الدائنون يتضامنون مع السودان: هل يتعافى الاقتصاد الجريح؟

الدائنون يتضامنون مع السودان: هل يتعافى الاقتصاد الجريح؟


19/05/2021

بحزمة مشروعات تبلغ قيمتها 15 مليار دولار، وطموح بإسقاط فوائد دين تبلغ 40 مليار دولار، ذهب وفد السودان إلى باريس للمشاركة في المؤتمر الدولي لدعم الانتقال الديمقراطي في البلد الذي رزخ لمدة 30 عاماً تحت حكم نظام البشير القمعي، الذي قطع بين البلاد والاقتصاد والنظام المالي العالميَّين، وترك لشعبه تركة ثقيلة من الأزمات في جميع المجالات، و56 مليار دولار من الديون الخارجية.

وسبق أن بدأ السودان برنامجاً إصلاحياً وفق شروط صندوق النقد الدولي، وأقرّ عدّة إصلاحات تشريعية ومالية، مثل تهيئة للنظام الاقتصادي لإعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي، في وقت لم تعد هناك بدائل واقعية للتنمية سوى الاندماج مع العالم.

مؤتمر باريس

خلال زيارة رئيس الحكومة الانتقالية في السودان، عبد الله حمدوك، إلى باريس، في نهاية أيلول (سبتمبر) عام 2019، طرح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مقترح عقد مؤتمر دولي في باريس، مع الدائنين الدوليين للسودان من أجل مساعدة الخرطوم على معالجة مشاكل الديون، وذلك فور قيام الولايات المتحدة برفع اسم البلد من قائمتها للدول الراعية للإرهاب.

ماكرون مستقبلاً حمدوك

وعقب توصل الخرطوم وواشنطن إلى اتفاق لرفع اسم السودان من القائمة، في كانون الأول (ديسمبر) 2020، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية موعد تنظيم مؤتمر باريس لعام 2021، والذي انطلقت فعالياته بتاريخ 17 و18 أيار (مايو) الجاري.

وبحسب مكتب رئيس الوزراء السوداني، يناقش المؤتمر عدّة موضوعات، هي؛ عودة السودان للمجتمع الدولي والنظام العالمي، وعودة الاستثمارات الخاصة الدولية، وعملية الإعفاء من الديون.

أشار تقرير لصندوق النقد إلى أنّ الهدف من تخفيف أعباء الديون هو الوصول بمستوى ديون السودان الحالية والجدول الزمني لسدادها إلى مستوى يمكن الاستمرار في تحمله

وافتتح وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، الجلسة الافتتاحية، والتي تليها جلسات تتضمن التعريف بالسودان وتقديمه من جديد إلى مجتمع التنمية الدولي، وعرض المشروعات الاستثمارية، إضافة إلى فعاليات للاحتفال بثورة ديسمبر 2019، وجلسات للأعمال، وعرض الإصلاحات المالية والمصرفية، وطرح المشروعات التي أعدتها الحكومة أمام المستثمرين في خمسة قطاعات، هي؛ البنية التحتية، والقطاع الزراعي (بشقّيه الزراعي والحيواني)، ثم قطاع الطاقة والمعادن، وقطاع الاتصالات، وأخيراً قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

ويشارك في المؤتمر 18 دولة، وعدد من المنظمات الدولية منها: الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، والصندوق العربي للتنمية، والبنك الأفريقي للتنمية، وعدد كبير من الشركات الدولية.

اقرأ أيضاً: وزير سوداني: لهذه الأسباب علاقة السودان مع الإمارات استراتيجية

وقبيل عقد المؤتمر وصل إلى باريس الوفد السوداني، الذي ضمّ رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، وعدداً من الوزراء والمسؤولين، وشهد المؤتمر عقد لقاءات ثنائية بين الوفد السوداني والحكومة الفرنسية، واستقبل البرهان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي سيشارك في مؤتمر دعم الانتقال الديمقراطي في السودان، ومؤتمر تمويل اقتصاديات أفريقيا الذي يتناول العلاقات الأفريقية - الفرنسية، ويعقد بالتوازي مع مؤتمر السودان، الثلاثاء.

الديون السودانية

يقول نائب رئيس تحرير صحيفة الجماهير السودانية، عباس محمد، حول المؤتمر: "السودان يأمل الخروج بقرار إعفاء ديونه الخارجية أو تخفيفها على أسوأ الفروض، لفكّ قيود أقعدت اقتصاده، وساهمت بشكل مباشر في تدمير بنيته التحتية".

رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، في باريس

وحول تفاصيل هذه الديون، أوضح، في حديثه لـ "حفريات"، أنّها تبلغ نحو ٥٦ مليار دولار، كدين خارجي، موزعة على مجموعة دائنين، بواقع 5.5 لصالح "الدائنين المتعددين"، وهم؛ المؤسسة الدولية للتنمية، والبنك الأفريقي للتنمية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وصندوق أوبك للتنمية الدولية، وبنك الاستثمار الأوروبي، ومؤسسة "آي إم أف" المختصة بحماية الاستثمارات، والبنك الإسلامي للتنمية.

اقرأ أيضاً: هل يفك مؤتمر باريس أزمات السودان؟

وأضاف: "من بين المبالغ المستحقة الدفع 31.8 مليار دولار، منها: 16.8 مليار دولار لصالح دول أعضاء نادي باريس"، وتابع بأنّ هناك مبلغ 15.7 مليار دولار، وهو قرض مباشر من دول خارج عضوية نادي باريس، إضافة إلى ديون مستحقة لصالح بنوك تجارية دولية تبلغ قيمتها 5.9 مليارات دولار.

وحول توقعات السودان بخصوص الإعفاء والجدولة، قال الصحفي عباس محمد: "من المتوقع حصول السودان على إعفاء للفوائد، وهي نحو ٤٠ مليار دولار، مع جدولة أصل الدين البالغ ١٧ مليار دولار، فيما يرى مراقبون أنّ أسوأ الفروض أن يحصل على إعفاء  30% من الدين الخارجي".

آمال وتحديات

وكان السودان قد أقرّ عدّة تعديلات تشريعية اقتصادية، في 12 من الشهر الجاري، هي: قوانين اعتماد النظام المالي المزدوج لسنة 2021، باعتماد النظام المالي العالمي إلى جانب النظام المالي الإسلامي، وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص لسنة 2021، الذي يهدف إلى مساعدة القطاعات الحكومية المختلفة في تحقيق أهدافها الإستراتيجية وتحفيز القطاع الخاص المحلي والأجنبي للدخول في شراكات مع القطاع الحكومي، وقانون تشجيع الاستثمار لسنة 2021، الذي يهدف إلى جذب تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة.

لقاء البرهان والسيسي في باريس

وأقرّ السودان برنامجاً إصلاحياً بمراقبة صندوق النقد لمدة 12 شهراً، وأعلن الصندوق قبول المراقبة، في 30 أيلول (سبتمبر) 2020، ويشمل البرنامج تعديلات هيكلية في الموازنة العامة، والدعم، وتحرير سعر الصرف، الذي تمّ إقراره في شباط (فبراير) الماضي، بعد الأزمة الحادة التي شهدتها سوق الصرف، والتي تسببت في انخفاض قيمة الجنيه ليصل إلى مستوى فوق 400 جنيه مقابل الدولار، بينما كان سعره رسمياً 55 جنيه مقابل الدولار، وثبّت البنك المركزي سعر الصرف بواقع 375 جنيه مقابل الدولار، وهي الخطوة التي أدّت إلى اتزان السوق وتدفق العملات الأجنبية على النظام المصرفي الرسمي.

وجاء البرنامج كخطوة أولى نحو تهيئة السودان للحصول على إعفاء من الدائنين وفق المبادرة المعززة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون "هيبيك"، والتي أعلن صندوق النقد والبنك الدولي عن أهلية السودان للاستفادة منها، في شباط (مارس) الماضي.

نائب رئيس تحرير صحيفة الجماهير السودانية، عباس محمد، لـ "حفريات": السودان يأمل الخروج بقرار إعفاء ديونه الخارجية، أو تخفيفها على أسوأ الفروض، لفكّ قيود اقتصاده

وبحسب صندوق النقد؛ يهدف التحليل المبدئي لأهلية تخفيف أعباء الديون الذي يستند إلى بيانات تقديرية، في نهاية 2019، إلى خفض ديون السودان الخارجية العامة والمضمونة من الحكومة إلى المستوى الحدّي الذي تستهدفه مبادرة "هيبيك"، وقدره "150% من الصادرات". وبموجب مثل هذا السيناريو، مع افتراض التطبيق الكامل لتخفيف أعباء الديون ومشاركة جميع الدائنين، يمكن تحقيق انخفاض تقديري في ديون السودان من 49,7 مليار دولار إلى 8 مليارات دولار عند بلوغ نقطة الإنجاز.

اقرأ أيضاً: خطر أيديولوجيا الأحزاب على المرحلة الانتقالية في السودان

ويرى عضو المجلس المركزي لـحزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح الدين؛ أنّ مؤتمر باريس يأتي في توقيت مهم للسودان، الذي يريد "قطع خطوات أشبه بعمليات جراحية مؤلمة في جسد الاقتصاد في سبيل تعافيه من الإشكالات الهيكلية التي يعانيها"، ويقدم السودان في سبيل ذلك حزمة من المشاريع التنموية في قطاعات الزراعة والطاقة والبنية التحتية، التي بالتأكيد ستضخ الأموال في عجلة الاقتصاد، وستتيح الآلاف من فرص العمل، إضافة إلى عائداتها المتوقعة.

نائب رئيس تحرير صحيفة الجماهير السودانية، عباس محمد

وأضاف صلاح الدين لـ "حفريات": المؤتمر فرصة مهمة "لخلق شراكات اقتصادية ذكية، لا سيما بين القطاع الخاص السوداني ونظرائه على مستوى العالم، والأكثر أهمية هو مناقشة ديون السودان  السيادية وللمؤسسات المالية الدولية، حيث نتوقع دعماً كبيراً لإعفاء جزء كبير منها، وجدولة الباقي، ممّا يسهّل تعاملات السودان المستقبلية مع كثير من هذه المؤسسات".

اقرأ أيضاً: حمدوك: سد النهضة قضية جادة ومصيرية لمصر والسودان... تفاصيل

وحول الموقف الشعبي من المؤتمر، قال: "السودانيون يأملون كثيراً من هذا المؤتمر، لا سيما أنّ حزمة الإصلاحات الاقتصادية أثرت، في الشهور الماضية، على تضخم الاقتصاد، وما يتبع ذلك من آثار الصدمة الأولى، لكن يتركز في وعيهم أنّه لا بدّ من تحمل هذه التبعات الآنية في سبيل التعافي والنهوض بالاقتصاد الوطني".

ورغم الآمال الكبيرة للحكومة وقطاع واسع من الشعب، إلا أنّ هناك قطاعاً لديه مخاوف نابعة من عدم الثقة في المؤسسات الدولية، ويخشون من تحميل السودان أعباءً إضافية نتيجة القروض التي من المتوقع حصول السودان عليها، لكن، بحسب المختصين، لا بديل أمام السودان، إلى جانب أنّ هناك مفاهيم مغلوطة بين الشعوب حول طريقة عمل النظام المالي العالمي، وحجم الديون الآمنة بالنسبة للناتج القومي.

اقرأ أيضاً: السعودية تنجح في تذليل صعوبات المصالحة بشرق السودان... ماذا فعلت؟

وحصل السودان على قروض تجسيرية، من الولايات المتحدة وبريطانيا وعدة دول أوروبية، لتسوية المتأخرات المستحقة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، إلى جانب إعلان فرنسا، في المؤتمر، عن قرض تجسيري بقيمة 1.5 مليار دولار، لإكمال متطلبات إيفاء السودان بشروط مبادرة "هيبيك".

والقرض التجسيري؛ هو قرض يمنح تمويلاً مؤقتاً عندما يحتاج المقترض إلى زمن إضافي للحصول على التمويل الدائم، وتعمل هذه القروض على "تجسير الفجوة" الزمنية المقترنة بالحاجة إلى التمويل، بحسب تقرير لموقع "العين" الإخباري.

وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني، جبريل إبراهيم

وأشار تقرير لصندوق النقد إلى أنّ الهدف من تخفيف أعباء الديون هو الوصول بمستوى ديون السودان الحالية والجدول الزمني لسدادها إلى مستوى يمكن الاستمرار في تحمله، والوصول بمدفوعات خدمة الدين إلى مستوى يتسق مع قدرة السودان المحدودة على السداد، دون إتاحة موارد جديدة له، بل تأهيله للاندماج في النظام العالمي، والاستفادة من الاستثمارات والتفاوض على قروض من مؤسسات دولية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية