الحرب السودانية... الجماعات الإرهابية تحت رعاية الجيش

الحرب السودانية... الجماعات الإرهابية تحت رعاية الجيش

الحرب السودانية... الجماعات الإرهابية تحت رعاية الجيش


24/04/2024

بعد مرور عام كامل على اندلاع الحرب السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع التابعة له، يعود إلى الأذهان مرة أخرى السؤال الذي طُرح في بدايتها عن علاقة الجماعات الإرهابية بقيادة الجيش السوداني، فقد بدأت تتكشف خيوط وتتسع دوائر مشاركة هذه الجماعات على نطاق واسع في الحرب الدائرة الآن، ويوماً بعد آخر يتضح جلياً أنّ ما حذّر منه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في تصريح له، مع انطلاق الشرارة الأولى في 15 نيسان (أبريل) 2023، بأنّ الحرب تُشنّ ضد قواته من قبل جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في فلول حزب المؤتمر الوطني وحلفائه من الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها (داعش) بقيادة محمد علي الجزولي المعتقل حالياً لدى قوات الدعم السريع، والميليشيات التي أسسها  المتطرف الإخواني علي كرتي، المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية في إقليم دارفور (غرب) إبّان فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير، والمطلوب لدى المحاكم السودانية والمحكمة الجنائية الدولية أحمد هارون، إضافة إلى كتائب البراء بن مالك، وقوات العمل الخاص، وهيئة العمليات، وميليشيات المقاومة الشعبية وغيرها. 

جزّ الرؤوس 

ومع تصاعد وتيرة الحرب مؤخراً وتمددها إلى أرجاء واسعة من السودان، مثل ولايات الجزيرة وسنار (وسط) والقضارف (شرق)، بدت المشاركة الواسعة للجماعات الإرهابية فيها وتحالفها مع الجيش واضحة وصريحة ومعلنة. 

ورصدت تقارير وتحقيقات كثيرة، ووثقت مقاطع فيديو عديدة تبثها تلك الجماعات، الانتهاكات الكبيرة التي ترتكبها الميليشيات بحق المدنيين العُزّل، كان آخرها الأحد 21 نيسان (أبريل) الجاري، فقد أظهر مقطع فيديو مُروِّع بثته جهات عديدة، منها منصات إعلامية تابعة للجيش السوداني نفسه، مدير مخابرات ولاية شمال كردفان العميد أمن العوض محمد العوض في (حفلٍ) لذبح مدنيين عُزّل غرب مدينة الأُبيّض (جنوب وسط السودان) والتمثيل بجثثهم، بينما هو يتجول بين الجثامين المشوهة مُهللاً ومُكبّراً، فيما كان جنوده يحملون أدوات الجريمة (سكاكين طويلة). 

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

هذا المشهد الإرهابي المصوّر أعاد الذاكرة الجمعية للسودانيين إلى مقطع فيديو آخر بث في شباط (فبراير) المنصرم، ظهر فيه جنود من الجيش السوداني، على رأسهم ضابط ينتمي إلى جماعة الإخوان، وهم يحملون رأسي شابين في مُقتبل العمر بعد أن فصلوهما عن جسديهما في ظاهرة لم تكن موجودة في السودان من قبل. لاحقاً ظهر أعضاء من أسر الشابين المذبوحين، أكدوا أنّ ابنيهما ليسا أعضاء بقوات الدعم السريع، بل كانا يعملان في التنقيب عن الذهب، وأنّهما ذُبحا لأسباب عرقية تتعلق بانتمائهما إلى القبائل العربية التي ينتمي إليها قائد قوات الدعم السريع. 

مخاوف واسعة 

 تُثير سيطرة الجماعات الإرهابية على مسرح العمليات القتالية بجانب  الجيش السوداني، وهيمنتها على وسائل الإعلام القومية (هيئة الإذاعة والتلفزيون) وعلى المال السياسي وعلى مخازن الأسلحة التابعة للقوات المسلحة السودانية، وامتلاكها أسلحة نوعية كالمسيّرات، ويتم تمويلها من خزينة الدولة العاجزة عن سداد مرتبات موظفيها منذ الشهر الأول لاندلاع الحرب، تثير مخاوف كبيرة بين السودانيين أنفسهم، بما في ذلك قادة كبار في الجيش من غير الضباط المنتمين إلى جماعة الإخوان، وكذلك دول الجوار والمحيطين الإقليمي والدولي، ومنها مصر والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية. 

وأشارت تقارير متطابقة إلى أنّ كتيبة البراء بن مالك الإرهابية التي أعلن قائدها الأسبوع المنصرم عن بلوغ مقاتليها أكثر من (20) ألفاً، وبالتالي تحوّلها إلى (لواء)، تتلقى أمولاً طائلة من وزراة المالية، ممّا اضطر أحمد محمود المستشار الإعلامي لوزير المالية السوداني الإخواني جبريل إبراهيم إلى المسارعة بنفيها. 

تلك المخاوف الإقليمية والدولية الناجمة عن تقارير استخبارية موثقة لعلاقة الجيش السوداني بالجماعات الإرهابية التي تقاتل بجانبه، جعلت  الكثير من الدول تتراجع عن دعمه سياسياً ودبلوماسياً في معركته أمام قوات الدعم السريع، بل جعلتها تمتنع عن رفده بالأسلحة المتطورة والنوعية خشية وقوعها في يد الإرهابيين وارتدادها لاحقاً على الأمن القومي لدول الجوار، فاضطرت قيادة الجيش للعودة إلى إيران وتطبيع العلاقة معها للحصول على طائرات مسيّرة، وقد تم ذلك بالفعل.

طهران في الخرطوم

خلال عام من الحرب لم يحرز الجيش السوداني سوى تقدم بسيط في مدينة أم درمان بفضل المسيّرات الإيرانية، فقد تمكن من بسط سيطرته على محيط مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون وبعض الأحياء والشوارع المحيطة به، لكنّ كتيبة البراء والجماعات الإرهابية الأخرى نسبت التقدّم إلى نفسها، وبثت مقاطع فيديو تُظهر مسنوبيها وهم يهللون ويكبرون ويحتفلون بالانتصار الكبير على قوات الدعم السريع؛ الأمر الذي أغضب قادة الجيش بمن فيهم نائب القائد العام المقرب من الإخوان المسلمين والمنفذ الأول لأجندتها داخل كابينة القيادة الفريق أول شمس الدين الكباشي، الذي شن حملة شعواء على ما سمّاها المقاومة الشعبية، واعتبرها خطراً كبيراً على الجيش، وطالب بضرورة إدماجها كليّاً وعملها تحت راية الجيش القومي، ومنعها من العمل منفصلة وإصدار منتجات إعلامية تنسب من خلالها انتصارات الجيش إليها. 

غضب الجيش 

أغضبت تصريحات نائب قائد الجيش الجماعة المقرب إليها، وشن إعلامها حملات منظمة عليه وصلت إلى حدّ إحداث شرخ كاد أن يؤدي إلى انقسام كبير في كابينة قيادة الجيش، حين دفعت الجماعة بمساعد القائد العام (الرجل الثالث في تراتبية قيادة الجيش السوداني) الفريق أول ياسر العطا، المثير للجدل بسبب تصريحاته غير المحسوبة والتي تسببت في أزمات دبلوماسية عميقة مع دول الجوار والإقليم، إلى التصدي لقائده شمس الدين الكباشي، واصفاً الإسلاميين بالوطنيين وبأنّهم قاتلوا بجانب الجيش، مضيفاً: نحن كلنا (كيزان).   

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)

لكن، لاحقاً، تعرّض إفطار رمضاني جماعي نظمته كتيبة البراء في مدينة عطبرة (شمال شرق) إلى هجوم بطائرة مسيّرة أوقع عشرات القتلى والجرحى بينهم ضابط في الجيش يحمل رتبة (رائد)، ولم تعلن أيّ جهة مسؤوليتها عن الحادث، وصمت الجيش وكتيبة البراء عنه، لكنّ وسائل إعلام مستقلة رجحت أن يكون الهجوم قد شنته جهة ما في الجيش مناوئة للوجود الإخواني المكثف وسيطرة الجماعة على قيادة الجيش واختطافها قراره السياسي والعسكري. 

لاحقاً، وبعد أيام قليلة من زيارته مدينة عطبرة، شنّ قائد الجيش خلال مخاطبة داخلية لضباط الجيش الكبار (من رتبة عميد فما فوق) بالكليّة الحربية، هجوماً غير مسبوق على (كتيبة البراء)، منتقداً ما سمّاها بالروح الانفصالية التي أظهرتها في معاركها الأخيرة ضد قوات الدعم السريع، وقال إنّه لا يوافق على تصرفاتها، وإنّ العديد من الدول أوقفت دعمها للجيش بسبب ممارسات الكتيبة. 

قيود الجماعة 

حذّر كثيرون منذ وقت مبكر من اشتعال الحرب عبد الفتاح البرهان، الذي كان وقتها محاصراً داخل مقر القيادة العامة بشرق العاصمة السودانية الخرطوم، من مغبة السماح للميليشيات الإسلامية بالقتال بجانب الجيش، لكنّه لم يعر ذلك اهتماماً، بل منح كثيرين من قادة الميليشيات الإخوانية رتباً عسكرية خارج سياق الكليّة العسكرية، على رأسهم قائد (البراء بن مالك) الذي أصبح يحمل رتبة رائد.  

الآن يبحث قائد الجيش عن مخرج من ورطته الكبرى مع الجماعة التي تمكنت استغلال ضعفه بداية الحرب، فقدمت له مقاتلي ميليشياتها، لكنّها بالمقابل سيطرت، وفقاً لتقارير متطابقة، على معظم مخازن الجيش للسلاح والذخيرة، واستولت على الكثير من الأسلحة المتطورة، وفرضت هيمنتها على القيادة والتحكم والسيطرة وعلى أجهزة الإعلام الرسمية (الإذاعة، والتلفزيون، ووكالة السودان للأنباء)، فأصبح البرهان مشلولاً وعاجزاً عن  اتخاذ أيّ قرار ينهي الحرب على طاولة المفاوضات، إذ يُرجح مراقبون للأوضاع السودانية أنّ الرجل يخشى أن يتعرض لعملية اغتيال من قبل الإخوان إذا ما قام بأيّ خطوة نحو إنهاء الحرب، والاحتمال الأكبر هو انسحابه من المفاوضات المزمع تنظيمها في مدينة (جدة) السعودية الشهر المقبل، لأنّ الجماعة لا تريده أن يذهب.   




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية