أوروبا ليست آمنة... ما ملاذات الإخوان بعد التضييق التركي؟

أوروبا ليست آمنة... ما ملاذات الإخوان بعد التضييق التركي؟


24/03/2021

تشهد جماعة الإخوان المسلمين حالة من التخبط والارتباك على وقع الصدمة التي أحدثتها التحركات التركية الأخيرة للتقارب مع مصر، وسط تسريبات متتالية برغبة أنقرة في التخلي عن قيادات التنظيم بشكل نهائي، وتسليم المطلوبين منهم إلى القضاء المصري، فيما وصفه مراقبون بأنّه محاولة لتخفيف الأعباء من على عاتق النظام التركي الذي يواجه أزمات سياسية واقتصادية طاحنة، وتعصف به العداوات في الخارج نتيجة سياساته التي لم تتوافق في مجملها مع المواثيق والشرعية الدولية على مدار الأعوام الماضية.

ويأتي القرار التركي بشأن التقارب مع مصر متأخراً، حسبما يصفه مراقبون، لكنه يضع جماعة الإخوان التي اعتمدت على أنقرة كداعم رئيسي منذ سقوطها عن الحكم في مصر عقب ثورة حزيران (يونيو) عام 2013، في مأزق كبير، خاصة أنّه يتزامن مع إجراءات أوروبية حاسمة ضد الجماعة وكافة المؤسسات التابعة لها، أبرزها ما يجري في فرنسا والنمسا، في إطار استراتيجية مكافحة الإرهاب والتطرف، وكذلك في عدة عواصم في القارة العجوز.

البحث عن ملاذات جديدة شرق آسيا

وداخل مساحة ضيقة جداً يحاول تنظيم الإخوان النجاة باحثاً عن ملاذات جديدة آمنة بعيداً عن الملاحقات، ويرجّح مراقبون أن يلجأ التنظيم إلى مجموعة دول في شرق آسيا وشمال القوقاز ووسط وشرق أوروبا، باعتبارها مناطق ينشط فيها عناصره بشكل يسمح له بالتمدد، وتنتشر فيها المراكز والمؤسسات التابعة للإخوان تحت غطاء العمل الخدمي والاجتماعي. 

ومنذ خمسينيات القرن الماضي، ومع احتدام أزمة "الحل" التاريخية، لجأت الجماعة إلى تأسيس التنظيم الدولي في أوروبا على يد سعيد رمضان، صهر حسن البنا، ثم توالت بعد ذلك الهجرات من مصر وعدة دول عربية في المراحل التي كانت الجماعة تعاني فيها من ملاحقات بسبب إيديولوجيتها المتطرفة.

 

الخرباوي: مسألة سفر قيادات الإخوان تتعلق بالإجراءات التي سوف تتخذها الحكومة التركية معهم؛ لأنّ عدداً منهم مطلوب لدى القضاء المصري

 

وشرعت الجماعة منذ عشرات الأعوام في تدشين مراكز ضخمة داخل عدة عواصم أوروبية باستغلال أبناء الجاليات العربية، وتسترت خلف غطاء العمل الخيري والاجتماعي والدعوي، وحظيت تلك المراكز بدعم كبير من الحكومات الأوروبية تحت مظلة العمل الإنساني، لكنّ الأعوام الماضية كانت كاشفة لنشاطها الحقيقي، وهو ما دفع عدة دول لاتخاذ إجراءات صارمة ضدها، ووضع قيود على حركة التمويلات الواردة إليها، ومراقبة العناصر النشطة بها، خاصة بعد تورط عدد منها في دعم أعمال العنف التي شهدتها فرنسا والنمسا مؤخراً.

هل تسمح تركيا للإخوان بمغادرة أراضيها؟

ويتوقع الكاتب المصري ثروت الخرباوي أن تلجأ قيادات جماعة الإخوان إلى كندا وبريطانيا والولايات المتحدة كملاذات آمنة لها بعد الخروج من تركيا، لكنّ الشباب والأعضاء العاديين في التنظيم سيفضلون الوجهات الآسيوية، وتحديداً شرق آسيا، ويرجع الخرباوي تفسيره إلى عدة اعتبارات؛ أهمها حصول عدد كبير من قيادات التنظيم المتواجدين على الأراضي التركية على جنسيات دول أوروبية وامتلاكهم لاستثمارات في تلك الدول، ما سيسهل عملية سفرهم، مشيراً إلى أنّ التقديرات تقول إنّ عدد الإخوان في تركيا يتراوح ما بين 20 إلى 25 ألف شخص، لن يتمكن سوى عدد قليل جداً منهم من السفر إلى دول أوروبية.

ويقول الخرباوي لـ"حفريات": إنّ مسألة سفر قيادات الإخوان تتعلق أيضاً بالإجراءات التي سوف تتخذها الحكومة التركية معهم؛ لأنّ عدداً منهم مطلوب لدى القضاء المصري، وطالبت مصر تركيا بتسليمهم مراراً من خلال الإنتربول الدولي، ومع التحولات التي تحدث حالياً في المشهد السياسي بين البلدين فإنّ احتمالية تسليمهم إلى القاهرة كبيرة، وقد لا تسمح لهم تركيا بمغادرة أراضيها أصلاً.

اقرأ أيضاً: مطالبات سودانية بتسليم الإخوان الهاربين.. فهل ترضخ تركيا؟

ويرى الخرباوي أنّ تركيا تحاول في الوقت الحالي تخفيف الأعباء التي ترهقها، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد، والأزمات المتكررة مع دول في محيطها الإقليمي، وكذلك عدم قدرتها على التنقيب عن الغاز في مياه المتوسط؛ لأنها ليست عضواً شرعياً في اتفاقية الترسيم التي وافقت عليها مصر واليونان وقبرص وأقرّتها الأمم المتحدة، بالإضافة إلى إرهاق الدولة بالتدخل العسكري على أكثر من جبهة، ودعم الإرهاب وإيواء العناصر الإرهابية، وكلها عوامل تمثل أزمات طاحنة أمام الرئيس التركي، خاصة مع احتدام المعارضة ضده وتراجع شعبيته وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة.

تقارب يتعارض مع مصالح التنظيم

ويؤكد الكاتب المصري أنّ جماعة الإخوان لم تكن ترغب بالطبع في حدوث أيّ تقارب بين مصر وتركيا؛ لأنه يتعارض مع مصالحها، مشيراً إلى أنّ حديث المرشد العام للتنظيم إبراهيم منير على قناة "الجزيرة"، الذي جاء بعد ساعات من إعلان أنقرة إجراءات رسمية ضد الإعلام الإخواني، عكس عدم رضا الجماعة عن هذا التقارب، وأنها لم تكن ترغب به.

وتقول الكاتبة السعودية أمل عبد العزيز الهزاني: إنّ "الإخوان يواجهون مشكلة بني إسرائيل نفسها، الذين حلت عليهم لعنة التيه في الأرض، يحاولون الخروج من تركيا إلى بلد يقبل بدفعات منهم، وتوزعت القيادات بين آسيا وأوروبا، شتات لم يكن في حسبانهم".

 

الهزاني: المشكلة الكبيرة التي تواجه الجماعة في هذه المتغيرات ليست في القيادات التي تملك المال والعلاقات، بل في الشباب الذين اندفعوا خلف قياداتها وارتكبوا جرائم ضد دول كانت تؤويهم

 

وتتابع الهزاني في مقالها المنشور بعنوان "جماعة الإخوان وموسم الهجرة في كل اتجاه"، بجريدة "الشرق الأوسط": إنّ "المشكلة الكبيرة التي تواجه الجماعة في هذه المتغيرات ليست في القيادات التي تملك المال والعلاقات، بل في الشباب الذين اندفعوا خلف قياداتها، وارتكبوا جرائم ضد دول كانت تؤويهم في الخليج، وحتى مصر بلدهم الأم، وهؤلاء اليوم يعانون أزمة كبرى في مواجهة الواقع الجديد، لأنّ أوضاعهم الاقتصادية في تركيا سيئة إلى حد غياب لقمة العيش والمأوى، وحتى افتقارهم إلى أوراق نظامية تمنحهم حرية التنقل والمغادرة، وكما قال أحدهم: إنّ الهلع الذي أصابهم من تحوّل الموقف التركي ضدهم يشابه هلع ليلة فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئاسة في عام 2016، رغم أنّ إدارة الرئيس جو بايدن هي فعلياً أحد أسباب تغيّر الموقف التركي".

ومطلع الأسبوع الجاري، ألزمت السلطات التركية القنوات التلفزيونية التابعة لجماعة الإخوان، التي تبث من إسطنبول، بالالتزام بميثاق الشرف الصحفي والإعلامي، وتجنب الشأن السياسي، وتجنّب التهجُّم والتطاول على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والحكومة المصرية، والتخلي عن أسلوب التحريض والإساءة للدولة المصرية ودول الخليج، في أوّل خطوة عملية تترجم التصريحات المتتالية على مدى الأسابيع الماضية، حول الرغبة في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع مصر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية