لماذا لا أنتمي إلى الإخوان؟

لماذا لا أنتمي إلى الإخوان؟

لماذا لا أنتمي إلى الإخوان؟


09/04/2024

لا يسعنا تجاوز التجربة الشخصية بينما نفتح باب الآراء أو حتى المواقف من العالم، تحديداً التجربة الحزبية والأُطر التي يصوغها الفرد في المجتمع من منظوره الذاتي واستنادًا إلى ما يراه، وكيف يبدي رأيه فيها أو أين يكون منه. من هذا؛ الانخراط في أي عملٍ جماعي أو حزبيّ، فمن مبررات أن تكون فاعلاً في باب دورك أو متصلاً في سياقات المطروح حولك، أن تكون منخرطاً في حزب ينظم رؤاك ويصقل رأيك في شرقنا الأوسط الذي عاش حيوات حزبية كثيرة، لا يسعنا الحكم عليها كلّها بأنّها فاشلة بينما نعد ثمارها، وكذلك لا يمكننا أن نحكم عليها بالنجاح لأنّنا ندرك هفواتها جيداً.

ولأنّ الذاتي جزء من أي موضوع تقوم به أو يُقام حولك، فأنا سعيد لأنَّ أستاذ التربية الإسلامية (ع،خ) لم يستقطبني بشكل واضح يوم سألته وأنا ابن الصف الأول الثانوي "كيف أكون حزبياً"، وكنت على يقين تام بأنّه سيأخذني إلى صفوف جماعة الإخوان المسلمين التي يعد من أبرز أعمدتها في محافظتي. ربما تفرّس بي فراسةً عاجلة بحكم خبرته، فقال لي "إذهب إلى الأستاذ (ع،م) في الطابق الثاني.. فهو بعثي". لم أصبح إخوانياً وكذلك لم ألتزم مع غيرهم، لكنّها شهوة الأسئلة.

كانت الحاجة ملحّة وواضحة، أريدُ أن أكون حزبياً؛ لأنّ الحزب أول طريق للعمل المنظم ومجال واسع لتحقيق الذات من خلال رؤى الحزب التي أتبنّاها وسجالاتي مع الآخر الذي ليس من جماعتي، لكن، ماذا سيقدم لي حزب الإخوان المسلمين لو كنتُ فيه؟ أو لنقل "لماذا لم أكن في هذا الحزب باعتبار وعيي بالحاجة الحزبية ماثلاً أمامي؟".

تسيطرُ جماعة الإخوان المسلمين على السواد الأعظم من مدينتي التي ولدت فيها، ذلكَ أنَّ الجماعة ابتلعت الحزبيين من أطياف أخرى؛ البعثيين (بشقيهم الشامي والبغدادي) والشيوعيين بين مفصول من عمله ومتقاعد من يساره؛ لأنّ الميدان برايات خضراء كثيرة، لكنّ شاباً أعتنى كثيراً بتراث وتاريخ مدينته ليس من السهل عليه أن ينخرط في جماعة غيّرت وجه المدينة الثقافي وامتلأت المدينة بالأعراس الدينية -الطارئة- بعد عمرٍ كاملٍ من اعتبار العرس جزءاً من طابع المكان الغارق بشبّابته ودبكته.

أشياء كثيرةٌ غيّرها فكر الجماعة في المدينة، التحيّات، أسماء الدكاكين، السوق الذي بدأ أول اسم "كذا للملابس الشرعية" في تسعينيات القرن الماضي بعد عمر من "النوفيتيهات" المليئة بملابس بيروت والشام، الثياب المختصرة القادمة من عمق الزي السلفي، المحرمات التي طرأت على الناس في باب التحية والمشية والاختلاط وتكثيف مفردات المحارم على مدينة عاشت في التنوع وعرفت به منذ نزعة الانفصال التي قام بها شيوعيو المدينة منتصف الخمسينيات حتى قطع الطريق على مساعدات الجيش الأمريكي القادمة إلى العراق من خلال مدينتي، حتى أوقفها قوميو المدينة  ووزعوا حمولتها على فقراء المدينة.

كانت الجماعة مشغولة بموضة "الخروج" واستضافة الشيوخ الوافدين من عمق الصحراء أو من حملة العمامة الأزهرية، وكانت نسبة أعضاء الجماعة تتزايد من خلال الدعوات -الصريحة والمراقبة بدقة- للانتساب في المساجد، ولأنّ الجماعة لا تفصلُ بين المدينة على الأرض والفردوس المُنتظًرة في السماء فقد كانت "إعلاء راية الله" شعار ومصيدة الانتساب، ولا يجادلك المسلم –بكل درجات إيمانه- في "إعلاء راية الله" وغيرها من الشعارات التي تخاطب الوجدان الديني للناس، منها "إخوتنا المجاهدون في أفغانستان" وكذلك صنعوا الآخر المشرك الذي سيهدم مدننا ويسرق كعبتنا ويعتدي على أعراضنا إذا فاز علينا. لخّصوا كل الخطوط الحمراء التي لا يتجاوزها أبناء المدينة ويموتون من أجلها، ثم هيمنوا على عاطفته بأصواتهم الهادئة وحجتهم القوية التي تمرنوا عليها كثيراً لكسب الناس.

إنّك تعيشُ على الأرض ولا تسيء للسماء، و"الإخوان" تعيش في السماء وتحاسبك على أفعالك الأرضية

الخمار والنقاب طارئان على المدينة، شيوخ الخط الأول في الجماعة، اختلاط الرؤية الحزبية بالوعد الإلهي، استخدام المنبر كمنصة حزبية، الاستشهاد بالغيب لصناعة حياة ناجحة على الأرض .. كل وسائل الدنيا والآخرة أمامك وعليك فقط أن تختار خياراً واحداً "أنا معكم والله أكبر"، بهذا سُرقت المدينة وتغيرت الصورة التراثية التي أعرفها وعاصرت القليل منها قبل اجتماعات غسل الأدمغة عشية كل يوم خميس في المسجد الشرقي.

لم تقدم الجماعة أيّة تجربة ناجحة في ذلك الوقت، جاءتها ضرورة الجهاد في فلسطين أبّان عهد النكبة؛ فجاهدوا، ثم مول أعداء السوفييت الحرب واستخدموا أجنحة الجماعة باسم "الله ورفع رايته"، خاضوا الانتخابات بقواعد شعبية عريضة وقبول حكومي لتهميش الأطرف الأخرى، لهذا هم دائماً على يمين من يستعد للحرب "الجهاد" ثم على يمين من يملكون الناس (الإخوة المنتسبون في مساجد القرى والأرياف). لهذا لم نرَ نجاحاً إخوانياً فردياً لكننا شهدنا الإخفاقات التي وضحت صورة الإخوان بنكهتها الإرهابية بعد أن جمعت لها الدول والشعوب التبرعات بالصحف الرسمية عندما كان حضور الجماعة مفيداً للأطراف التي تقف على يسارها لتكون الجماعة على اليمين المطلوب.

الحزب بلا رموز، حزبٌ رمزه الشيخ وشيخٌ شيدَ رؤيته الحزبية من خلال شيخ مات قبله، حزبٌ يخلط بين منصة الحزب والمنبر، بين الجنة المأمولة والحياة الواقعية، بين مؤسسات الدولة وديوان الحسبة، بين الكتب الفكرية وكتب الفقه والنقل، بين الفن والمجون بين التزامك بالصلاة ومدى تطبيقك للرؤية الحزبية، بين الصلاة الجمعة واجتماعات الحزب الدورية، بين التعايش والجزية، بين معارك الداخل التي يخوضونها والهدنة مع العدو المتفق على عدائه، بين تصريحات الحمائم التي تتحدث بدبلوماسية والصقور المتأهبة للآخر بكل مخالب التاريخ وضغينته، بين "تفريخ" الإرهاب الذي يطالب بنفس المطالب التي تطالب بها الجماعة ويختلف معهم بالتطبيق، ثم نقول: "الجماعة بريئة منهم وأنا إخوانيٌّ لا أدعم الإرهاب".

أهم سبب يمنعك من أن تكون إخوانياً، أنّك تعيشُ على الأرض ولا تسيء للسماء، والجماعة تعيش في السماء وتحاسبك على أفعالك وميولك الأرضية، كذلك لا يمكن أن تسعى لتطوير الأرض وبناء شعوبها بينما ترى العالم كله في طائفة الهالكين، وأنتَ ناجٍ وحيد. لهذا لم أنتمِ للإخوان؛ لأنهم سرقوا المدينة وكادوا أن يسرقوا الأرض بتهديد الغيب، في مسرح جريمة الانقضاض على الأفكار.

 

الصفحة الرئيسية