الخريطة الكردية في لعبة جو بايدن لمواجهة إيران

الخريطة الكردية في لعبة جو بايدن لمواجهة إيران


كاتب ومترجم جزائري
31/03/2021

ترجمة: مدني قصري

لا يمكن فصل سياسة إدارة بايدن السورية عن نهجه في العلاقات مع إيران، ومع ذلك؛ ففي هذا المجال، على الرغم من الإرادة المعلنة للتفاوض مع الجمهورية الإسلامية، فإنّ إستراتيجية الضغط مستمرة، ممّا يعقّد في الوقت الحالي أيّ احتمال لإجراء محادثات مع طهران.

الأولوية المعطاة لهدف إضعاف إيران تدفع الولايات المتحدة إلى استخدام العقوبات كأدوات ضغط سياسيّ ضدّ النظام الإيراني، واللجوء إلى أدوات الحرب الهجينة

في 28 شباط (فبراير)؛ رفضت إيران اقتراحاً بإجراء مناقشة غير رسمية مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وفي سياق تصوّرٍ تحتفظ فيه واشنطن بعقوباتها ضدّ طهران، وتستمرّ في رفضها إعطاء موافقتها على الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمَّدة في كوريا الجنوبية.

دعم قويّ للقضية الكردية

لقد تبنّت إدارة بايدن، بالفعل، سياسة مزدوجة تجاه إيران، متمسّكة بقنوات التفاوض والضغط في آنٍ، لا سيما ضدّ حليف طهران الرئيس، نظام بشار الأسد السوري.

تجدر الإشارة إلى أنّ الإستراتيجية التي تمّ تنفيذها في ظلّ ولاية دونالد ترامب، والتي تتمثل في حرمان النظام السوري من الوصول إلى منطقة غنية بشكل خاص بالموارد الزراعية والطاقة، شمال شرق البلاد، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية ((FDS) قوات تحالف غير متجانسة يشرف عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني)، ما تزال مستمرّة، بإشراف إدارة جديدة تضمّ بين أعضائها مروّجين متحمّسين للقضية الكردية، على غرار منسّق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي، بريت ماك جورك، أو المديرة المكلّفة بسوريا والعراق في نفس مجلس الأمن القومي، زهرة بيل.

لقد جدّد الأول، في عدة مناسبات، التأكيد على الدور الأساسي الذي تلعبه قوات سوريا الديمقراطية في تحقيق الاستقرار في سوريا، ودافع عن خيار تعزيز الدعم للأكراد، ووصل إلى حدّ تقديم الاستقالة، في كانون الأول (ديسمبر) 2018، من منصبه كمبعوث أمريكي لدى التحالف الدولي ضدّ داعش، لتسجيل معارضته لقرار ترامب بسحب قواته من سوريا والتخلي عن حلفائه.

أمّا زهرة بيل، المسؤولة داخل إدارة بايدن عن ملفات سوريا والعراق، والمتعاونة المقربة من بريت ماك غورك، فقد عرفت من ناحيتها كيف توفّق بين مهمّتها السابقة كرئيسة لفريق التدخل للمساعدة في العملية الانتقالية في سوريا، ومهمّتها كمستشارة غير رسمية لِـ مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية في كوباني.

اقرأ أيضاً: أكراد إيران.. صرخات الجرح التاريخي المنسي

وأخيراً، فقد دعا وزير الخارجية الجديد، أنطوني بلينكين، عام 2019، من جانبه، إلى تعزيز ملف الردع في النهج الأمريكي، قائلاً إنّ واشنطن ارتكبت في سوريا "خطأ عدم القيام بالردع بما يكفي".

واليوم، من الناحية العملية، يبدو أنّ الإدارة الأمريكية تُجدّد الرهان الإستراتيجي بدعم الأكراد في منطقة ذات أهمية حيوية، تمثل هذه التعبئة للعامل الكردي واحداً من ثوابت السياسة الأمريكية في سوريا.

استغلال الأكراد في أولويات الأجندة الأمريكية

مع تطور الصراع، وجد الأكراد أنفسهم في حالة اعتماد إستراتيجي كبير للغاية على الممثل الأمريكي، على الرغم من أنّهم لم يتخلوا عن مطالبهم القومية.

عام 2011، في سياق الأزمة؛ نأى هؤلاء بأنفسهم عن المعارضة السورية الخاضعة للنفوذ التركي، التي ابتليت بالتناقضات الداخلية واتهِمت بعدم الاعتراف بـ "الهوية الكردية"، وفي تموز (يوليو) 2012؛ رأى الأكراد في الانسحاب الجزئي للجيش السوري من شمال البلاد فرصة لاحتلال الفراغ وتحقيق تطلعاتهم تدريجياً، لكنّ تطور ميزان القوى على الأرض سرعان ما سحق هذه الديناميكية المستقلة، بعد الهجوم الخاطف على تنظيم داعش في سوريا، وجد الأكراد أنفسهم تحت الحصار، في تشرين الأول (أكتوبر) 2014، في عين عرب (كوباني)، وأصبح بقاؤهم مرهوناً بمساعدة الأمريكيين بعد أن ظهَر أن الروس، حلفاء دمشق، أقلّ ميلاً لدعمهم.

وبالتالي، فإنّ ثقل الواقع الجيوسياسي وقيوده، يفرض على الأكراد تحالفاً مع الولايات المتحدة، مما يجعل التزامهم الأيديولوجي أمراً عفا عليه الزمن، ما دام حزب الاتحاد الديمقراطي هو الصورة الرمزية لحزب العمال الكردستاني التركي، الذي يدافع عن أيديولوجية مناهضة للإمبريالية، وما دام مُدرجاً على القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية.

بحكم النظر إليهم كقوة قتالية رئيسة وفعالة في محاربة تنظيم داعش، خاصة بعد فشل البرنامج الأمريكي في تدريب وتجهيز المتمرّدين السوريين المعتدلين، أصبح الأكراد رأس حربة واشنطن، ويمنعون التنظيم من إقامة صلة بين "عاصمتيه"؛ الموصل (في العراق)، والرقة (في سوريا).

مع تطور الصراع، وجد الأكراد أنفسهم في حالة اعتماد إستراتيجي كبير للغاية على الممثل الأمريكي، على الرغم من أنّهم لم يتخلوا عن مطالبهم القومية

يمكن تفسير هذا التعاون الوثيق بين الأمريكيين والأكراد، وفق بريت ماكغورك، من خلال موقف تركيا المتشدّد الذي يفرض المطالب الأمريكية حول التنسيق العملياتي في إطار القتال ضدّ تنظيم داعش.

أدّى الاختلاف في النهج في التعامل مع الأزمة السورية إلى "تبريد" العلاقات بين أنقرة وواشنطن؛ فبينما دعت تركيا إلى تدخلٍ عسكري أمريكي واسع النطاق إلى جانبها لتشجيع تغيير النظام في سوريا، فقد قوبلت برفض باراك أوباما، في أيار (مايو) 2013، وزادت العقبات مع زيادة دعم الولايات المتحدة للأكراد تحت ستار قتال جماعة داعش.

من وجهة نظر أنقرة؛ كانت المساعدة الأمريكية للقوات الكردية في سوريا، وكلّها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، الذي يُنظر إليه على أنّه تهديد لسلامة أراضي تركيا ووحدتها الوطنية، هي التي أكّدت إلى حدّ كبير الطموحات الكردية.

من جانبها، نظرت الولايات المتحدة بنظرة قاتمة إلى موقف الأتراك ليّنُ الجانب تجاه داعش (وهو موقف يفسّره كون الخطر الرئيس في نظر الأتراك هما الأكراد ونظام دمشق، أكثر من الجماعات الجهادية).

ومع ذلك؛ فعلى الرغم من التحالف التكتيكي مع القوات الكردية، تحاول واشنطن مسايرة وملاينة شريكها الإستراتيجي التركي؛ ففي عدة مناسبات، تمّ التخلي عن الأكراد لمصيرهم: حلقة معركة عفرين، عام 2018، خير  مثال حيّ على ذلك.

وهكذا يبقى دعم الأكراد مرهوناً بأولويات الأجندة الأمريكية التي تتطور بحسب السياق، بعد الإعلان، في كانون الأول (ديسمبر) 2018، عن الانسحاب الأمريكي من سوريا، الذي عدّه الأكراد خيانة حقيقية، أعاد ترامب ترتيب قراره، متفقاً مع وجهة نظر المحافظين الجدد.

اقرأ أيضاً: أكراد إيران بين كمين طهران وفخ واشنطن

إنّ الأولوية المعطاة لهدف إضعاف إيران تدفع الولايات المتحدة إلى استخدام العقوبات كأدوات ضغط سياسيّ ضدّ النظام الإيراني، واللجوء إلى أدوات الحرب الهجينة، من خلال عمليات خاصة، ومنها، على سبيل المثال، القضاء على الجنرال الإيراني، سليماني، و دعم الأقليات، خاصّة الأكراد في سوريا.

تغيير في الإدارة مع استمرارية في السياسة الأمريكية في سوريا

الإدارة الأمريكية الجديدة تعزّز بعض المبادئ التوجيهية للسياسة السورية للإدارة السابقة.

للتعامل مع إيران، التي ظلت تعزّز وجودها العسكري في سوريا، وقدراتها الباليستية، ودعمها لجماعات مرتبطة بها عضوياً، مثل حزب الله، أصبح من المهم، بالنسبة إلى واشنطن، الحدّ من طاقتها على إحداث الضرر على النطاق الإقليمي.

 وتخلق إستراتيجيةُ إنكار الموارد (Ressources Denial) المتمثلة في حرمان نظام دمشق من الوصول إلى الموارد في شمال شرق سوريا، رهاناً سياسياً محلياً كبيراً، مع خطر تجدّد الاحتجاجات، خاصة مع حالة الاقتصاد السوري المستنزف.

لكنّ هذه المقاربة مبنيّة بشكل أساسي على منطق المساومة في منظور المفاوضات المقبلة مع إيران، رغم أنّه، في الوقت الحالي، لا يبدو أنّ الشروط مستوفاة للتقدم نحو العودة إلى الاتفاقية النووية.

ليس الخياران، المناقشة مع إيران والضغط على سوريا، متناقضَين، لكنّهما يجب أن يسمحا للأمريكيين، في نهاية المطاف، بالتفاوض من موقع قوة، من خلال وضع شروط جديدة. والأمر أيضاً تعهُّدٌ مُنِح لإسرائيل التي تشعر بالقلق بشأن احتمالات العودة إلى الاتفاق النووي وسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط.

كما توضّح الضربات الأمريكية الأخيرة في سوريا، رداً على الهجمات ضدّ أفراد الولايات المتحدة والتحالف في العراق، رغبةَ إدارة بايدن هذه في عدم فصل الإطار الخاص بالسياسة السورية عن إطار المواجهة الأكثر عمومية، مع إيران؛ إذ يظلّ إضعاف الدور الإقليمي لهذه الأخيرة، أولوية.

رهان محفوف بالمخاطر على الأكراد

أمّا بالنسبة للأكراد؛ فإذا تمادوا في مطالباتهم الإقليمية من خلال الاستفادة من هذا السياق الجديد، فإنّ هذه الإستراتيجية لن تخلو من عواقب.

من ناحية، الالتزام الأمريكي بعيد كلّ البعد عن أن يكون ثابتاً، وإذا رأى فريق بايدن اليوم في العامل الكردي رصيداً إستراتيجياً رئيساً؛ فمن المرجح أن يتطور التصور وفق إعادة تحديد مصالح واشنطن.

اقرأ أيضاً: أكراد إيران.. قصة مئة عام من البحث عن استقلال

ومن ناحية أخرى؛ يتزايد التنازع حول إدارة الموارد في شمال شرق سوريا من قبل السكان العرب المحليين، وبدأ هذا التنازع يثير العداوات الكامنة؛ لقد ذكر السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت ستيفن فورد، في كانون الثاني (يناير) الماضي، في مقال للشؤون الخارجية، ما يلي:

"لقد فاقم حلفاء الولايات المتحدة من الأكراد السوريين التوترات الإقليمية القائمة منذ فترة طويلة بين العرب والأكراد، هناك، بين المجتمعات العربية على وجه الخصوص، إحباط واسع النطاق بسبب الهيمنة السياسية الكردية، التي أصبحت ممكنة بفضل الولايات المتحدة، وبسبب السيطرة الكردية على حقول النفط المحلية، كما يحتج السكان العرب على الفساد الإداري المزعوم لقوات سوريا الديمقراطية، وعمليات مكافحة الإرهاب الوحشية وممارسات التجنيد الإجباري.

من جانبها، نفذت القوات الكردية تفجيرات بسيارات مفخخة استهدفت بلدات عربية خاضعة لسيطرة الجيش التركي؛ ففي مثل هذه البيئة المليئة بالتوترات العرقية والصراعات القبلية، يمكن لداعش أن ينشط بموافقة ضمنية من قبل المجتمعات المحلية، وأن يجند رجالاً من داخل صفوفها".

دون الدعم الأمريكي لن يستطيع الأكراد تحمّل هذه السياسة، الملحّة أكثر فأكثر في مطالبها الإقليمية، لكنّهم من خلال الرهان الحصري على واشنطن للنجاح في تشكيل كيانٍ محصور في شمال شرق سوريا، سوف يخاطرون، هذه المرة،  بوقوع صراع عرقي.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

theconversation.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية