إذا كانت تركيا في أزمة فإن أردوغان في ورطة

إذا كانت تركيا في أزمة فإن أردوغان في ورطة


08/12/2020

حدثت أزمات كثيرة في المنطقة، وحروب وثورات، وتحوّلات كبرى في السياسات والتوجهات والمقاربات الدولية، حاولت تركيا أردوغان -مع كل ذلك- أن تحقق مقاربة جيدة، ومصالح مقبولة ومكرّسة على أرض أشكّ بأنها ستكون أرضاً صلبة وقادرة على استيعاب أو حماية المكتسبات.

اقرأ أيضاً: زلزال متوقّع بين أردوغان و"الإخوان المسلمين"

مثلاً، هناك مراقبون يرون أنّ الانتصار الذي تحقق في أذربيجان، والحديث هنا عن الانتصار عموماً الذي تحقق على أرمينيا أوّلاً، وثانياً عن ممر (ناختشيفان-أذربيجان)، الذي يمرّ أيضاً عبر الأراضي الأرمينية، يرى المراقبون أنّ هذا الانتصار وهذه المكتسبات والمصالح التي تبدو مكرّسة وصلبة، إلا أنها هشة، نظراً لهشاشة الاتفاق الذي أفضى إلى خلق هذا الممر، ثمّة شيطان رأسه عنيدة يكمن في التفاصيل الهامشية، والطموح التركي العالي، على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري والدفاعي، لا يعدو أن يكون مجرّد توقعات وأحلام قد تتحول إلى كابوس، فيما لو وسوس ذلك الشيطان وساوسه في التفاصيل التي لا توليها تركيا عناية كافية.

روسيا لديها من المكر والدهاء ما يجعل صداقتها مع تركيا مجرّد ذراع لها لتحقيق أطماع لا يمكن أن تكون بلا شريك

 

لا يذهب التفكير بعيداً في تبسيط مفردة "التفاصيل الهامشية"، فهي تنطوي على علامات قوة كبرى، والهامشية لا تعني شيئاً إلا أنها لم تكن جزءاً من الاتفاق، بل كانت على هامشية تراقب وتستعد، أقصد تحديداً الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وفرنسا، ولا أظن أنّ شيئاً يمكن أن يحدث أو يتم أو يستقر دون أن يحظى بموافقة هذه التفاصيل، أو على أقل تقدير أن يحظى بصمتها، ولا أظن أنّ صمت أمريكا وأوروبا وفرنسا سوى صمت آني.

ومثلاً أيضاً، ما تحقق في سوريا كان مبرمجاً وعلى مستوى دولي أن تتوقف داعش أو تتضاءل أو تتجمد في سوريا، ولا أعتقد أنّ هذا الأمر تحقق بانتصارات تركية، صحيح أنّ تركيا دخلت على المعادلة الدولية في سوريا بقوة عسكرية وسياسية لا بأس بها، لكن عملياً لا يُعتبر ذلك نصراً مؤزراً، قد يبدو في جزء من كل ما حدث في سوريا حقق بعض المكتسبات لتركيا، لكنّ ذلك آنيٌّ وأقرب ما يكون إلى حالة سكونية مهّدت لإعادة الأمور إلى نصابها إلى ما كانت عليه قبل الثورة السورية بكافة مراحلها وتطوراتها.

ذهبت تركيا أيضاً إلى ليبيا، ليس لأنها أرادت أن تلحق النصر في سوريا بنصر آخر في ليبيا، ولا لأنها تطارد داعش في سوريا والعراق متتبعة فلوله إلى ليبيا، لقد ذهبت إلى هناك على أمل أن تُكسب شخصية الدولة المحورية دوراً إضافياً يعزّز هيبتها في العالم، والذي حدث لا يعدو أن يشبه ما حدث في سوريا، أو بالأحرى أقلّ من ذلك بكثير، لكن على مستوى النصر أو الهزيمة، أستطيع أن أقول إنّ تركيا لم تنتصر لا في سوريا ولا في ليبيا، وإذا كانت - بشيء يشبه دغدغة الوجدان - لم تنهزم أيضاً، فإنّ مستوى الإخفاق في تحقيق الأهداف والوصول إلى المكتسبات المأمولة، لا أعتقد أنّ له مسمّى آخر غير الهزيمة، أو أنه إخفاق بطعم الهزيمة.

اقرأ أيضاً: مرتزقة أردوغان يتوجهون إلى منطقة جديدة.. ما هي؟

لو سلّمنا جدلاً بأنّ تركيا انتصرت في كل ملفاتها الخارجية، في سوريا وأذربيجان وليبيا، وفي علاقتها وشراكتها مع إيران وروسيا، فإنّ كل ذلك ليس شيئاً يُذكر أمام ما تخفق فيه بأن تبدو دولة عظمى وقوة دولية تفرض رأيها على أرض الواقع لا على ورق الاتفاقات التي ستبدو في لحظة ما بلا جدوى، فإيران لن تمضي في علاقتها وشراكتها مع تركيا إلى مستوى يجعل من الأخيرة قوة عظمى، وهي تعاني من التحييد والعزلة والعقوبات، وروسيا أيضاً لديها من المكر والدهاء ما يجعل صداقتها مع تركيا مجرّد ذراع لها لتحقيق أطماع لا يمكن أن تكون بلا شريك.

اقرأ أيضاً: سياسات أردوغان وحافة الإفلاس التركية

كلّ تلك الملفات لا تضع تركيا في الصدارة، بل تضعها في أزمة، وتضع أردوغان في ورطة أمام الجزء من العالم الذي يرى فيه زعيماً مخلصاً قادراً على الوقوف أمام زعماء العالم بكاريزما مدهشة، عموماً الكاريزما المدهشة مفيدة في تحقيق مكتسبات شخصية، لكنها ليست عاملاً حاسماً في انتصارات الدول وهزائمها.

في الوقت الذي يعلن فيه أردوغان أنّ بلاده تدخل مرحلة جديدة من الصناعات الدفاعية من خلال تصنيع محرّكات مروحيات محلية، ومشاركته في مراسم تسليم أول محرّك مروحية محلي الصنع، تمضي تركيا -بحسب حديث أردوغان- بخطى واثقة لتصبح دولة رائدة في الصناعات، تمضي الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً قُدماً وبخطى واثقة لفرض عقوبات على تركيا، حتى مع مجيء جو بايدن إلى الرئاسة، فهو لم يقبل سابقاً سياسة تركيا تجاه الأكراد شمال سوريا، كما لم يعجبه خلق تركيا لتوترات شرق المتوسط، ورفض بشكل حاد شراء تركيا منظومة صواريخ "S 400"، قائلاً: إنه ينوي جعل تركيا تدفع ثمن شرائها منظومة الصواريخ من روسيا.

لو سلّمنا جدلاً بأنّ تركيا انتصرت في ملفاتها الخارجية فذلك لا يُذكر أمام ما تخفق فيه بأن تبدو دولة عظمى وقوة دولية تفرض رأيها على أرض الواقع

أمّا الاتحاد الأوروبي، فهو أيضاً يمضي بخطى واثقة على إعادة رسم خريطة العلاقة مع تركيا، بحيث تبدأ من قراءة كل أدوار تركيا في المنطقة وسياساتها الداخلية والخارجية، لتنتهي بالعقوبات التي من المتوقع أن يصادق عليها زعماء الاتحاد الأوروبي في القمة المرتقبة في 10 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، والتي من المتوقع، بحسب وصف مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل أن تكون (اللحظة الفاصلة) في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

وعلى ذلك، فالقول إنّ تركيا في أزمة هو قول واقعي وحقيقي، وينطوي على ثمن باهظ تدفعه تركيا كما وعد بايدن، فإذا كانت تركيا في أزمة، فإنّ أردوغان في ورطة حقيقية، وأتمنى أن تستطيع تركيا تجنّب كل تلك المخاوف المحتملة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية