أسرار وخفايا تصنيف تونس كأكثر دولة عرضة لتمويل الإرهاب

تونس

أسرار وخفايا تصنيف تونس كأكثر دولة عرضة لتمويل الإرهاب


05/03/2018

يكشف إدارج تونس على قائمة الدول الأكثر تعرضاً لمخاطر تمويل الإرهاب، وتبييض الأموال، في التصنيف الذي وضعه البرلمان الأوروبي يوم 7 شباط (فبراير) 2018، المعوقات العديدة التي تترافق والمسار السياسي والاقتصادي والأمني، في تونس منذ "الربيع العربي"، ومساءلة الدور الذي تعنى به الهياكل والبنى التشريعية في الرقابة.

كما يتضمن الإدراج تتبع حركة الأموال والتبرعات ومختلف الأنشطة الاقتصادية، سواء للأفراد والمؤسسات والجمعيات الخيرية، التي تمرّر من خلالها عمليات تمويل الأنشطة المسلحة للمجموعات الارهابية، والحدّ منها، خاصة أنّه قد سبقه، في كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي، تصنيف مماثل من الاتحاد الأوروبي، عدّت فيه تونس "ملاذاً ضريبياً".

يشير القرار إلى هشاشة الدور الرقابي والتشريعي في ضبط النظام المالي والمصرفي التونسي الذي يستغله المتطرفون

البرلمان الأوروبي صوّت، في ضوء هذه المخاطر، على إدراج تونس ضمن القائمة السوداء للدول الأكثر عرضة لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بموافقة 357 نائباً، مقابل 283 نائباً، صوّتوا ضدّ هذا التصنيف، بينما امتنع 26 عضواً عن التصويت، ما خلق حالة من الانقسام بين نواب البرلمان الأوروبي.

ويشير القرار إلى هشاشة الدور الرقابي والتشريعي، في مراقبة العمليات المالية المختلفة، وضبط النظام المالي والمصرفي التونسي، الذي يستغله المتطرفون في تمويل عملياتهم المسلحة، والحصول على الأسلحة ومخازن المتفجرات وصناعة العمليات الإرهابية، خاصة في ظلّ تنامي المجموعات الإرهابية، في شمال إفريقيا ودول المغرب الإسلامي، القاعدة وداعش، داخل الأراضي التونسية.

يتجاوز عدد الجمعيات في تونس ما يقدر بنحو 18 ألف جمعية، وتبين تورط العديد منها، في تمويل الإرهاب

كيف يموّل الإرهابيون عملياتهم المسلحة؟

احتلت تونس المرتبة 59 عالمياً، من بين 146 دولة، حدّدتها مجموعة معايير، أبرزها؛ مدى جودة تشريعات وأنظمة الدولة في مجالات مختلفة، أبرزها مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتتعدّد قنوات التمويل للإرهابيين في ظل تعدد الجمعيات الأهلية المتورطة، في دعم العمليات المسلحة، من جانب، وتوصيل مساعدات لأسر المقاتلين، وهو ما كشفت عنه، مجموعة العمل المالي، بالإضافة إلى، استغلال الحدود التونسية، بغية الاتجار في الأسلحة والمخدرات والتهريب، وتكوين شبكات مالية واسعة.

احتلت تونس المرتبة 59 عالمياً، من بين 146 دولة، حدّدتها مجموعة معايير غسيل الأموال وتمويل الإرهاب

ويتجاوز عدد الجمعيات في تونس ما يقدر بنحو 18 ألف جمعية، وتبين تورط العديد منها، في تمويل الإرهاب ومساعدة عائلات المتشددين بالمال، كما تستهدف ضمن أنشطتها المتعددة، تدشين صفحات على منصات التواصل الاجتماعي، وجمع تبرعات، من أجل أنشطة خيرية؛ مثل بناء المساجد، وغيرها من التبرعات بحجة العمل الخيري والدعوي، وذلك وفق تقرير لجنة التحاليل المالية في تونس.

فساد مالي وتهرب ضريبي وقرصنة حسابات بنكية

وتوضح اللجنة، أنّ عناصر تسهيل التمويلات الإرهابية، تتضمن التهرب الضريبي، والفساد، وقرصنة الحسابات المالية والبطاقات البنكية بالخارج، بالإضافة إلى الجمعيات وشركات التجارة الدولية، غير المقيمة، وقطاعي العقارات والذهب. ويتعرض القطاع البنكي في تونس، إلى مخاطر شديدة، في مجال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

إلى ذلك، قدمت كتلة "الحرة" البرلمانية، لوزير الدفاع التونسي، عبد الكريم الزبيدي، تساؤلاً مثيراً عقب إدراج تونس، في هذا التصنيف، باعتباره المسؤول عن القضاء العسكري، حول قضية تحويلات مالية، اتضح، وفق الكتلة، امتداد نسبها إلى ضابط قطري متقاعد، واستفادة عدد من الجمعيات والشخصيات المتهمة، بدعم التطرف منها، وتضمنت عسكريين ومدنيين من تلك الأموال.

يشير الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، سامح عيد، في حديثه لـصحيفة "حفريات"، إلى أنّ التقارير كافة عدّت تونس "من أكثر الدول العربية التي تضمّ داعشيين، وربما يكون هذا مفهوماً في إطار أنّ تونس مورست فيها العلمانية، في عهد بورقيبة، ومن بعده بن علي، بصورة حدية في التعامل مع التيار الإسلامي، بشكل عام، وهذا صنع تطرفاً من قبل الإسلاميين، إضافة إلى كونهم عاشوا في المنفى فترات طويلة، راكمت لديهم مشاعر غضب، بالذات لدى الشباب".

ويضيف: "عاش التونسيون، وفي قلبهم التيار الإسلامي، أزمنة في المنفى، وبالذات في أوروبا؛ حيث ساهم تواصلهم مع أقرانهم، سواء العرب أو المغاربة، ودوائر المجتمع المدني الأوروبي، في امتلاكهم مفاتيح وأكواد التمويل، سواء فيما يخصّ المرأة أو الطفل أو الحقوق السياسية والاجتماعية"، هذا من جانب.

كما توجهت أموالهم، وفق عيد، للمنطقة العربية، في إطار المصالح الإقليمية، لدعم توجهات سلفية، والتوسع في بناء المساجد، ودعم الأنشطة الدينية، وتحفيظ القرآن، وغيره.

وأوضح عيد، أنّه ثمة مشكلة في البنية التشريعية بسبب المصالح المشتركة؛ فالتيار المدني يستفيد من الدعم الأوروبي، في مجال الحقوق السياسية والاجتماعية التي ينخرط فيها قادة سياسيون، من ذوي التوجهات الليبرالية واليسارية، ناهيك عن التيار الديني بكافة أطيافه؛ حيث يستفيد من الدعم الأوروبي، بشكل كامل.

التقارير كافة عدّت تونس "من أكثر الدول العربية التي تضمّ داعشيين

دعشنة المجتمع التونسي

في السياق ذاته، أكّد مصطفى أمين عامر، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، لـصحيفة "حفريات" أنّ المقاتلين التونسيين المنضمين لداعش، يشكّلون حالة "خاصة"؛ حيث وضِعوا في المرتبة الأولى ضمن المنضمّين للتنظيم، بعد أن قدِّرت أعدادهم بين 8 إلى 12 ألف مقاتل، منهم 5500 مقاتل، لايزالون يمارسون القتال، مع فلول التنظيم فى سوريا والعراق وليبيا، بحسب تقارير دولية، وهو الأمر الذي يضع الحكومة التونسية، في مأزق حقيقي، يتمثل في كيفية وآليات استيعاب العائدين منهم إلى تونس.

وعدّ الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية المجتمع التونسيّ، تحوّل إلى معمل "تفريخ" للعناصر الإرهابية، بسبب سيطرة الجماعات الإسلامية على الحياة العامة هناك، وتسييس المساجد، وانتشار أفكارها بشكل كبير بين الشباب التونسي، المحبَط بسبب البطالة وانتشار الفقر وسوء التعليم، وعدم الوعي الكافي بخطورة هذه الأفكار المتشددة على مدنية الدولة التونسية، ويضاف إلى ذلك عدم وجود توعية بقضايا الإرهاب، ورقابة صارمة على الحدود، خاصة مع ليبيا ودول جنوب الصحراء الإفريقية.

وكشف عن كون المعضلة الأكبر في تونس، ليست فقط في المقاتلين العائدين، إنّما فى الفتيات اللواتي انضممن إلى التنظيم، ويمثلن مشكلة مزدوجة، بحسب عامر، أولها: "التورط بالفعل مع التنظيم في تنفيذ عمليات إرهابية، وهو ما تم في عملية "بولعابة" عام ٢٠١٥، وراح ضحيتها عناصر من الحرس الوطني التونسي، في ولاية القصرين، غرب تونس، وقامت اثنتان منهنّ بالتخطيط للعملية، فيما قدّمت باقي الفتيات مساعدات لوجيستية للإرهابيين، ممن ينتمون إلى كتيبة عقبة بن نافع".

والنقطة الثانية، تتعلق، بحسب عامر، بالفتيات اللواتي تزوجن عناصر داخل داعش، وأنجبن منهم أطفالاً، يطلق عليهم "أشبال الخلافة"، ما يعني أنّ هناك المئات من العناصر الإرهابية قيد التكوين، يشكّلون خطراً فادحاَ على الدولة التونسية مستقبلاً.

واختتم حديثه لـ "حفريات"، بقوله: إنّ "الدولة التونسية برفضها عودة هؤلاء الإرهابيين إليها، يعني أنّ هذه العناصر ستظلّ حاضنة للعنف، وستحاول تصديره إلى تونس بشتى الطرق والوسائل، ما يوجب على الساسة في تونس بلورة مقاربة تحمي الدولة من خطرهم، وفي الوقت نفسه، تعمل على استيعاب من لم يتورّط منهم في العنف، ولم يحمل السلاح ضدّ أشقائه في الوطن".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية