التسول في غزة جريمة يعاقب عليها القانون

التسول في غزة جريمة يعاقب عليها القانون


22/03/2021

تجدهم في شوارع غزة كافة، وبالقرب من مفترقات الطرق، وأمام المحال التجارية والمساجد والبنوك،  وداخل المرافق العامة، وغالبيتهم نساء، و أطفال بعمر الزهور، وفتيات بالغات، يستخدمون عبارات استجداء، وأسلوباً محرجاً لإجبار الناس على إعطائهم أيّ مبلغ من المال، حتى لو كان شيكلاً واحداً، فالتسول أصبح ظاهرة في القطاع المحاصر.

أعداد المتسولين في غزة ازدادت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وأصبحوا ينتشرون في كلّ مكان، ولم يعد باستطاعة الناس التفريق بين من دفعه العوز  للتسوّل، أو من يتقنع به للتكسب، أو لهدف آخر، فالأساليب التي يتبعها غالبيتهم أزعجت كثيرين.

ونظراً لعدد الشكاوى الواردة من المواطنين على انتشار المتسولين، أصدر النائب العام في قطاع غزة، المستشار ضياء المدهون، تعليمات بتوقيف المتسولين والتحقيق معهم، للقضاء على تلك الظاهرة، ومعاقبة من اتّخذ التسول مهنة، ومدّ يد العون لمن يثبتون أنّهم في حاجة إلى المساعدة من خلال برامج الرعاية الاجتماعية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: غزة: متسولون "ديجتال" يمارسون النصب الإلكتروني.. وهذه أساليبهم

وأكّد المدهون أنّ ظاهرة التسول جريمة يعاقب عليها القانون، كأيّة جريمة تمسّ بالأمن والاستقرار والسلم المجتمعي، وأنّه يجب أن تتكاتف الجهود لاجتثاث، وإنهاء هذه الجريمة المقيتة التي تُسيء لكرامة الشعب الفلسطيني المحافظ، وتشتكي منها غالبية مكوّنات المجتمع الفلسطيني".

طفل (13 عاماً)، لـ "حفريات": أبي أجبرني، أنا وشقيقي الأكبر، على التسول وجمع الأموال من الناس، ليتمكن من شراء الطعام، لانه مريض

ويُجرّم قانون العقوبات الفلسطينيّ "التسول" باعتباره شكلاً من أشكال الكسب غير المشروع، فوفق الفقرة (ب) من المادة (193) فإنّه من استعطى أو طلب الصدقة من الناس متذرعاً إلى ذلك بعرض جروحه أو عاهة فيه أو بأية وسيلة أخرى، سواء أكان متجولاً أم جالساً في محل عام.

وبحسب قانون الطفل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2004، المادة 43، فإنّه يحظر استغلال الأطفال في التسول كما يمنع تشغيلهم في ظروف مخالفة للقانون أو تكليفهم بعمل من شأنه أن يعيق تعليمهم أو يضر بسلامتهم أو بصحتهم البدنية أو النفسية.

القضاء على ظاهرة التسول

وفي هذا السياق، يقول الناطق باسم النائب العام زياد النمرة، في حديثه لـ "حفريات": "إصدار هذا القرار كان للقضاء على ظاهرة التسول المنتشرة بشكل كبير في مختلف مناطق قطاع غزة، والتي تؤرق الشارع العام وتعطي انطباعاً سيئاً، وصورة غير حضارية عن المجتمع الفلسطيني، لا سيما أنّ هناك حالات تستوجب المحاسبة لأنّها خارجة عن نطاق العوز والاحتياج بقدر أنّها تسعى للكسب غير المشروع".

 زياد النمرة

يضيف: "القرار موجود مسبقاً منذ عدة سنوات؛ لكنّه كان يُطبق في مواسم الأعياد وأشهر معينة فقط؛ لذلك لم يتم القضاء على تلك الظاهرة بشكل كلّي، وعندما زادت أعداد المتسولين بشكل كبير، كان لا بدّ من أخذ إجراءات أكثر حزماً، وتوقيف كلّ من نجده يتسوّل في الشارع، ويمدّ يده، ويتمّ التحقيق معه، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقّه".

اقرأ أيضاً: الإمارات تقف إلى جانب أهل غزة... فلسطينيون يرحبون بمساعي الخير الإماراتية

يواصل حديثه: "بعد إلقاء القبض على المتسوّلين تعمل اللجنة المكلفة من وزارة التنمية  الاجتماعية بالبحث الميداني عن تلك الحالات، ومن يثبتون أنّهم في حاجة إلى المساعدة، وأنهم لجؤوا للتسول بسبب أوضاعهم المادية المتردّية، تتم مساعدتهم بشكل فوري من قِبل الوزارة، وإدراج أسمائهم ضمن برامج المساعدات المالية، وتأمين طرود غذائية، حتى لا يعودوا للتسول مرة أخرى".

إجراءات عقابية

ووفق النطاق باسم النيابة العامة؛ فإنّ الإجراءات العقابية تختلف من حالة إلى أخرى، فمن يتم ضبطهم للمرة الأولى وهم يتسولون تُتخذ بحقّهم إجراءات ابتدائية، وهي كتابة تعهدات خطية بعدم ممارسة التسول مرة أخرى، لأنّ هذا الفعل يعدّ  جرماً يحاسب عليه القانون.

الباحث د. فضل المزيني لـ"حفريات": من الضروري إيجاد طريقة لمعالجة ظاهرة التسوّل، لكن من خلال محاربة أسبابها التي دفعت المتسولين إلى الشارع

ويبيّن الناطق باسم النائب العام؛ أنّ هناك حالات أخرى تمارس التسول في غزة منذ فترة طويلة، وهي ليست في حاجة إلى المساعدة، وكانت قد تعهدت بعدم تكرار هذه المخالفات القانونية إلا أنّها خالفت تلك التعهدات، وعادت إلى ذات النهج، الأمر الذي اضطر النيابة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية بحقّ هؤلاء، وإحالتهم إلى القضاء لمحاكمتهم.

وينوّه إلى أنّ التسوّل جريمة يحاسب عليها القانون وتصنف جنحة، وأنّ الحدّ الأقصى لعقوبتها  ثلاث سنوات، ومسألة تقدير العقوبة تخضع للمحكمة المختصة بإنزال العقوبات.

ويشير إلى أنّه من ضمن اللجان المكلفة بمتابعة ملف المتسولين؛ المباحث العامة، وهي بدورها تتولى مهمة الإشراف الميداني في شوارع قطاع غزة، وضبط وإحضار المتسولين المتواجدين في الشوارع، لافتاً إلى أنّ الهدف من هذا القرار هو حماية المجتمع من تلك الظاهرة السلبية، والحفاظ على الشكل الحضاري للمجتمع، ومنع إزعاج المواطنين، وتطبيق مبدأ سيادة القانون.

محاربة أسباب التسول

من جهة أخرى، يبيّن الباحث بوحدة الشؤون الاقتصادية والقانونية بالمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، د. فضل المزيني؛ أنّه كان من الضروري إيجاد طريقة لمعالجة ظاهرة التسوّل، لكن من خلال محاربة أسبابها، تلك الأسباب التي دفعت المتسولين إلى الشارع، خاصة الذين دفعتهم الحاجة، وليس من يمتهنون التسوّل بشكل دائم.

 ويشير، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ الحصار الإسرائيلي وما خلفه من تداعيات كارثية على اقتصاد القطاع، دفع معظم القطاعات الاقتصادية إلى الاستغناء عن آلاف العمال، وانضمّ هؤلاء إلى صفوف العاطلين عن العمل، وأصبحوا من شريحة الفقراء.

فضل المزيني

ويلفت إلى أنّ الانقسام الفلسطيني انعكس بشكل سلبيّ على سكان قطاع غزة، وساهم في تدهور الأوضاع للسكان، وأنّه نتيجة الانقسام حُرم شباب غزة من الوظائف الحكومية، وأصبح آلاف الخريجين على مدار ١٤ عاماً عاطلين عن العمل.

ورحّب المواطن، رجب حميد، بقرار النائب العام الذي يقضي بتوقيف المتسولين ومحاسبتهم، معتبراً أنّ تلك الخطوة إيجابية، وسوف تساهم بالتخفيف من تلك الظاهرة التي انتشرت بشكل كبير مؤخراً.

إزعاج

ويشير، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ "المتسولين باتوا مصدر إزعاج رئيس في قطاع غزة، ويتواجدون بالمناطق الحيوية، ويستخدمون أساليب مزعجة لإقناع الناس بإعطائهم المال، خاصة النساء والأطفال".

غالبية المتسولين غير محتاجين، ويتّخذون التسول مهنة لكسب المال بطريقة غير شرعية، وهم أكثر بكثير من المتسوّلين المحتاجين، ولديهم عقارات وأموال طائلة لا يمتلكها الأشخاص الذين يعملون، لذلك تجب محاسبتهم وإنزال أقصى العقوبات بهم ليكونوا عبرة لغيرهم، ولا يتجرأ الآخرون على ممارسة تلك المهنة"؛ يقول حميد.

وينوّه إلى أنّ بعض المتسولين لا يعملون بشكل فردي، وإنما هناك أشخاص  يشكلون عصابات لتشغيل الأطفال والنساء والفتيات، لجمع الأموال لصالحهم، وتلك الفئة تشكّل خطراً كبيراً على المجتمع الفلسطيني.

في هذا السياق، وعلى  غير عادته، يلتفت الطفل أحمد، اسم مستعار، يميناً وشمالاً، ويغيّر المكان الذي يتسوّل فيه خوفاً من أن يمسك به رجال الشرطة الفلسطينية، ويقتادونه إلى مركز الشرطة للتحقيق معه، ومنعه من التسول مرة أخرى.

غالبية المتسولين غير محتاجين، ويتّخذون التسول مهنة لكسب المال بطريقة غير شرعية

ويقول الطفل، البالغ من العمر 13 عاماً، في حديثه لـ "حفريات": "أبي أجبرني، أنا وشقيقي الأكبر، على النزول إلى الأسواق والأماكن العامة للتسول وجمع الأموال من الناس، ليتمكن من شراء الطعام، وعندما نسأله لماذا لا تعمل يخبرنا بأنّه مريض، ولا قدرة له على العمل، لذلك اضطررنا للعمل في تلك المهنة والاستمرار بها".

يضيف الطفل، الذي يتسول منذ 4 سنوات: "بعد إصدار القرار الجديد "توقيف المتسولين"، لم يعد العمل كالسابق، فلن نتواجد في كافة الأماكن، خاصة القريبة من مراكز الشرطة، فنحن نعمل بحذر، ونخشى أن يُلقى القبض علينا، في أية لحظة، للتحقيق معنا، ومنعنا من العمل " التسول"".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية