إخوان المغرب: نرجسية سياسية ودينية قضت عليهم شعبياً

إخوان المغرب: نرجسية سياسية ودينية قضت عليهم شعبياً


07/10/2021

الصعود السريع للإخوان المسلمين إلى السلطة في أكثر من بلد عربي، على أكتاف الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة عام 2011، ساهم في تضخم الأنا لدى الغالبية العظمى من المنتسبين للإخوان المسلمين في العالم، وأعماهم ذلك عن إدراك الحقيقة البسيطة وراء صعودهم، خصوصاً عبر صناديق الاقتراع؛ وهي أنّ الشعوب العربية منحتهم فرصة اختبار، بعد عقود من السأم من أحزاب السلطة القديمة، لكنّ الإخوان  ظنّوا أنّهم يستحقون هذه الشعبية، وعدّوها بمثابة "شيك على بياض" من الشعوب.

 

اقرأ أيضاً: الانتخابات المغربية: الدرس الأخير في مستقبل التيارات الإسلامية

وفي ضوء ذلك، لم يكن من الصعب التنبؤ بهزيمة الذراع السياسية للإخوان المسلمين في المغرب، حزب العدالة والتنمية (البيجيدي)، في الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية، التي جرت في الثامن من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، ورغم كثرة المؤشرات والتحليلات والتوقعات لم ينتبه إخوان المغرب، أو بتعبير أدق، أعمتهم نظرتهم الاستعلائية عن إدراك تغير المزاج الشعبي ناحيتهم.

من تجليات النرجسية الإخوانية في المغرب؛ أنّهم استغلوا انتشار الفساد في البلاد لكسب الناخبين بدعوى مكافحته، وبات ذلك من دعايتهم المفضلة عند كلّ استحقاق انتخابي

وبعد عشرة أعوام في السلطة، لم يتقبل إخوان المغرب الأصوات الشعبية التي عبرت عن غضبها، والتي ملأت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، واستعملوا سلاح الاتّهامات الذي طالما برعوا فيه ضدّ الخصوم السياسيين، وظلوا على نهجهم الاستعلائي وممارسة الوصاية السياسية، بادّعاء الطهرانية والمثالية، والذمّ في الخصوم، حتى جاءهم العقاب الشعبي بتصويت عقابي غير مسبوق، أدى إلى هزيمة انتخابية، جعلت حصيلة الإخوان البرلمانية تتراجع من الصدارة وتشكيل الحكومة وحيازة 125 مقعداً في مجلس النواب في انتخابات عام 2016، إلى حيازة 13 مقعداً فقط، والمركز الثامن في النتائج في انتخابات 2021.

أوهام الإخوان السياسية

بعد احتجاجات 20 فبراير في المغرب، عام 2011، أجرى الملك محمد السادس تعديلاً دستورياً، بموجبه أصبح تكليف رئيس الحكومة منوطاً بنتائج الانتخابات التشريعية، عبر تكليف الملك لرئيس الحزب المتصدر للنتائج بتشكيل الحكومة، بعد أن كان التكليف حصراً بيد الملك، وغير مرتبط بنتائج الانتخابات، وفتح هذا التعديل الباب أمام القوى السياسية للتنافس على السلطة، وإن ظلّت بيد الملك عدّة ملفات مهمّة، من بينها السياسة الخارجية والأمن.

وفي الانتخابات التشريعية الأولى التي تُجرى وفق التعديلات الدستورية، حاز حزب العدالة والتنمية الإخواني على الصدارة، بحصيلة بلغت 107 مقعداً في مجلس النواب، وشكل أمين الحزب، عبد الإله بنكيران الحكومة، وفي انتخابات عام 2016؛ ارتفعت حصيلة الحزب إلى 125 مقعداً في مجلس النواب، وشكّل أمينه العام، سعد الدين العثماني، الحكومة، بعد إخفاق الأمين السابق، بنكيران، في تشكيل حكومة ائتلافية، ما اضطره إلى الاستقالة من أمانة الحزب، والاعتذار عن التكليف.

ونتيجةً للهزيمة الكبيرة للحزب في الانتخابات الأخيرة، بحصوله على 13 مقعداً فقط في مجلس النواب، لن يشارك الحزب في الحكومة الائتلافية التي يعمل على تشكيلها رئيس الحزب المتصدر للانتخابات، حزب التجمع الوطني للأحرار، برئاسة عبد العزيز أخنوش.

 

اقرأ أيضاً: إخوان المغرب وإخوان المشرق واختلاف آليات السقوط

وتكشف النتائج السابقة حيازة الحزب الإخواني على الصدارة الشعبية، بين الناخبين الذين يشاركون في الاقتراع، وإن جاز اعتبار هؤلاء ممثلين عن المزاج الشعبي، فمعنى ذلك أنّ الإخوان حازوا على أعلى شعبية سياسية لمدة 10 أعوام في المغرب، وتطرح خسارتهم المدوية لهذه الشعبية، والتي بلغت نسبة 97% أسئلة عديدة حول حقيقة هذه الشعبية، التي حازها الإخوان سريعاً، وفقدوها بشكل أسرع.

ويقول الناشط اليساري، حميد باجو؛ حزب العدالة والتنمية وصل الى الحكومة عام 2011  في سياق موجة الربيع العربي، وحراك 20 فبراير في المغرب، الذي وقف ضده هذا الحزب حتى يكسب ثقة الملك، وبالرغم من أنّه حاز على أغلبية مريحة من الأصوات، مما جعله يترأس الحكومة، إلا أنّ أبرز ما يؤخذ عليه كان الافتقاد إلى الخبرة في التسيير، وضعف الكفاءات الإدارية، ما جعل كلّ القطاعات والمدن التي كان يشرف عليها تعرف فوضى ورداءة في التسيير.

وما غاب عن الإخوان؛ أنّ الشعبية التي أوصلتهم إلى السلطة كانت مشروطة بتحقيق نهضة تنموية، تحقق المطالب التي تظاهر المغاربة لأجلها، وكذلك تحقيق انفراجة كبيرة في ملف حقوق الإنسان، لكنّ ما حدث أنّ الإخوان اتبعوا سياسات نيوليبرالية قاسية، تجاوزت خطوطاً حمراء لم تجرؤ الأحزاب القريبة من القصر على تخطيها خلال توليها رئاسة الحكومة، منها: رفع الدعم عن سلع ضرورية، مثل السكر والدقيق والمحروقات، ورفع سنّ التقاعد، وإلغاء التعيين في الوظائف التعليمية واستبدالها بتعاقدات محددة، والتطبيع وتقنين الكيف، وغيرها من القرارات التي همّشت الطبقة الوسطى، وزادت الأعباء الحياتية على المواطنين، إلى جانب التدهور الكبير الذي شهده الوضع الحقوقي في البلاد، بحسب تقارير محلية ودولية.

 

اقرأ أيضاً: قراءة في نتائج الانتخابات المغربية.. سقوط آخر معاقل الإخوان

ويرى باجو، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ حزب الإخوان حصد الصدارة النيابية بسبب التصويت العقابي ضدّ الأحزاب السياسية القديمة، وللسبب نفسه فقد الأصوات، بعد أن بان للشعب المغربي أنّه أشدّ سوءاً من تجربة هذه الأحزاب.

إخفاق داخلي

وبينما كانت مؤشرات الهزيمة الإخوانية تزداد قبيل الانتخابات، كان حزب الإخوان يدفع بنفسه إلى الهاوية، ويقضي على البقية الباقية ممن كانت نيتهم التصويت لهم، وذلك عبر الفساد الواسع الذي شهدته مرحلة اختيار المرشحين على القوائم الانتخابية للحزب، والتي أدّت إلى موجات متتالية من الاستقالات، كانت بمثابة ناقوس الخطر الذي لم تنتبه له القيادات الإخوانية، التي طالما راهنت على وهم الشعبية المستحقة، وكأنّ الناخبين قطيع لا يحقّ لهم التأثر بما يجري داخل الحزب.

الباحث المغربي نور الدين اليزيد لـ"حفريات": تقييم التغير الدراماتيكي وتفسيره؛ من رقم 125 مقعداً، إلى رقم 13 مقعداً فقط، يستطيع تقييم تجربة الإخوان، على الأصعدة كافة

وقال المحلل السياسي، وأستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية، عمر الشرقاوي، لـ "حفريات" إنّ حزب العدالة والتنمية استسلم بالفعل حتى قبل الوصول ليوم الاقتراع لمصير الهزيمة الحتمية، لكنّه أراد أن يُلبس نكسته رداء المظلومية والضحية، ويغلفها بسرديات المؤامرات والدسائس والمكائد التي تحاك في الخفاء ضدّه من كلّ حدب وصوب؛ لذلك حينما فقد أكثر من 8000 مرشّح، مقارنة بالاستحقاقات السابقة، لم يكلف نفسه عناء معالجة الأسباب الداخلية التي جعلت أعضاءه يفرّون طواعية بجلدهم السياسي إلى أحزاب أخرى، أو التواري إلى الخلف، بل فضّل رمي المسؤولية على رجال السلطة والأحزاب المنافسة والمشوشين.

وليس بغريب استبداد مجموعة من قيادات الحزب الإخواني بالقرار، فما يمارسه الإخوان بشكل عامّ؛ من استعلاء ووصاية على الجميع، يمارسونه داخل الجماعة، وهو العامل الأول وراء الانشقاقات والاستقالات التي تعصف بتجربة الأحزاب والحركات الإخوانية في المنطقة، وما يجري في تونس ليس ببعيد عن ذلك.

استغلال الدين

ويعدّ التوظيف السياسي للدين إحدى الآليات الأساسية لدى الإخوان المسلمين، الذين يوظفون الدين للتشنيع على المنافسين، وكسب الشعبية، ورغم أنّ هذا يؤتي بثماره، إلا أنّه سرعان ما يظهر زيفه حين يمعن الناس النظر في سلوك الإخوان الانتهازي.

ومن جانبه، قال الباحث والكاتب الصحفي، نور الدين اليزيد؛ عندما ترى بالعين المجردة التناقض الصارخ بين الخطاب والواقع، على الأقل كما وقفتُ، وكثيرون مثلي، على شواهد موضوعية ودلائل قاطعة في التجربة المغربية مع حزب العدالة والتنمية، يبرز إلى أيّ مدى وصل الزعم بطهرانية غير موجودة إلا في الخطاب، والاستعلاء على باقي الناس، غير المنتمين لجماعتهم، ودافع ذلك بالأساس هو تحقيق مكاسب سياسية، بل ومغانم ريعية مادية، باستغلال سيئ وذميم لقيمة ورمزية الدين.

وأضاف اليزيد، لـ "حفريات"؛ كان لهذا التوجه المتناقض لدى حزب العدالة والتنمية دور مهم، بل وحاسم، في تصويت الناخبين عقابياً ضدّه؛ فلا يمكن لأحد أن يقنع الناس بأشياء ويقدمها لهم في لبوس ديني، إلا لفترة وجيزة، لأنّ المواطنين، حتى البسيطون منهم، من السهل عليك أن تنال موافقتهم وإقناعهم عندما تستغل ورقة الدين، لكن من الصعب عليك، وربما من المستحيل، أن تسلَم من ردة فعلهم القوية، ومن غضبهم عندما يكتشفون زيف ادعائك، وهذا ما حصل في التجربة المغربية، وبات حديث الناس في الشارع والمجالس الخاصة وبين أفراد الأسر.

 

اقرأ أيضاً: محطات لافتة رافقت نكسة "الإخوان" في المغرب

ومن تجليات النرجسية الإخوانية في المغرب؛ أنّ الإخوان استغلوا انتشار الفساد في البلاد لكسب الناخبين بدعوى مكافحته، وبات ذلك من دعايتهم المفضلة عند كلّ استحقاق انتخابي، لكن بحسب مراقبين وبيانات رسمية، شهدت نسب الفساد تزايداً في عهد الإخوان، وتورطت قيادات إخوانية في نهب المال العامّ.

ويقيم الصحفي اليزيد تجربة الإخوان قائلاً؛ الذي يستطيع تقييم التغير الدراماتيكي وتفسيره؛ من رقم 125 مقعداً برلمانياً عام 2016، إلى رقم 13 مقعداً فقط عام 2021، يستطيع تقييم تجربة حزب العدالة والتنمية، على كافة الأصعدة، خلال إدارتهم للشأن العام المغربي، وطنياً ومحلياً وجهوياً، فلا توجد تجربة في نظرية سياسية، أو غير سياسية، تفسر مثل هذا النكوص، بغير مصطلحات الفشل والإخفاق، ومن دون تحفظ.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية