الإسلام السياسي بين الغرب والعالم العربي

الإسلام السياسي بين الغرب والعالم العربي


30/05/2021

فاروق يوسف

لا يمكن للعالم العربي أن يطوي صفحة الإسلام السياسي بقوته الذاتية. فالأمر أكبر بكثير من أن يختصره المرء في الموقف المصري المناوئ لجماعة الاخوان المسلمين أو هزيمة التنظيمات الجهادية في سوريا أو انكفاء الجماعات المسلحة في ليبيا على نفسها أو التحول العظيم الذي تشهده المملكة العربية السعودية في اتجاه التحديث والمعاصرة.

وإذا ما كانت تركيا قد بدأت في الانحراف عن مسارها الأردوغاني الذي يتبنى المنطلقات النظرية للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين في محاولة منها للتقرب من دول عربية كانت إلى وقت قريب تتخذ منها موقفا عدائيا فإن إيران لا تزال تمثل الجدار المقابل الذي تستند إليه جماعات الإسلام السياسي التي استطاعت أن تتغلغل في المجتمعات العربية وتكون بمثابة حواضن للفكر المتطرف والمتشدد الذي يلعب دورا مزدوجا على مستوى التضليل السياسي.

لا تكتفي تلك الجماعات بفرض النموذج الديني لنظام حكم هو النقيض المبيت لنظام الحياة المدني من غير أن ترفع شعار "تطبيق الشريعة" الذي يمكن الولوج إلى مضمونه من غير الحاجة إلى بث الذعر في أوصال المجتمع بل تقدم نفسها أيضا باعتبارها حركات مقاومة لا تزال ثابتة عند مبادئ القضية التي هي ليست واضحة دائما. ذلك لأن المرء يشعر في الحيرة وهو يحاول وصف وتشخيص تلك القضية من جهة توزعها بين ما هو وطني وما هو ديني تحت غطاء سياسي نفعي عام.     

لقد استفادت إيران من الظروف السيئة التي عاشها العالم العربي عبر العقود الماضية والتي انتهت بسقوط نموذج النظام القومي ــ الوطني فأقامت تنظيمات وأحزابا وجماعات تابعة وموالية لها سعت بدورها إلى انشاء امارات شبيهة بالامارات التي يقيمها تنظيم داعش. فليس من باب الصدفة أن تكون امارة غزة التي تديرها حركة حماس نسخة من امارة الضاحية الجنوبية التي هي من ابداع حزب الله اللبناني. كما أن الحوثيين لو استتب لهم الامر في اليمن لأنشأوا امارات ستكون نسخة من امارة الرقة التي أقامها تنظيم داعش. وما انحسار الحريات العامة في العراق خوفا من بطش الميليشيات الموالية لإيران إلا نوع من أنواع التمهيد لقيام دولة دينية هي عبارة عن امارة تابعة لدولة الولي الفقيه.

وإذا ما كانت حركة النهضة بتونس لا تزال تعتقد أنها قادرة على اخفاء ميلها إلى إقامة نظام ديني أصولي، فإن في إمكان عودة سريعة إلى ثوابتها النظرية أن تفضح ما هو مخفي. فالغنوشي وهو زعيم تلك الحركة يحلم في أن تتاح له فرصة القيام بدور المستبد العادل الذي هو نموذج الحاكم الإسلامي في سياق فكرة تاريخية مضللة تعتمد على روايات غير مؤكدة. حركة النهضة هي وليدة ذلك التضليل الذي مورس منذ مئات السنين. وهي إذ تستفيد من ذلك التضليل على مستوى سياسي معاصر فإنها تسعى إلى مد نظرها أبعد من تونس مطمئنة إلى أنها استطاعت أن تراوغ الجمهور التونسي بخوفها من الله وضمنت أصواته في أي انتخابات تشريعية قادمة.

ومن الصادم أن يأتي تبني الغرب للإسلام السياسي مرافقا لحماسته لثورات الربيع العربي التي اتضح في ما بعد أنها كانت مبيتة من أجل صعود أحزاب وحركات دينية إلى الحكم ومن ثم تحويل العالم العربي إلى مجموعة من الامارات الإسلامية التي تقمع شعوبها وتخطط لحروب مستقبلية لن يكون صعبا تحديد اتجاهاتها. فمن خلال ظاهرة المقاومة بمفهومها الإيراني يمكننا أن نقول إن تدمير العالم العربي وتبديد ثرواته وتجهيل وافقار شعوبه هي الأهداف الثابتة للإسلام السياسي وليست الدول التي تمول التنظيمات والجماعات والأحزاب الدينية غافلة عن تلك الأهداف.

وكما صار مفضوحا فإن الغرب الذي يحارب الارهاب لا يمانع في أن تصل جماعات ارهابية إلى الحكم في العالم العربي مثلما هو حال جماعة الاخوان المسلمين التي لا تفتقر إلى الجهات الضاغطة التي تدافع عنها تحت غطاء حرية التعبير والتعددية الحزبية والتداول الديمقراطي للسلطة. لذلك يحتاج العرب إلى أن يفضحوا تلك الازدواجية ويكاشفوا الغرب كله وليس الولايات المتحدة وحدها. فالإسلام السياسي هو مصدر الارهاب وإذا كان الغرب يشعر بخطر الارهاب فالأولى به أن يتخذ موقفا مضادا لجماعات الإسلام السياسي التي يتم تمويلها بمعرفته. 

ومثلما يخاف الغرب على شعوبه فإن من حق الشعوب العربية أن تخاف على نظام حياتها المدني الذي صار واضحا أن الغرب يتبنى فكرة محوه. لذلك ما لم يتعاون الغرب بشكل حقيقي وصادق وأخلاقي مع العالم العربي فلن يكون طي صفحة الإسلام السياسي ممكنا حتى في حالة فشل جماعاته.

عن "ميدل إيست أونلاين"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية