كيف ندرّس الدين بمدارسنا؟

كيف ندرّس الدين بمدارسنا؟

كيف ندرّس الدين بمدارسنا؟


18/02/2024

إنّ طريقة تدريس الدين في مدارسنا، أمر في غاية الأهمية والخطورة، فمن خلال عملية التعليم، يتمّ بث منظومة القيم الأخلاقية والدينية الحاكمة التي تحدد طبيعة علاقاتنا المختلفة، والصورة التي يتم بها تقديم الدين لطلابنا في المدارس، له انعكاساته على مجمل حياتنا اليومية، وعلى مجمل استقرار حياتنا الاجتماعية، واستقرار علاقتنا بالآخر، وعلاقتنا بالعالم الخارجي.

صناعة الضمير لها دور كبير في إحداث الأمن الاجتماعي والتماسك الإنساني داخل المجتمع الواحد

وتشمل مقررات التربية الدينية في مدارسنا؛ حفظ بعض الآيات القرآنية، وشرح الكلمات الصعبة الموجودة فيها، ومعرفة تفسيرها. أو حفظ بعض الأحاديث، وتلقين الطلاب دروساً حول العقيدة والتوحيد، ورواية القصص التاريخية التي بها عظة وعبرة، أو التي تكشف عن مجد تليد لأمة الإسلام في التاريخ، والغالب على المقررات الدينية؛ اختزال الحديث عن القيم الإنسانية، بشكلٍ واسع وصريح، وتركيز حصة الدين على بيان تمايز الإسلام، ورفعته كدين على غيره من الأديان، كما يركز التعليم الديني على الحياة الأخرى، أكثر من عنايته بربط الدين بالحياة الدنيوية، والحياة اليومية، وتوجهات حركة المجتمع.

بناءً على ما سبق؛ فإنّ أيّة محاولة لتطوير مقررات التعليم الديني، لا بدّ من أن تنطلق من خلال تدريس الدين في مدارسنا، كجزء من تدريس مقرر مادة الأخلاق؛ حيث تكون حصة (الأخلاق والدين) مقرراً وحداً، نسعى من خلاله إلى تقديم مقرر الدين على أنّه جزء من منظومة الأخلاق الكونية والإنسانية، فحينما نتحدث عن قيم التسامح، فذلك يتلخص في عرض مفهوم التسامح في الأخلاق الكونية العامة، ثم نعرض فيه لوجه التسامح في الإسلام في علاقته بالآخر، وموقف المسيحية في علاقتها بالآخر، بما يمكن أن يصل الجسور بين الأخلاق المدنية والأخلاق الدينية في منظومة كلية عامة، وذلك كي نؤصّل لما هو مشترك بين أهل الأديان السماوية والبشرية، وبين القيم البشرية عموماً على اختلاف ثقافاتها وألوانها؛ فالتسامح ينبغي أن يعرض في نطاق الأخلاق الفلسفية والكونية، ثم نعرض لمدى التقاء ذلك بالتسامح القائم في الإسلام والمسيحية على السواء.

مقرر الأخلاق والدين يمكن أن يشكل رأسمال روحي واجتماعي يكون دافعاً حقيقياً لنهضة المجتمع في كافة المجالات الروحية والمادية

إنّ طريقة تدريس الدين في منظومة الأخلاق العامة، يمكن أن تغير طريقة فهمنا للدين، في تقديمه التفسير الأخروي، الذي يحضّ على القتال والجهاد، وإقصاء الآخر المغاير له في الدين أو الملة، وعدم تقديس حق الآخر في الحياة، وتفضيل البعض الموت على الحياة، وتفضيل الآخرة على الدنيا، ونفي الآخر  ورفضه من منطلق الإيمان الاستعلائي، وإرساء منطق التمايز العنصري ضدّ بقية أهل الأرض؛ حيث يتّجه دمج الدين والأخلاق بمنظومة واحدة في التدريس والتعليم، إلى تغير حضور الدين في أذهان طلابنا، بأن يمكّننا من أن نركّز على الوجه الدنيوي للدين؛ بغرس القيم الإنسانية العامة في الطلاب، مثل: قيم حب العمل، والصدق، ومحبة العلم، والمشاركة، والتعاطف، والإيجابية، والعطاء. وأن نركّز على مدى أهمية قيم الحق، والخير، والإحسان، ومحبة الآخر، والتعايش، وقبول الآخر.

دمج تدريس الدين في منظومة الأخلاق في مدارسنا يجعلنا نركز على القيمة الكلية العامة المشتركة بين الأخلاق المدنية والأخلاق الدينية

لذلك؛ يمكن القول إنّ تأثير تعليم مقرر حقيقي عن الأخلاق والقيم، يكون الدين جزءاً منه، في كافة مراحل التعليم، هو أمر ملحّ؛ لأنّ مفهوم الضمير الإنساني قد تخلّق في وعاء الأخلاق والدين، كما أنّ صناعة الضمير لها دور كبير في إحداث الأمن الاجتماعي والتماسك الإنساني داخل المجتمع الواحد، ولا شكّ في أنّ ذلك مقوّم حقيقي ومؤسس في التشكل الإيجابي للشخصية الإنسانية بجانبها الروحي والاجتماعي، وأنّ مقرر الأخلاق والدين، في صورته الكلية، يمكن أن يشكل رأسمال روحي واجتماعي، يكون دافعاً حقيقياً لنهضة المجتمع في كافة المجالات الروحية والمادية، وأن يكون الروحي والقيمي دافعاً لتطور حركة العمران المادية، ودافعاً لتوحّد وتماسك البناء الاجتماعي، وتحقيق الأمن الاجتماعي لمجمل أفراد المجتمع، فلقد أرسل الله رسالاته للبشرية من أجل تحرير الإنسان من كافة أشكال الطواغيت، وحثّت الرسالات على ضرورة الحفاظ على النفس والمال .

إنّ دمج تدريس الدين في منظومة الأخلاق في مدارسنا، يجعلنا نركز على القيمة الكلية العامة المشتركة بين الأخلاق المدنية والأخلاق الدينية، وذلك كي يتم تفسير الدين بمدى مساهمته في صناعة الأخلاق الكلية العامة للبشرية، على اختلاف أديانها وثقافتها وألوانها، وكي لا تصير الثقافة الدينية وتدريس الفكر الديني ذريعة للعنصرية والتطرف، فالدين جزء من منظومة الأخلاق، ولا يمكن اختزال الأخلاق في الدين، فالدين أحد الروافد المغذية للأخلاق الكلية.

مقرر الأخلاق والدين ينطلق من القيم الكونية ثم يتم تأصيله عبر القيم الخاصة في الديانات الموجودة في الأوطان

ومن ثمّ، فإنّ مقرر الأخلاق والدين ينطلق من القيم الكونية، ثم يتم تأصيله عبر القيم الخاصة في الديانات الموجودة في الأوطان، كلّ حسب خصوصيته؛ ففي مصر يتم التأصيل في الإسلام والمسيحية، وينبغي أن نبحث عن المشترك بين الأديان ذات الجذع الإبراهيمي، ولا نبحث عمّا يصنع التمايز والعنصرية الدينية، والأفضلية، ودعوى امتلاك كل دين لحقيقة الدين، فينبغي أن ندرأ ما يمكن أن يؤصّل للشقاق والعنف والصراع، أو ما يؤدي إلى صناعة التوتر في علاقة البشر بعضهم ببعض، على اختلاف أديانهم وألوانهم وثقافتهم.

إنّ أهم درس يمكن أن يعلمه مقرّر حقيقي يعلم القيم الأخلاقية والدينية عن الحق، والخير والجمال، والعدل، والإحسان؛ هو أن تلك القيم هي قيم مطلقة في ذاتها، وفى إطارها النظري، لكنّنا حين نأتي للتطبيق على أرض الواقع، فإنّ هذه القيم في تطبيقها إنّما تكون نسبية في حضورها وتجلياتها، ذلك لأنّ تطبيقها يكون مشروطاً بظروف كل واقع، وظروف كل مجتمع، وظروف كل وطن، ولا شكّ في أنّ الإيمان بنسبية تطبيق القيم في أرض الواقع، وحتى نسبية القيم الدينية في الممارسة الواقعية، كلّ هذا يمكن أن يمنح قدراً من التسامح، وحقّ الاختلاف، بين الأمم والأوطان والأجناس، وهو ما يمنح إمكانية التعايش بين بني البشر على اختلاف أديانهم وألوانهم وثقافاتهم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية