الذي تمد فيه الإمارات يدها بالدعم، غير المشروط، للشعب الصومالي، كان للرئيس محمد عبدالله فرماجو وللحكومة الصومالية، رأي آخر وأجندة أخرى تعارض مصالح الشعب الذي عانى من ويلات الحرب.

أقدمت الحكومة الصومالية مؤخرا على تعطيل اتفاق موقع بين موانئ دبي العالمية مع حكومة أرض الصومال لتطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة تتكامل مع مشروع تطوير ميناء بربرة، بحيث يصبح الميناء إقليميا محوريا ومعبرا رئيسيا لمختلف البضائع المستوردة من الأسواق الإقليمية والعالمية ويجذب المستثمرين ويسهم في تنويع الاقتصاد وخلق المئات من فرص العمل.

تدخلت حكومة فرماجو، مدفوعة بوضوح لتنفيذ أجندة مصالح قطرية، وحاولت تعطيل الاتفاق وعدم الاعتراف به، في تحدّ واضح لخطط طموحة تهدف إلى تحسين أحوال شعب الصومال، وفتح آفاق التنمية وانتشاله من ويلات الفقر.

ولم يتوقف تصعيد الحكومة في مقديشو عند هذا الحد بل تعدّى ذلك نحو اختراق القوانين والمواثيق الدولية، باحتجاز السلطات الأمنية الصومالية للطائرة المدنية الخاصة المسجلة في دولة الإمارات في مطار مقديشو الدولي، وعلى متنها عناصر قوات الواجب الإماراتية، ومصادرة المبالغ المالية المخصصة لدعم الجيش الصومالي ودفع رواتب المتدربين الصوماليين، وعدد من الأسر الفقيرة، وأطباء مستشفى زايد بمقديشو.

ويرجع مراقبون هذا التبدل في سياسة الرئيس الصومالي إلى خلاف مقديشو مع جمهورية أرض الصومال وعدم اعترافها باستقلال هذه المنطقة. ووجدت الأطراف الخارجية التي لها مصلحة في تغذية هذا الصراع فرصة في غضب فورماجو، خصوصا بعد الانتخابات التي شهدتها صوماليلاند في شهر نوفمبر 2017.

وكانت الإمارات من أول الدول التي توجه إليها الرئيس الجديد موسى عبدي بالشكر لدعم بلاده، التي تنشد الاعتراف العربي والدولي. وأكّد أن على الدور الإماراتي في تحقيق النهضة التي ينشدها لبلاده، قائلا خلال مؤتمر صحافي بنادي دبي للصحافة “نحن دولة مستقلة ومن حقنا عقد اتفاقيات مع من نشاء دون وصاية من أحد”، في إشارة إلى الاتفاقية الموقّعة حديثا حول ميناء بربرة مع موانئ دبي العالمية، وبمشاركة إثيوبيا.

ويرى عبدالرحمن عبدي أن “الحادث كان الهدف منه صرف الأنظار عن الصراع بين الحكومة والبرلمان لأنه جاء في أوج الصراع بين الجانبين والذي نجم عن مشروع لسحب الثقة من رئيس المجلس محمد عثمان جواري”.

ويقلق انسياق الرئيس فورماجو وراء السياسات الخارجية الداعمة للفوضى، بقية الأطراف الصومالية، حيث دافع عبدالوالي محمد علي، رئيس حكومة إقليم بونتلاند، (منطقة تقع شمال شرق الصومال) عن العلاقات بين الإمارات وبونتلاند.

وقال محمد علي خلال مؤتمر صحافي إنه “طلب من دولة الإمارات العربية المتحدة مواصلة دعم قوات الشرطة البحرية في بونتلاند”. وأضاف قائلا “أعتذر عن أي أخطاء يمكن أن تكون قد حدثت. لا يوجد بديل أفضل للدعم الإماراتي”. وذكر أيضا أن ولايته يربطها تعاون أمني مع الإمارات بشأن التطرف والقرصنة والاتجار بالبشر.

ويؤكد عبدالرحمن عبدي أن الصومال لن يتخلى “عن الدور الإماراتي في إعادة بناء المؤسسات الوطنية ولاسيما المؤسسات الأمنية والجيش، وستجد مقديشو صعوبة في أن تجد من يملأ هذا الدور”.

ورغم تجاوزات حكومة فورماجو، تؤكد الإمارات انحيازها الكامل لشعب الصومال، والتزامها بتقديم كل صور الدعم الممكن، وأنها ستبقى إحدى أهم الدول الداعمة لقطاع الأمن الصومالي، كما أكدت على ذلك مؤسسة إنترناشونال بيس إنستيتيوت الفكرية المرموقة.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية