إلى متى سيظلّ أردوغان يهدّد بأطماعه العالم؟

إلى متى سيظلّ أردوغان يهدّد بأطماعه العالم؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
29/10/2020

ترجمة: إسماعيل حسن

يخشى الإسرائيليون من تنامى جرأة أردوغان بشكل أوسع، إلى حدّ قدرته في الوصول إلى فرض الهيمنة على العالم، وهذا ليس ما تريده إسرائيل ومصر واليونان وقبرص، وحتى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ فما يحدث من تدخّل تركي في العديد من بلدان العالم يهمّ إسرائيل كثيراً، مما يجعلها في حاجة إلى حملة منظمة تجاه تركيا، حتى لا تتفاجأ بما هو أبعد، فقد تأتي المفاجآت من عدة اتجاهات لا يمكن التنبؤ بها.

 الأوساط الإسرائيلية تسعى وبشكل مستمر للتحذير من تنامي الأدوار التركية بملفات الشرق الأوسط وغيرها، وطالبت دوائر صنع القرار حول العالم بتجسيد علاقاتها مع الحلفاء للوقوف بوجه تركيا معاً، وذلك خوفاً من الطموحات التوسعية التي تسعى لها، إلى جانب علاقاتها القوية بحركات المقاومة، ودعم مشاريع جماعة الإخوان المسلمين، التي تشكّل تهديداً على العالم، إسرائيل ما تزال تعدّ تركيا خطراً إستراتيجياً ليس عليها فحسب؛ بل التهديد التركي سيصل للعالم والجميع غافل عن طموحات أردوغان في عودة أمجاد الدولة العثمانية الفاشلة والمنهارة، وانطلاقاً من هذا التحذير تحاول إسرائيل زراعة الخوف منها بالإشارة لقدراتها العسكرية ومساعيها للسيطرة على المنطقة والتركيز كثيراً على مشاريعها الإقليمية التي تستمدّ قوتها من خلالها.

تركيا وإشعال المنطقة

إنّ التمركز التركي في البحر المتوسط هو من يهدّد بإشعال المنطقة، في ظلّ تزايد الطموحات التوسعية لأروغان، والذى يشكل في المقابل مصدر قلق لإسرائيل بزعم تأثيره السلبي على مستقبل غازها، الذي بات في خطر، وهذا ما أغضب أيضاً كلاً من اليونان ومصر وقبرص، لما تراه جميعها تهديداً لمصالحها الإستراتيجية، ونتيجة لذلك؛ فإنّ إسرائيل واليونان ومصر ستواجه بصورة مشتركة ما بات يعرف بالتحدي التركي، ويضعها أمام اختبارات قاسية، مما قد يحمل تنبؤات مفادها أنّ تصاعد الصراعات في شرق البحر المتوسط قد يصل درجة التدهور نحو مواجهة عسكرية، وذلك في ضوء التقدير الإسرائيلي المتابع للسلوك التركي على المستوى الجيو إستراتيجي، وكلّ ذلك يؤكد، بحسب التقديرات الإسرائيلية، أنّ طموح تركيا في عصر أردوغان يشير إلى أنّها أصبحت قوة مركزية في المنطقة، وتحافظ على تمركز قواتها حالياً، في سوريا والعراق وقطر والصومال وليبيا، وتنوي التمدّد في دول أخرى.

إلتزام أردوغان الديني الحالى ينبع من خطر الإخوان في قدرتهم على التمويه، طالما ليسوا في الحكم، وعلى تزمتهم خلف تضليل الأسلوب المعتدل، وهذه الحيل ضللت أوباما

لا ينكر غالبية العرب أنّ أردوغان عدوّ لهم، فهو عدو لمصر ودول الخليج وأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، ولنسبة كبيرة من شعبه، وللأكراد في تركيا نفسها، وفي سوريا أيضاً، لكن ما يغضب الإسرائيليين أنّ من يعرفون طموحات الغدار أردوغان، وما يحمله من تهديد لمصالحهم، يفضلون مصالحته، والرئيس ترامب لم يستوعب بعد جسامة الخطر، وبات في حالة من الصمت على أفعال تركيا وسياسات أردوغان، والتى وصلت حدّ التهديد الحقيقي لمستقبل إسرائيل والدول العربية وصولاً إلى دول الاتحاد الأوروبي، لقد اقتلعت الإمبراطورية العثمانية المتفككة، قبل نحو مئة عام، وسارت بها نحو الإنخراط في العالم الحديث، في نظام طور الديمقراطية بالتدريج، واجتازت الدولة في الشرق الأوسط ثورتين ثقافيتين في أقل من مئة سنة؛ الأولى ثورة أتاتورك التي بنت تركيا الحديثة، والثانية: ثورة أردوغان التي قوّضت أساساتها، والمشكلة هنا تكمن في شخصية الحاكم.

السيسي أنقذ مصر

أردوغان هو مشعل نيران الإخوان، وهم الحركة الأخطر في العالم، ولم يستوعب أردوغان القيم التي حاول أتاتورك غرسها، لكنه يسير أسيراً خلف الرؤى الطموحة وإلتزامه الديني الحالى ينبع من خطر الإخوان في قدرتهم على التمويه، طالما ليسوا في الحكم، وعلى تزمتهم خلف تضليل الأسلوب المعتدل، وهذه الحيل ضللت أوباما، ليرى في حكم مرسي خطوة مرغوباً فيها نحو التحوّل الديمقراطي لمصر، ولولا أنّ السيسي أنقذ مصر من حكم الإخوان لتدهور الشرق الأوسط إلى مصائب خطيرة، حتى أكثر من تلك التي شهدها في العقد الأخير.

 ترامب، هو الآخر، لا يفهم الخطر كما هو، وجدير بالمشكّكين أن يتعلموا من الخراب الذي جلبه الإخوان على الكيان العربي الوحيد الذي يخضع لحكمهم  في غزة، ليس صدفة أن ترفع أعلام تركيا في أرجاء غزة وفي أعمال الشغب على الحدود مع إسرائيل، وفي السعودية أيضاً، وفي دول الخليج يخافون من إرهاب الإخوان، الذي مصدره تركيا وقطر؛ حيث ينشطون بشكل كبير هناك، وتدعم كلّ من قطر وتركيا مشاريع الإخوان، وتحتضن تركيا بالتحديد مؤسسات الإخوان الإعلامية المعادية.

حالة الصمت العربى والدولي على تمادي أردوغان في طموحاته وأطماعه، دفعت مراكز البحوث الإسرائيلية إلى رصد مشاريع تركيا التوسعية بالإشارة إلى قدراتها العسكرية، ومساعيها للسيطرة على المنطقة

 طموح أردوغان ورط تركيا في جملة من النزاعات؛ في مصر والأردن هو عدو يؤيد تهديدات الإخوان، وفي اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل هو عدوّ يسعى إلى الهيمنة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط في محاولة للسيطرة على الذخائر الاقتصادية، وفي مصر؛ هو عدو أيضاً بسبب دعمه العسكري لحكومة السراج في طرابلس، التي تسيطر على حدود ليبيا مع مصر، وهو لا يتردد في الاستفزاز، حتى عسكرياً، لشركائه في الناتو قبرص واليونان، بسبب انهزامية أوروبا، وأمام كلّ هذا الضعف نجد أنّ فرنسا هي الوحيدة التي تقدّم استعدادها لأن تساعد قبرص واليونان في لجم أطماع أردوغان، كما أنّ أردوغان يفرض الاحتلال العسكري على شمال قبرص، وداخل بلاده انتهج نظاماً قمعياً ألقى بعشرات الآلاف من أبناء النخب في السجن، معلمين أكاديميين ضباطاً قضاة، صحفيين موظفين كباراً، وشخصيات عامة، ثمّ فرض الموالين له على أجهزة التعليم والقضاء وفي الخدمة العامة، وزور الانتخابات، وثبّت لنفسه مكانة السلطان، أما الأقلية الكردية الكبيرة في الداخل، فقمعها بشكل وحشي، وتجمعات الأكراد ومؤسساتهم في الخارج حاول تحطيمها في غزو عسكري واسع لشمال سوريا.

تهديد حلف الناتو

نظام أردوغان بات يشكل تهديداً لحلف الناتو أيضاً، وللاستقرار الاجتماعي والسياسي في عدة بؤر في أوروبا، ولمصالح إستراتيجية أمريكية، ومصالح مهمة لإسرائيل؛ لقد استغل ملايين الرهائن السوريين في السنوات الأخيرة كورقة مساومة في المفاوضات التي أجرتها تركيا مع الاتحاد الأوروبي، ورغم أنّ تركيا لم تحصل على كامل طلبها من الاتفاق السياسي الذي وقّع بينها وبين الاتحاد، إلا أنّها استخدمت في السابق التهديد عدة مرات بفتح الحدود لوقف مبادرات أوروبية استهدفت لجمها سواء في مسألة التنقيب في البحر المتوسط، أو في موضوع تدخّل تركيا في الحرب السورية.

 حالة الصمت العربى والدولي على تمادي أردوغان في طموحاته وأطماعه، دفعت مراكز البحوث الإسرائيلية إلى رصد مشاريع تركيا التوسعية بالإشارة إلى قدراتها العسكرية، ومساعيها للسيطرة على المنطقة، والتركيز كثيراً على مشروعها الإقليمي، ودعم مواقف السعودية والإمارات ومصر الرافضة للسلوك التركي، وترى المراكز البحثية أنّ تركيا تشكل خطراً إستراتيجياً عليها، بجانب التحديات الأمنية الكبرى التي تواجه مصالح إسرائيل في المنطقة.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد التركي ينهار... هذا مخرج أردوغان الوحيد

لقد أبدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي انزعاجهما من سلوك الرئيس التركي في شرق المتوسط,، بعد إعلانه عن عودة سفينة التنقيب للبحث مجدداً في شرق المتوسط قرب سواحل اليونان، وطالبو تركيا بالكفّ عن هذا الاستفزاز المتعمد، والبدء في محادثات مع اليونان على الفور؛ فالإكراه والتهديد والنشاطات العسكرية لن تحلّ التوتر في شرق البحر المتوسط، وعلى تركيا أن توقف دائرة الاستفزاز وخرق القوانين الدولية، وزير الخارجية الألماني ردّ على استفزازات أردوغان بإلغاء زيارته المخطط لها إلى تركيا.

أزمات متعددة

 وأمام النزاع الإسرائيلي الفلسطيني والحرب في ليبيا، وناغورنو قره باغ، والتنقيب عن النفط في البحر المتوسط، والأكراد في سوريا، وحلف الدفاع مع قطر، يقف أردوغان ويعد بأن تظلّ تركيا في كل مكان، ولن يستطيع أحد وقفها، كرئيس حصل على قوته السياسية في بداية الطريق، بفضل نجاحه الاقتصادي الكبير الذي أوصل تركيا إليه، ورغم تزايد الأزمة الاقتصادية بنى أردوغان تركيا كدولة عظمى إقليمية وكقوة سياسية لا يمكن تجاهلها أو الاستخفاف بها، دولة مستعدة لمواجهة أوروبا وروسيا والولايات المتحدة، ووصوله إلى حدّ هذا التهديد هو بفعل الصمت الدولي على أفعاله.

اقرأ أيضاً: هذا ما طلبه بوتين من أردوغان.. ما علاقة أذربيجان؟

 في مسألة الحرب في ناغورنو قره باغ  يفضّل ترامب ألّا يصطدم مع أردوغان الذي تشارك قواته في الحرب إلى جانب أذربيجان، وقد انضمّ إلى دعوات فرنسا وروسيا لتطبيق وقف إطلاق النار، لكنّه وقف بصمت منذ ذلك الحين، واقترح أن تستضيف الولايات المتحدة المفاوضات، ولا يمكنه أيضاً اتّهام أرمينيا، خوفاً من أن يخسر أصوات الأرمن، وهم نحو مليون ونصف شخص يتركزون في المدن الديمقراطية من نيويورك وبوسطن ولوس أنجلوس، في حين أنّه لا يريد اتّهام أنقرة من أجل أن يدافع عن صديقه، لقد تأجّل النقاش حول صدّ تركيا إلى كانون الأول (ديسمبر)، بانتظار موعد الانتخابات الأمريكية للرئاسة، ومثل كلّ زعماء العالم لا يمكن لزعماء أوروبا وتركيا البدء بالتخمين من سيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة، رغم الصراخ الذي يسمع من وزارة الخارجية الأمريكية؛ فإنّ العلاقة الشخصية بين أردوغان وترامب ممتازة، ترامب صدّ بجسده نية الكونغرس والناتو فرض عقوبات على تركيا عندما اشترت صواريخ "إس 400" من روسيا.

 ورغم أنّ أردوغان وعد ترامب بأنّه لن يدخل الصواريخ إلى الاستخدام الفعلي قبل الانتخابات، لكنّ تركيا أجرت، الأسبوع الماضي، تجربة عملياتية للصواريخ، استفزت بها أمريكا.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/opinion/806979



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية