قراءة في نتائج الانتخابات المغربية.. سقوط آخر معاقل الإخوان

قراءة في نتائج الانتخابات المغربية.. سقوط آخر معاقل الإخوان


09/09/2021

بعد عشرة أعوام قضاها في رئاسة الحكومة، حصد حزب العدالة والتنمية (المصباح)، الذراع السياسي للإخوان في المغرب، نتائج ممارساته في الحكم ومناوراته السياسيّة، التي بدت تداعياتها وآثارها واضحة عبر أكثر من مستوى؛ الأول في الشارع المغربي؛ حيث استقر رأي عدد من المحللين على أنّ ثمة خسارة متوقعة ومستحقة لحزب العدالة والتنمية؛ كنتيجة مباشرة لحالة السخط، وعدم الرضا التي يشعر بها المواطن المغربي، من جملة قرارات وتوجهات الحزب، الذي قبض على السلطة طيلة العشرية الماضية، دون جدوى حقيقية يدركها المواطن، ما دفع الناخب المغربي تجاه التوجه إلى صناديق الاقتراع، وهو يلزم نفسه بمحددات العقاب الانتخابي.

اقرأ أيضاً: محطات لافتة رافقت نكسة "الإخوان" في المغرب

مستوى آخر ذهب مع ما يشهده الحزب من أزمات داخليّة، أثّرت بشكل واضح على نتائجه في الانتخابات البرلمانية، حيث واجه خلافات حادة بين قياداته، خاصّة ما يرتبط بالعلاقة مع الأحزاب والقوى الأخرى في الداخل المغربي.

وصول الأزمات داخل الحزب إلى مرحلة غير مسبوقة، بدا جليّاً في ظاهرة الاستقالات وتجميد العضوية، التي أخذت في الصعود خلال الفترة الأخيرة؛ إذ أعلن الأمين العام السابق للمصباح، عبد الإله بنكيران، في 11 آذار (مارس) الماضي، تجميد عضويته، ومقاطعة قياديين هم: الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني، ووزير الطاقة عبد العزيز رباح، ووزير الشغل محمد أمكراز، والقيادي بالحزب لحسن الداودي. وسبق ذلك إعلان رئيس المجلس الوطني، وعضو الأمانة العامة، إدريس الأزمي، استقالته من مهامه الحزبية.

الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني

وفى الفترة ذاتها، أعلن مصطفى الرميد، الوزير المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، استقالته احتجاجاً على سياسة الحزب والحكومة، كما جمّد المفكر المقري الإدريسي أبوزيد، عضويته في وقت سابق، فضلاً عن انسحابات أخرى؛ قامت بها قيادات الصف الثاني والقواعد.

تحولات حادة وفشل ذريع

خبرت حركات الإسلام السياسي في المغرب العربي، تحولات لافتة ومؤثرة في المشهد السياسي لدول المغرب العربي، خلال السنوات الأخيرة، بعد موجات ما سمي بـــ"الربيع العربي" سيما في تونس، التي سعت نحو الاستفادة من الأوضاع الاستثنائية التي طرأت في البلاد، لتفرض نفسها كلاعب سياسي فاعل، في عملية إعادة تشكيل السلطة التي خبرتها تونس آنذاك، وبدرجات متفاوتة في بقية دول المنطقة.

اقرأ أيضاً: بعد الهزيمة المدوية في الانتخابات.. هل تعصف الاستقالات بحزب العدالة والتنمية؟

تسلق حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في المغرب، عبر حركة 20 شباط (فبراير)، النسخة المغربية من مظاهرات تونس والقاهرة، واستفاد من رؤى الإصلاح التي استجاب لها الملك محمد السادس، فوضع دستوراً جديداً للبلاد، يعزز الحقوق والحريات، ويؤكد على استقلاليّة القضاء، فضلاً عن تقوية سلطات رئيسي الحكومة والبرلمان، مع الحفاظ على مركزيّة دور الملك في القضايا المصيريّة، والمشاريع القوميّة الكبرى.

 

خبرت حركات الإسلام السياسي في المغرب العربي، تحولات لافتة ومؤثرة في المشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة، بعد موجات ما سمي بـــ"الربيع العربي"

 

ثمة قراءة ينبغي ممارستها بدقة وإمعان، للوقوف على مسببات تداعي تنظيمات الإسلام السياسي، سواء دول المشرق العربي، أو المغرب العربي، بعد العام 2011، خاصّة السقوط الكبير في ذهنيّة ووعي الجماهير التونسيّة، التي خرجت غير مرة تندد بالأوضاع البائسة، التي وصلت إليها البلاد في ظل حكم حركة النهضة، ودفعت الرئيس التونسي قيس سعيّد، إلى اتخاذ قرارات 25 تموز (يوليو) الفائت؛ بتجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة، وذلك بعد أن وصل الوضع إلى حد خطير، اشتبك كثيراً مع تداعيات فيروس كورونا الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والصحيّة، على المواطن التونسي.

في المغرب لم تأت نتائج الانتخابات البرلمانيّة، خارج توقعات معظم المراقبين والمحللين، حيث استقر رأيهم على أنّ سقوط الحزب وخروجه من دائرة الحكم، بات أمراً حتميّاً ولا مفر منه، وسيقع مع الانتخابات .

ربما في الحالة المغربيّة، وبعيداً عن حالة الاحتقان المجتمعي، من حصيلة أداء الحزب خلال سنوات حكمه، بدت نتائج الانتخابات المهنيّة مؤشراً مهماً ولافتاً، لما سيقع في انتخابات البرلمان.

التصويت العقابي يزيح المصباح من السلطة

أعلن وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، عن تقدم حزب التجمع الوطني للأحرار، بـ 97 مقعداً، من أصل 395، بينما حافظ حزب الأصالة والمعاصرة على المرتبة الثانية، بـحصوله على 82 مقعداً، وحل حزب الاستقلال في المرتبة الثالثة بعد حصوله على 78 مقعداً، في حين تراجع حزب العدالة والتنمية بشكل غير مسبوق، بعد أن كان متصدراً للمشهد السياسي، طيلة العقد الماضي، ليحصد 12 مقعداً في البرلمان القادم، بعدما كان يحوز 125 مقعداً في البرلمان المنتهية مدته.

تنافس في الانتخابات المغربية حوالي 30 حزباً، على نيل أصوات قرابة 18 مليون ناخب مغربي، مسجلين في القوائم الانتخابيّة، من جملة 25 مليوناً يحق لهم التصويت، من أصل 36 مليوناً هم إجمالي عدد سكان المملكة.

اقرأ أيضاً: بنكيران يُحمل العثماني مسؤولية الهزيمة بالانتخابات... ماذا ينتظر "العدالة والتنمية"؟

في إطار ذلك، يرى الدكتور إدريس الكنبوري، الباحث الأكاديمي المختص في دراسة حركات الإسلام السياسي، أنّ عشريّة الإسلام السياسي، التي بدأت مع مسمى "الربيع العربي"، وصلت منتهاها اليوم، بالسقوط المدوي لحزب العدالة والتنمية في المغرب، في الانتخابات البرلمانية والجهوية والمحلية التي أجريت في الثامن من أيلول (سبتمبر) الجاري؛ إذ أغلق قوس الإسلام السياسي، بعدما أظهر قدرة هائلة على الفشل في التدبير خلال الفترة الماضية؛ بحيث لوحظ الكثير من التضخم الأيديولوجي، على حساب البرنامج السياسي، فبعد حالة الانتعاش بسبب مناخ "الربيع العربي"، والمطالبة بالتغيير والإصلاح، جاءت لحظة الإفلاس الكامل.

الدكتور إدريس الكنبوري

يتابع الكنبوري، تصريحاته لـ"حفريات"، لافتاً إلى وقوع تصويت عقابي غير مسبوق لأيّ قوة سياسية أخرى في كل المحطات الانتخابية السابقة؛ ما أذهل المراقبين في الداخل والخارج، وإذا كان سقوط حركة النهضة في تونس مختلفاً عن السياق المغربي، بيد أنّ النتيجة في النهاية واحدة، وهي تبرّم المواطنين من قوي الإسلام السياسي، التي تبيع الوهم في مقابل الثقة.

اقرأ أيضاً: ارتياح بعد سقوط الإخوان في المغرب... ونشطاء: "المصباح" انطفأ

لقد تاجر حزب العدالة والتنمية المغربي في المرجعيّة الدينيّة بشكل صريح، حيث سعى إلى كسب رضا الناخبين، مقابل شعارات فارغة، هي التي انتهت بهدم صرحه، في انتخابات العام ٢٠١١ رفع شعار الإصلاح في ظل الاستمرارية، وكان يعني بذلك العمل ضمن النظام الملكي، المعبر عن الاستمرارية التاريخية، وفي انتخابات العام ٢٠١٦، رفع شعار مواصلة الإصلاح، لكنه لم يقدم شيئاً، لا تحت الشعار الأول ولا الثاني.

إدريس الكنبوري: لم يسقط الإسلام السياسي في ساحة السياسة فحسب، كباقي الأحزاب السياسية، بل سقط في ساحة الأخلاق أيضاً

ويلفت إدريس الكنبوري إلى أنّه يمكن القول إنّ حزب العدالة والتنمية، أطلق النار على نفسه؛ نتيجة تركيزه الزائد على الخطاب الديني، فقد زايد على القوى الحزبية الأخرى، بشعار محاربة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتصدي للتطبيع مع إسرائيل، والتعريب، لكنه مارس العكس، وسقط في الاختبار، وكشف منسوباً كبيراً من الانتهازيّة.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ الهزيمة الساحقة للإخوان المسلمين في انتخابات المغرب؟

يختتم إدريس الكنبوري حديثه، فيما يختص بحالة الإسلام السياسي، ومآلات تموضعه الراهن، مؤكّداً أنّ معضلة تنظيمات الإسلام السياسي تأتي من تضخم البعد الأيديولوجي، ما دفع الناخب أكثر نحو معاقبته في الميدان الأيديولوجي نفسه، لذلك لم يسقط الإسلام السياسي في ساحة السياسة فحسب، كباقي الأحزاب السياسية، بل سقط في ساحة الأخلاق أيضاً، لذلك من الصعب أن يستعيد هويته مجدداً.

 تداعيات الهزيمة الانتخابيّة

دعا عبد الإله بن كيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، إلى الاستقالة من قيادة الحزب، عقب التراجع الكبير في نتائج الانتخابات البرلمانيّة، وكتب ابن كيران في تدوينة نشرها في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: ".. بعد إطلاعي على الهزيمة المؤلمة، التي مُني بها حزبنا في الانتخابات المتعلقة بمجلس النواب، أرى أنّه لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة، إلّا أن يتحمل السيد الأمين العام مسؤوليته، ويقدم استقالته من رئاسة الحزب".

عبد الإله بن كيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية

من جانبه يذهب الكاتب والباحث المغربي، يوسف هريمة، في تصريحاته لـ"حفريات"، إلى أنّه لا يمكن فهم تاريخ 8أيلول (سبتمبر) العام 2021، فهماً قاصراً، ينظر إلى أنّ سقوط الحزب المتصدر لولايتين، هي خسارة انتخابيّة، فقد فيها مقاعد حصل عليها آخرون، أو أنّه خسر أكبر معاقله الانتخابية، بل على العكس من ذلك، فإنّ هذا التاريخ يؤسّس لمرحلة يمكن أن نقول عنها أنّ الشعب المغربي، بتلاوينه المختلفة، سواء أولئك الذين شاركوا في الانتخابات، أو الذين قاطعوها لسبب من الأسباب، تجمعهم كلهم وحدة الرؤية السياسية، المتمثلة في نهاية المشروع الإيديولوجي للحزب الإسلامي؛ لأنّ حجم السقوط والانهيار الخطير في المشروع الشمولي، الذي توهم بأنّه ما زال قادراً على التعبئة، والتحريض، وتقسيم المجتمع بشعارات أخلاقيّة، كان مثيراً للغاية، خاصّة أنّه فقد ميزان القوة، الذي كان لفترة طويلة يشكل خزاناً لكتلته الانتخابية، والمتمثلة أساساً، في قواعده والمنخرطين فيه، إضافة إلى المتعاطفين معه من الطبقات الوسطى. ومن يخسر الطبقة الوسطى في المغرب، يكون مصيره الخروج من الباب الصغير مندحراً.

 

يوسف هريمة: ما يهم في هذا السياق، هو قراءة تبعات وأسباب الاندحار الأخلاقي لهذا الحزب، الذي لم تعد شرعيته الأيديولوجية تغري حتى أشدّ مناصريه

 

 

يتابع هريمه قائلاً: لا يهم حجم التحليلات الصحفيّة والإخباريّة، التي تحاول دوماً تقديم قراءة رياضيّة وعمليات حسابيّة، لفقدان الحزب الإسلامي لأكثر من 112مقعداً، بالمقارنة مع الانتخابات السابقة. بل ما يهم في هذا السياق، هو قراءة تبعات وأسباب الاندحار الأخلاقي لهذا الحزب، الذي لم تعد شرعيته الإيديولوجية تغري حتى أشدّ مناصريه. كما لا يمكننا في هذا السياق أن نقرأ هذا السقوط، بمعزل عن الخسارات التي مني بها المشروع الإسلامي في المنطقة العربية، خاصّة بعد الخسائر المدوية له في كل من مصر وتونس، وغيرها من الدول التي كان التواجد فيها لهذا التيار، يشغل بال الكثير من المتتبعين.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى الشخص الذي كتب بداية نهاية إخوان المغرب

وبما أنّ اكتساح هذا المشروع كان نتيجة ظروف إقليمية مفاجئة، حملت لنا خريفاً تخريبيّاً تأسّست معه مشاريع الفتنة الكبرى، والفوضى الخلاقة في الكثير من الدول، فإنّ خروجه أيضاً تم بما تمليه علينا صناديق الاقتراع، وتداول السلطة السلمي، ووفق إرادة الشعب الكبرى، ما دامت الديمقراطية وإكراهاتها، تفرض على الجميع الاحتكام إلى لعبتها وقوانينها.

إنّ ليلة سقوط المشروع الإسلامي بالمغرب، بحسب هريمة، هي ليلة سقوط الخطاب الأخلاقوي، وليست ليلة فقدان مقاعد لا تغني ولا تسمن من جوع. فمع هذا الاندحار يمكننا أن نشير إلى أنّ عودة الخطاب الأخلاقوي مع هذا الحزب، مثلت دوماً شكل سواتر، أو لنقل مبرّرات لتصدير أزماته أو مآزق تفكيره. وهي استراتيجية نابعة من عقل يرى في المظلومية وسيلته الأقوى؛ من أجل الحشد والتّعبئة والاستقطاب، وتلك وظائف الإيديولوجيا. وبما أنّ الانتخابات هي فرصة للتدافع السياسي على البرامج، والحلول، والإمكانات المتاحة للخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فقد ارتأى الحزب تحويل برنامجه السياسي إلى نقطة مواجهة، بين تياره الطهراني وبين باقي مكونات المجتمع والطيف السياسي، التي يعتبرها مكونات فاسدة.

اقرأ أيضاً: انقسام على خلفية الهزيمة.. هل يقر حزب العدالة والتنمية المغربي بخسارته؟

لكن لماذا بنى هذا التيار كل مشروعه على خطاب أخلاقوي متآكل، في مناسبة سياسية بالأساس؟. لقد فعل ذلك لأنّ تدبير الشأن العام ينهك أصحاب المشاريع الإيديولوجية الكبرى، لهذا يختار التواري وراء خطاب الأخلاق، ظناً منه أنّنا ما زلنا في العصر الذي يحتاج فيه المواطن إلى تبريرات دينيّة، لمآزقه الاجتماعية والاقتصادية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية