أفريقيا بعيون أردوغان: قارة تحتاج إلى مُنقذ وأطماع كبرى

أفريقيا بعيون أردوغان: قارة تحتاج إلى مُنقذ وأطماع كبرى


27/07/2020

وصلت الجولة الأفريقية لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إلى محطتها الأخيرة، في دولة غينيا الاستوائية، بعد زيارتَين رسميتَين إلى دولتَي توغو والنيجر.

وحمل أوغلو ملفات عدة، ناقشها مع رؤساء الدول الثلاث، ونظرائه في الخارجية، وشهدت الزيارات إعلانات أفريقية عن تسليم مدارس تتبع حركة "خدمة"، التي يرأسها فتح الله غولن، إلى "وقف معارف" الذي يديره بلال أردوغان.

اقرأ أيضاً: صناعة الفوضى.. أردوغان وداعش

وبالتزامن مع جولة أوغلو، نشرت وكالة "الأناضول" خبراً عن بدء توريد مدرعات "خضر" التركية إلى عدّة بلدان أفريقية، دون تحديد أسمائها.

ولم يغب حشد الدعم الأفريقي للتدخلات التركية، غير المشروعة، في ليبيا، عن مباحثات أوغلو، ما دفع مراقبون إلى التشكيك في نوايا هذه الزيارة، وارتباطها بمعاداة مصر، في حاضنتها الأفريقية.

أفريقيا بعيون أردوغان

يرى المحلّل التركي، جودت كامل؛ أنّ أردوغان ومؤيدي الإسلام السياسي يظنّون أنّ القارّة الأفريقية تحتاج إلى منقذ من الحالة المتدهورة، اقتصادياً وسياسياً، التي تعيشها، وأنّ أردوغان ومشروع الإسلام السياسي يمثلان المنقذ القادم.

ويضيف جودت كامل، لـ "حفريات": "يتّخذ أردوغان من تدخّله في ليبيا نموذجاً لتطبيق هذه السياسة، التي تخفي وراءها أطماعاً اقتصادية، وأحلام هيمنة كبيرة".

وانطلاقاً من هذه الرؤية، توسعت تركيا في إنشاء السفارات في أفريقيا، منذ عام 2012، الذي شهد صعود الإسلام السياسي إلى سدّة الحكم، في مصر وليبيا وتونس؛ فحتّى ذلك العام لم تملك تركيا سوى 12 سفارة فقط في القارة السمراء، وفق بيانات وزارة الخارجية التركية.

ووصل عدد السفارات، مطلع العام الجاري، إلى 42 سفارة، بزيادة قدرها 30 سفارة خلال 8 أعوام، كما أعلن جاويش أوغلو عن السفارة رقم 43، والتي تقرر افتتاحها في دولة توغو، وفق بيان الخارجية التركية.

المتخصّص في الدراسات الأفريقية، والباحث بمعهد الدراسات المستقبلية، محمد كريم لـ"حفريات": تركيا دولة نشيطة دبلوماسياً، وتستغلّ الفراغ الذي خلّفه تراجع الدور المصري لمعاداة مصر نفسها

وتعليقاً على ذلك؛ يقول المتخصّص في الدراسات الأفريقية، والباحث بمعهد الدراسات المستقبلية، محمد كريم: "تركيا دولة نشيطة دبلوماسياً، وتستغلّ الفراغ الذي خلّفه تراجع الدور المصري لمعاداة مصر نفسها، وتحجيم نفوذ الدول التي تراها منافسة لها في العالم العربي، وأوّلها مصر، ثمّ السعودية والإمارات".

ويردف محمد كريم لـ "حفريات": "أهداف تركيا غير وطنية، وترتبط في أفريقيا بمنافسة مصر، في أحد أولويّاتها، بشكل خاص، ولدى أردوغان عقدة نقص تجاه العلاقات التاريخية بين مصر وأفريقيا، ودورها الحضاري في المنطقة".

تسويق مشروع الإسلام السياسي

تحتاج تركيا إلى دعم الدول الأفريقية لمشروعها التوسعي في ليبيا؛ لمواجهة الدور المصري الرافض لها، خصوصاً أنّ الاتحاد الأفريقي يسعى لاستعادة الريادة في ملفات القارة.

ويبين المحلّل التركي، جودت كامل، ذلك، بتعليقه على الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية، جاويش أوغلو، قائلاً: "أوغلو يتحرّك بأمر أردوغان في أفريقيا، ويحاول إقناع الدول بالمشروع التركي في أفريقيا، تحسباً للنفوذ المصري الكبير، وتأثيره في أعضاء الاتحاد الأفريقي".

وتتنوّع الآليات التركية لاختراق الفضاء السياسي والاجتماعي في أفريقيا، ويأتي على رأسها التعليم، والمساعدات الإنسانية، والتعاون الأمني والعسكري.

اقرأ أيضاً: من "التعطيش" إلى "الوطن الأزرق".. ماذا يريد أردوغان حقاً؟

وفي سياق ذلك؛ دعا أوغلو، خلال زيارته إلى النيجر، دول الساحل المتضررة من الوضع الحالي في ليبيا، إلى تقديم دعم بشكل أكثر فعالية من أجل حلّ سياسي هناك.

ويذكر الباحث محمد كريم أنّ "الانتشار عبر التعليم، والتواصل الثقافي، من أدوات الدولة التركية في عهد أردوغان، وسمة أساسية لمشروع الإسلام السياسي؛ خصوصاً في ظلّ افتقاد تركيا لأدوات القوّة الناعمة، والروابط الحضارية والتاريخية الطيبة مع أفريقيا".

ويشير كريم، في حديثه لـ "حفريات"؛ إلى أنّ تركيا تُوظّف كلّ شيء متاح لمصالحها؛ فتدخل من باب الدين، أو المساعدات الإنسانية، مثلما تفعل عبر منظمة تيكا (الوكالة التركية للتعاون والتنسيق)، والتي تنتشر في دول أفريقية عديدة.

الفوائد الاقتصادية التي تجنيها تركيا من التوسع في العلاقات مع دول أفريقيا متعددة؛ تتمثّل في حصول الشركات التركية على عقود تنفيذ مشروعات عديدة، وضخّ استثمارات في قطاعات حيوية

واستغلّت تركيا أزمة كورونا، وضعف إمكانيات عدة دول أفريقية في التغلغل داخلها، عبر تقديم مساعدات طبية، وجنت تركيا مكاسب كبيرة من المساعدات الإنسانية؛ منها توقيع عقود استثمارية، ونيل دعم هذه الدول ضدّ حركة خدمة؛ حيث سلمت عدّة دول أفريقية مدارس تتبع الحركة إلى "وقف معارف"، الذي يديره بلال أردوغان.

فخلال استقبال دولة توغو لوزير الخارجية، جاويش أوغلو، قامت بتسليم وقف معارف مدرسة تتبع حركة خدمة، وتكرّر الأمر نفسه في زيارة غينيا الاستوائية، وفق ما أعلنت وكالة "الأناضول".

كما أعلن أوغلو، خلال الزيارة، عن زيادة المنح التعليمية المقدمة للدول الأفريقية، وإنشاء مزيد من المدارس، التي تتبع وقف معارف.

استثمارات وسلاح

تزامناً مع جولة أوغلو الأفريقية، نشرت وكالة "الأناضول" التركية، خبراً عن بدء تصدير مدرّعات "خضر" التركية، إلى عدّة بلدان أفريقية، دون تسميتها، في صفقة بلغت قيمتها 20 مليون دولار، وأشارت الشركة المصنعة إلى صفقات أكبر قادمة.

ويوضح الباحث محمد كريم، معالم الإستراتيجية التركية للصادرات العسكرية في أفريقيا، بقوله: "تستفيد تركيا من عضويتها في الناتو؛ حيث تشترك في برامج متعدّدة للتصنيع العسكري مع واشنطن وأوروبا، وتقوم بعملية التصدير للأسلحة إلى أفريقيا مباشرة، أو كطرف ثالث".

وذكر كريم أنّ التنافس الأمريكي مع الصين وروسيا في أفريقيا، خلق مساحة لتركيا لتقوم بتوريد السلاح الغربي، بمباركة أمريكية، خصوصاً أنّ الأسلحة التركية تناسب الموارد المحدودة لكثير من الدول الأفريقية".

اقرأ أيضاً: ماذا بحث أردوغان والسراج في لقائهما الأخير؟

أمّا عن الفوائد الاقتصادية التي تجنيها تركيا من التوسع في العلاقات مع دول أفريقيا، فهي متعددة؛ تتمثّل في حصول الشركات التركية على عقود تنفيذ مشروعات عديدة، وضخّ استثمارات في قطاعات حيوية.

وفي السياق ذاته؛ نشر موقع وزارة الخارجية التركية، بيانات رسمية عن نتائج جولة أوغلو، جاء فيها؛ توقيع مذكّرة تفاهم لإنشاء آلية تشاور سياسي بين وزارتَي الخارجية في تركيا وتوغو، واتفاقية إعفاء حاملي جوازات السفر من تأشيرة الدخول، ومذكّرة تفاهم بشأن التعاون بين الأكاديميات الدبلوماسية.

اقرأ أيضاً: هل يكون الإخوان المسلمون في اليمن حصان طروادة لأردوغان؟

وشهدت المحطّة الثانية، النيجر، التوقيع على بروتوكول تنفيذ المساعدة المالية، واتفاقية التعاون للتدريب العسكري، واتفاقية التعاون في مجال الشباب والرياضة.

واتفق الطرفان في غينيا الاستوائية على تسهيل مشاركة المستثمرين الأتراك في خطة غينيا التنموية 2035، والتفاوض على توقيع اتفاقية للتجارة الحرة، وأخرى لتشجيع الاستثمارات.

وعلّق المحلّل التركي، جودت كامل، على نتائج هذه الجولة قائلاً: "بعد أن قضى أردوغان في الحكم 15 عاماً، وقام بإصلاحات سياسية واقتصادية، ونال تأييد الشعب التركي بشكل كبير، ظنّ بعد هذا الحكم الطويل، والتأييد الشعبي، أنّه يستطيع تنفيذ أجندته الخاصة، بإحياء فكرة الخلافة الإسلامية التي يحلم بها الإسلامويون منذ سقوط الدولة العثمانية".

وأضاف لـ "حفريات": "هدف أردوغان لا ينحصر في ليبيا فقط، وإنما هي بوابة لدخول أفريقيا والتأثير في القارة السمراء".

وحذّر الباحث في الدراسات الأفريقية، محمد كريم، من مغبّة تراجع الدور المصري في أفريقيا، الذي أدىّ إلى وقوع الصومال في الفلك التركي، وربما تتبعها دول أخرى، ما يهدّد الأمن المصري.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية