الإخوان المسلمون ودلالات التسمية

الإخوان المسلمون ودلالات التسمية

الإخوان المسلمون ودلالات التسمية


02/03/2024

تشير مذكرات حسن البنا (مذكرات الدعوة والداعية) إلى أن قصة التسمية "الإخوان المسلمون" جاءت عفوية بما يشبه المصادفة حين اتفق مع ستة من الأصدقاء في الإسماعيلية على العمل معا لأجل الدعوة الإسلامية، وقد أسسوا جمعية في الإسماعيلية وفق قانون الجمعيات، وكانت كل شعبة تشكل هي بمثابة جمعية مستقلة تسجل في المركز الإداري المكلف بتسجيل الجمعيات في المحافظات والمديريات، وكانت التسمية الرسمية للجماعة هي جمعيات الإخوان المسلمين، أي مجموع الجمعيات المسجلة في المراكز وفق نظام الجمعيات، وحدث أن استقلت جمعيات بنفسها عن المركز لأن العلاقة بين الجمعيات لم تكن قانونية، لكن تحولت الجماعة فيما بعد إلى جماعة مركزية وصارت الشُّعب بمثابة فروع للجماعة ومركزها العام في القاهرة، والأمر نفسه حدث في الأردن، إذ كانت الجمعية "الإخوان المسلمون" تسجل مستقلة في كل محافظة وكان المكتب العام للجماعة يتشكل من رئيس الجمعية وأعضائها في عمان إضافة إلى رؤساء الجمعية في المحافظات، ثم أعيد تسجيل الجمعية في عام 1954 باعتبارها جمعية مركزية تنشئ فروعا لها في أنحاء المملكة.

الجماعة كانت أخوية إسلامية اقتبست نظام الأخويات المسيحية التي انتشرت في عالم المسيحية في الغرب

يشكك بعض الباحثين في نسبة مذكرات الدعوة والداعية إلى حسن البنا مؤسس الجماعة، ويرجحون أنها كتبت بعد وفاته بفترة طويلة استنادا إلى أوراق ووثائق حسن البنا وتقديرات وتطورات الجماعة التي استقرت عليها فيما بعد، وقد يكون لمنشأ التسمية احتمالات أخرى لم تعد قيادة الجماعة ترغب في استمرارها، وصارت تفضل رواية منشئة أخرى مختلفة عن الرواية الأصلية، ..
يردّ بعض الباحثين التسمية إلى فكرة الأخويات، وأن الجماعة كانت أخوية إسلامية اقتبست نظام الأخويات المسيحية التي انتشرت في عالم المسيحية في الغرب وكذلك الأخويات التاريخية الإسلامية والمسيحية مثل الجماعة الإسلامية في مرحلة حسن الصباح وجماعة فرسان الهيكل المسيحية والجمعيات الماسونية، ويستدلون على ذلك بالتشابة بين أسلوب ونظام جماعة الإخوان المسلمين وبين الأخويات الدينية السرية التاريخية منها والحديثة،  مثل الأنظمة والشارات السرية الخاصة بأعضاء الجماعة، والمفاهيم والمواثيق الداخلية الخاصة بها، والنظام الدقيق للانضباط والتشكيلات والولاء الخاص بالجماعة وقيادتها، كذلك المصطلحات المستخدمة، مثل الدعوة والإمام والنقيب والرقيب، وقد انتشرت الجمعيات السرية في تلك المرحلة واستهوت كثيرا من الشباب والاتجاهات الدينية والقومية والتحررية.
ويردها البعض إلى أنها استلهام للنموذج السعودي "الإخوان" أو "إخوان من أطاع الله" حيث استطاع الملك عبد العزيز بمشاركة وتحالف الجماعات السلفية إنشاء دولة إسلامية جديدة ممتدة في الوقت الذي كانت الدولة العثمانية تضمحل وتنحسر، ثم تخلت عن فكرة ومشروع الخلافة الإسلامية، وهناك مؤشرات كثيرة على العلاقة المبكرة القوية والجيدة بين الإخوان المسلمين وبين شخصيات سعودية سياسية ودينية، وهناك أيضا تشابه في الشعار بين السعودية والإخوان المسلمين. فقد كانت الدولة السعودية في نشأتها ملهمة للجماعات والشخصيات الإسلامية التي كانت تدعو إلى استئناف الخلافة والنهضة الإسلامية، وكانت تبدو في نظرهم بعثا إسلاميًا جديداً بعد سقوط الخلافة، ويمكن ملاحظة ذلك في كتابات ومواقف عدد كبير من الدعاة والمفكّرين، مثل مالك بن نبي، ورشيد رضا، ولا بد أنّ جماعة الإخوان المسلمين تأثرث بالحالة السعودية.

طلب البنا إنشاء فرع لجماعة الاخوان في السعودية فرد عليه الملك عبد العزيز رافضا بذكاء ودبلوماسية كلنا إخوان مسلمون

يتحدث البنا في مذكراته عن حالات وحوادث عدة تؤشر على صلات جيدة مع المسؤولين السعوديين، مثل عباس القطان محافظ المدينة المنورة ورئيس بلدية مكة المكرمة في العشرينات والثلاثينات، وبرقية تهنئة عام 1934 الى الملك عبد العزيز بنجاته من حادث اعتداء وقع في ذلك العام.  وفي عام 1936 سافر البناء لأداء فريضة الحج وقابل الملك عبد العزيز ضمن لقاءات الملك مع الوفود والشخصيات القادمة الى الحج، وألقى البنا كلمة في حضرة الملك عبد العزيز، ونشر الخبر باهتمام في صحيفة أم القرى، ونشرت الصحيفة أيضا خطاب البنا. وفي هذا اللقاء طلب البنا إنشاء فرع لجماعة الاخوان في السعودية فرد عليه الملك عبد العزيز رافضا بذكاء ودبلوماسية كلنا إخوان مسلمون. وسافر البنا بعد ذلك مرات عدة، في الاعوام 1945، 1946، 1948 وكان يلتقي الملك عبد العزيز، وجرت أيضا مراسلات مع الملك عبد العزيز، ويبدو أن حياة البنا كانت مهددة في عام 48 ما جعل الحكومة السعودية تخصص حراسة مشددة للبنا لمنع الاعتداء عليه.

وعندما زار الملك عبد العزيز مصر عام 1945 استقبلته جوالة الاخوان في مطار القاهرة وفي الاسكندرية، وحضر الامير فيصل بن عبد العزيز في عام 1945 مؤتمرا نظمه الاخوان لمناصرة القضية الفلسطينية إلى جانب الامام يحي إمام اليمن، وفارس خوري من سوريا، وعندما شارك الأمير فيصل بن عبد العزيز واحمد بن الامام يحيى في مائدة مستديرة حول القضية الفلسطينية في نيويورك سافر معهما محمود أبو السعود احد طلبة الاخوان للمساعدة في الترجمة والسكرتاريا، ولكن تأييد الاخوان لثورة اليمن عام 1948 ضد الامام ادخلت العلاقة بين السعودية والإخوان في مرحلة أزمة وتوتر.

حال الجماعة ومستقبلها واختياراتها وعلاقتها بالدين والسياسية هي مسألة تحتاج إلى وقفة مستقلة وأكثر تفصيلا

لكن هذه التاريخية في التسمية والأحداث تبدو اليوم منفصلة عن واقع جماعة الإخوان المسلمين وتطوراتها في الدعوة والسياسة، ما يجعل التسمية نفسها كما التاريخ المبكر عبئا على الجماعة اليوم، ففي تحولاتها وانعطافاتها الكبرى لم تعد الجماعة أخوية ولا جمعية دعوية وتأثيرية ولم تعد في محتوى فكرها وفهمها للدين والسياسة تلك الجماعة الدينية الغامضة المحدودة والهامشية، وفي الوقت نفسه فقد ظل الإسم والتاريخ يلقى بظله على حال الجماعة ومستقبلها واختياراتها كما موقف واختيارات الدول والمجتمعات في علاقتها بالدين والسياسية، وهي مسألة تحتاج إلى وقفة مستقلة وأكثر تفصيلا.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية