غزة: متسولون "ديجتال" يمارسون النصب الإلكتروني.. وهذه أساليبهم

غزة

غزة: متسولون "ديجتال" يمارسون النصب الإلكتروني.. وهذه أساليبهم


29/10/2018

أدّت الثورة التكنولوجية إلى تطور مهنة التسوّل في قطاع غزة، فابتكر المتسوّلون طريقة جديدة لجمع الأموال، دون بذل أيّ جهد، فاستغلوا مواقع التواصل الاجتماعي لنشر التغريديات والمنشورات، التي تتحدث عن التبرع لصالح الفقراء، أو المساهمة بعلاج مريض، أو مساعدة طالب جامعي في إكمال دراسته، فجمع التبرعات إلكترونياً أصبح ممارسة ملحوظة يزاولها بعض الأشخاص، بذريعة الأجر والإسهام في مساعدة الآخرين.

ويستغل أصحاب تلك الحسابات الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها سكان قطاع غزة، فهناك كثيرون يروّجون لتلك الحالات، لزيادة رصيدهم من المتابعين والمتفاعلين لما ينشر في حساباتهم.

اقرأ أيضاً: مواقع التواصل الاجتماعي تفضح زيف الدعاة الجدد

ويستهدف المتسوّلون حسابات الصحفيين والأشخاص المعروفين، الذين يطلق عليهم "المؤثرين"، والصفحات التي تنتشر بشكل واسع، ويكون فيها تفاعل مع المتابعين، حيث تواصلت "حفريات" مع عدد منهم لمعرفة تفاصيل تلك الطلبات وكيفية تعاملهم معها.

جندية: ما يساعد المتسوّلين في عدم كشفهم هو استخدام الحسابات الوهمية فيصعب على الضحايا تقديم شكاوى ضدهم

محمد صلاح، ناشط شبابي، يقول لـ "حفريات": "أتلقى عدداً كبيراً من الرسائل، من حسابات تعود لأشخاص أو صفحات خاصة، يطلبون من خلالها مساعدة مالية، إما للعلاج أو للحصول على الطعام، ومناشدات أخرى تدعو لتقديم مساكن لأسر فقيرة طردت من بيوتها، لعدم دفعها المبالغ المستحقة عليها، ويحرص أصحاب تلك الرسائل على كتابتها بطريقة مؤثرة، ليتفاعل المتبرِّع، فيتبرع فور قراءته مناشدتهم".

يضيف "كنت أنشر يومياً عدة مناشدات أحصل عليها من أشخاص يراسلوني عبر الخاص، ويتم التجاوب مع غالبيتها، إما بواسطة متبرعين من الخارج، أو من خلال أهل الخير والمؤسسات في غزة، وفي يوم من الأيام؛ تفاجأت بأنّ عدداً من الحالات التي نساعدها لم تكن في حاجة إلى هذه المساعدة، وهذه الطريقة هي مهنة لهم".

كبسة زرٍّ

ويعزو صلاح سبب انتشار ظاهرة "التسوّل الإلكتروني"، واتساع رقعتها في القطاع إلى "سوء الأوضاع الاقتصادية، وانعدام فرص العمل، وسهولة الوصول إلى المتبرعين من غزة وخارجها بـ (كبسة زرّ)"، إضافة إلى "عدم وجود رقابة صارمة على مثل هذه المواقع، وعدم ملاحقتهم من قبل الجهات المختصة، لمنع تفشيها في المجتمع الغزاوي".

اقرأ أيضاً: أحلام غزة: عندما يصبح الحب والأمان والأمل حلماً

ويشير إلى أنّ الأشخاص الذين يطلبون المساعدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يتقنون أسلوباً خاصاً، لكسب التعاطف من قبل المتبرعين والتأثير في نفوسهم، مستخدمين صوراً أرشيفية منشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو تمّ التقاطها دون علم أصحابها، لتكون عملية النصب موثقة، لافتاً إلى أنّه، في الوقت الحالي، لا يتجاوب مع المناشدات، التي تأتيه من خلال رسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

ويبين أنّه؛ في حال وصول حالة مؤثرة، وشعر بأنها حقيقة، فإنه يذهب بنفسه إلى المنزل، للتأكد من صدقها، مشيراً إلى أنّ المتبرعين في الخارج أصبحوا لا يتجاوبون مع الحالات مثل السابق، وتراجعت دافعيتهم للمساعدة؛ بسبب عدم ثقتهم بصدق المطالبات، بعد اكتشافهم أنّ الأموال التي يرسلونها لا تذهب لمن يستحقها.

يهدف التسول الإلكتروني لجمع المال بسهولة بدلاً من الجلوس في الطرقات

أرقام عشوائية

ويلفت صلاح إلى أنّ الطريقة الجديدة التي يتبعها المتسوّلون في قطاع غزة، هي إضافة أرقام عشوائية لأشخاص من دول أجنبية ودول الخليج العربي، والتواصل معهم عبر "واتس آب"، وإطلاعهم على الأوضاع المأساوية في غزة، وإرسال صور وتقارير طبية لحالات مرضية، لاستغلال مشاعرهم بهدف تحويل مبالغ مالية.

عبد الرحمن جندية: ظاهرة التسوّل الإلكتروني تحدّ من منح الصدقات والزكاة للفقراء الذين يستحقونها استحقاقاً فعلياً

ويقع كثيرون ضحية هذه الممارسات، من بينهم مريم حميد (34 عاماً)، التي كشفت لـ "حفريات" بأنها تلقت قبل عامين رسالة من سيدة تطلب المساعدة في تأمين العلاج لابنتها المريضة بمرض "سكري الأطفال"، وأنّها لا تستطيع تأمين ثمن هذا العلاج؛ نظراً إلى ارتفاع ثمنه، "فتأثرتُ كثيراً، وأردت مساعدتها، وأصبحت كلّ شهر أرسل لها المال لشراء العلاج اللازم لابنتها".

وتضيف: "تحدثت عن تلك الطفلة لزميلاتي في العمل، وأردن مساعدتها، بتقديم ملابس وبعض الاحتياجات الخاصة، فطلبت من والدتها تزويدي بعنوان بيتها لزيارتها والاطمئنان عليها، فرفضت ذلك بذريعة أنّ مكان سكنها بعيد، وبيتها صغير لا يصلح لاستقبال الضيوف".

استغلال مشاعر الناس

وتردف "بعد الإلحاح بأن نزورها في البيت، لتقديم المساعدة لابنتها، والاطمئنان عليها، تم تعطيل الحساب التي كانت تتواصل معي من خلاله، إضافة إلى إغلاق هاتفها، فتبين لي أنها عملية نصب، وكانت بهدف جمع المال بطريقة جديدة، بدلاً من الجلوس في الطرقات تحت أشعة الشمس".

اقرأ أيضاً: في غزة: مساجد بملايين الدولارات وفقراء بلا مأوى

ويؤكد خبير مواقع التواصل الاجتماعي، عبدالرحمن جندية، أنّ مجانية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وسهولة إنشاء حسابات، وعدم وجود قيود ورقابة صارمة عليها، كلّ ذلك أدّى إلى انتشار ظاهرة التسول الإلكتروني بشكل كبير في قطاع غزة.

ويوضح لـ "حفريات": "المتسولون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يستخدمون مقاطع فيديو وصوراً للتأثير في المتبرعين، فهذه الأساليب سريعة الانتشار نظراً لسهولتها، وبعدها عن الأنظار، فيستطيع الشخص وهو في منزله أن يكتب رسالة لمتبرعين خارج الوطن يصف فيها معاناته، أو وصفه شخصية وهمية يستعطف فيها قلوب الناس، أنّها في حاجة ماسة إلى المال، ومن ثم يرسل معلوماته البنكية للحصول على المساعدة بكل سهولة".

جمع التبرعات إلكترونياً أصبح ممارسة ملحوظة يزاولها بعض الأشخاص

تحذيرات من الوقوع في الفخ

ويوضح جندية؛ أنّ ظاهرة التسول الإلكتروني تحدّ من منح الصدقات والزكاة للفقراء، الذين يستحقونها استحقاقاً فعلياً؛ حيث إنّ المتسول يأخذ المبلغ وهو لا يستحقه، مشدداً على ضرورة "توعية الأفراد بالمجتمع بخطورة هذه الظاهرة، وتحذريهم من الوقوع في الفخّ".

وما يساعد المتسوّلين في عدم كشفهم ومحاسبتهم، وفق جندية، هو استخدام الحسابات الوهمية "أسماء مستعارة"؛ حيث إنّها لا تدل على هوية صاحب الحساب، "وهو ما يصعب على الضحايا تقديم شكاوى ضدّ المتسولين، لعدم وجود أدلة كافية تدينهم".

اقرأ أيضاً: إعلانات الزكاة في رمضان: ابتزاز عاطفي بدون رقابة مالية

"حفريات" تواصلت أيضاً مع عدد من المتبرعين من الخارج، أكدوا أنهم تعرضوا لعمليات نصب واحتيال من قبل أشخاص في قطاع غزة، تواصلوا معهم لإرسال أموال بهدف مساعدة الأسر الفقيرة، ويقول أحد المتبرعين، الذي فضّل عدم ذكر اسمه ومكان إقامته، في حديث لـ "حفريات": "نحن نتعاطف مع الشعب الفلسطيني، ونعلم مدى الظلم الذي يتعرضون له، ومساعدتهم واجبة علينا، حيث تواصل معي عدة أشخاص زعموا أنهم يتبعون لجمعيات خيرية عاملة في قطاع غزة، وأرسلوا لي صوراً وتقارير علاجية، لأسر في حاجة إلى مساعدات مادية".

الطريقة الجديدة التي يتبعها المتسوّلون في قطاع غزة هي إضافة أرقام عشوائية لأشخاص من دول أجنبية ودول الخليج

ويضيف "تجاوبت مع هؤلاء الأشخاص وأرسلت لهم مبالغ مالية، لمساعدة عدد من الأسر، وأبلغتهم أني متكفّل بهم شهرياً لتحسين أوضاعهم المعيشية، لكنّني اكتشفت بعد ذلك أنّ الصور التي أرسلوها لي منشورة في مواقع إخبارية منذ عدة أعوام، والتقارير الطبية مزوّرة، وأنّه لا توجد مؤسسات بهذه الأسماء، وأنها عملية نصب واحتيال للحصول على الأموال".

بعد ذلك، يردف: "لم أعد أتجاوب مع الحسابات الوهمية والأرقام العشوائية، خاصة من قطاع غزة، وإن أردت مساعدة الفقراء هناك أتواصل مع أشخاص أعرفهم معرفة جيدة، لإيصال تلك الأموال للأشخاص الذين يستحقونها، وليس للمتسوّلين الذين يستغلون مشاعر وعواطف الآخرين لتحقيق غاياتهم".

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية