مع المرزوقي: هل الإسلام السياسي هو أصل الاستئناف؟

مع المرزوقي: هل الإسلام السياسي هو أصل الاستئناف؟


17/05/2020

يرى أبو يعرب المرزوقي، المفكر التونسي المعروف، أنّ الإسلام السياسي، متمثلاً في الإخوان المسلمين، هو الأمل الوحيد في تحقيق النهضة العربية فيقول، بطريقة هتافية، في إحدى مقالاته، التي خصّصها للحديث عن أهلية الإسلام السياسي في قيادة العالم العربي:" لن يحول دونهم وتحقيق ذلك أيّة قوة في العالم"، وسبب ذلك، بحسب رؤيته، البنية والقوة الشعبية التي تقف خلفهم، كمشروع لخلاص الأمة من الاستبداد والاستعمار، وإذا اتفقنا في الثانية جدلاً، فشرط الاتفاق هو عدم الوقوع في الأول؛ أي الاستبداد، وهو الفيصل في التأكد من هذه النظرة الطهرانية تجاه دعاة الإسلام السياسي، وتوظيف الدين من أجل الكسب السياسي، وما إن ننظر نظرة فاحصة لهذا التعميم المرزوقي، الذي يربط الأمل فقط بالإخوان المسلمين، يفتت ويتفكك؛ إذ لا يمكننا النظر إلى الإسلام السياسي بهذه الرؤية، فهو ليس واحداً، والنماذج التي نراها تتعدد وتختلف لعاملين أساسيين، للنظر في أيّ نسق معرفي وسياسي.

الأول: البنية الداخلية للجماعة في الوطن المعين، وتأثرها بالثقافة المحلية، والسياق الذي نشأت فيه وتطورت من خلاله، أو ارتدت؛ فالسياق هو أمر كفيل لجعل الحركات الإسلامية متباينة، وأحياناً قد تصل حدّ التناقض، والتخلّي عن جوهر المشروع كما حدث في الحالة التونسية.
الثاني: السياق التاريخي ومقولاته التي وجدتها الحركات الإسلامية فاعلة؛ فتاريخ الحركات الإسلامية هو قلب تاريخ الحداثة، وفتوحاتها المعرفية والسياسية، فهذا عامل آخر يجعل هذه الحركات متباينة، بقربها أو بعدها، عن الوعي بالزمن الذي تعيشه، فلا يمكننا اذاً فهم حديث المرزوقي إلا في إطار الحديث عن حركة الإخوان المسلمين في مصر، إلّا أنّه يعمّم ويتكئ على هذا التعميم، الذي هو مخلّ ومربك لأيّة نظرة فاحصة وناقدة تحاول حتى فهمه.

ثمة خلاف جوهري في توظيف الاستبداد من خلال خطاب المظلومية كخطاب يبرّر لاستبداد جديد في ثوب ديني

لا شك، أنّ ثمة استبداداً سياسياً جاثماً على صدر البلدان العربية منذ الاستعمار، لكن ثمة خلاف جوهري في توظيف هذا الاستبداد من خلال خطاب المظلومية، كخطاب يبرّر لاستبداد جديد في ثوب ديني، يجمع بين بطش الدولة الحديثة، باختياره أسوأ نماذجها والإرهاب الديني الذي يتّكئ على المقدس، والحديث هنا ليس حديثاً تجريدياً، فتجربة الإسلام السياسي في السودان كافية لتحدث شرخاً كبيراً في دعوى أبي يعرب المرزوقي، كونها مثالاً ظاهراً لرؤية الإخوان المسلمين للدولة والمجتمع، وتطبيقاً لا يمكن المرور عليه مرور الكرام؛ فهي تجربة ما يزال روادها العميان يدعون لها ولبقائها، انطلاقاً من المقولتين اللتين انطلق منهما المرزوقي؛ أي مواجهة الاستبداد والاستعمار، رغم أنّهم يعرفون جيداً استبداد الإسلام السياسي في السودان، ويعرفون أيضاً فشل شعار "أمريكا روسيا قد دنا عذابها"، فهم يتحرّكون تارة نحو أمريكا، وتارة نحو روسيا، للخروج من المأزق الاقتصادي الذي سبّبه الجهل بإدارة الدولة، وانعدام الشفافية، وغيرها من تلك الأمور المصاحبة للاستبداد السياسي.
لقد انعقد الأمل في التجربة السودانية قبل ربع قرن من الزمن، ولم نكن في حاجة إلى دعوات المرزوقي التبشيرية، فكنا نثق في الإسلام السياسي ودعاته للخروج من مأزقي السياسة السودانية الكبيرين؛ وهما الحكم العسكري والطائفية الدينية، وتمثل المأزق الأول في الانقلابات العسكرية وتواليها، والثاني في حكم الطائفتين الدينيتين المهدية والختمية، وحكومات السادة التي كانت تثقل كاهل الشعب، فكان الأمل فيما عدّه المرزوقي ميزة تتميز بها حركة الإخوان المسلمين، هي تصالحها مع الحداثة في شكلها السياسي المتمثل في الديمقراطية والحريات العامة والحقوق المدنية، وإن كانت هذه الشعارات تتعارض مع جذور نشأتها، لكن لنعدّها تجاوزت جذورها، وإن كان دون نظر وتأمل، وظننا أنّ هذه الشعارات كافية للحيلولة دون الوقوع مرة أخرى في الاستبداد السياسي، لكن ما إن قويت شوكة الحركة من خلال امتلاكها للدولة، تبخر الأمل، فكما يقول أدونيس: "كلّما هذبته الحكمة فضحته التجربة"، فظهرت المسافة الشاسعة بين القول والواقع السياسي والاجتماعي، تجلت من خلالها حقيقة الإيمان والوعي بهذه الحداثة في شكلها الواضح الذي أوضحناه سابقاً؛ إذ كانت الدولة تعيش حالة طوارئ لزمن طويل، وانصرف الحال إلى العمل وفق مقولة "التمكين"، التي ذكرناها في مقال سابق لنا، إنّها تمَكّن من المجتمع ومفاصله، وإعادة هندسته بحسب المتخيل، أكثر منه تمكين له لمواجهة الاستعمار والاستبداد، وهو جوهر اتفاقنا مع أبي يعرب المرزوقي، ذي النوايا الطيبة والصادقة، إلا أنّه لم يتريث في القراءة والتحليل والاستقراء في خروجه بهذا الحكم، الذي هو جور على شعب ما يزال يتجرع مرارة تجربة الإسلام السياسي، ولو أنّه فعل وعرف لمن يهب نواياه هذه، لكان السراب أمامه واضحاً، ولم يكن ليحسبه ماءً طيباً يصلح للشرب.
في المقال المقبل، نتتبع الحجج التي حشدها أبو يعرب المرزوقي، ونتفحصها لإثبات دعواه العريضة، ونحاول أن نتعرف إلى المناسبة التي أثرت فيه ليقول ذلك، وهل كانت صادمة إلى هذا الحدّ؟!
يتبع...



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية