السرديات الانعزالية لجماعة الإخوان: ثمانية عقود من تدمير الهوية الوطنية

السرديات الانعزالية لجماعة الإخوان: ثمانية عقود من تدمير الهوية الوطنية

السرديات الانعزالية لجماعة الإخوان: ثمانية عقود من تدمير الهوية الوطنية


24/02/2024

مثّلت جماعة الإخوان، المصنفة على قوائم الإرهاب، في عدد من البلدان العربية، لحظة ملتبسة في ظل تقاطعاتها مع أحداث سياسية، محلية وإقليمية، خلال النصف الثاني من عشرينات القرن الماضي، عقب سقوط الخلافة العثمانية، وفي الفترة بين الحربين العالميتين، وكذا التنافس المحتدم بين القوى العالمية التقليدية، وقتذاك، التي كانت تتقاسم النفوذ داخل الشرق الأوسط.

جماعة الإخوان ومناوراتها

صعود "الإخوان" التنظيمي والأيديولوجي، ومن ثم، تضخم دورها المجتمعي ووجودها السياسي، رافق تلك الأحداث وتداعياتها، منذ انخرطت في أنشطة متباينة وعرجت داخل تفاصيل الواقع المتخم بتفاصيل ووقائع متفاوتة، من بينها معضلة الهوية الوطنية مقابل الأممية الإسلامية، وكذا مبدأ "أستاذية العالم" الذي دشنه مؤسس التنظيم حسن البنا، ثم الموقف من الاستعمار والخلافة العثمانية، والمقاربة السياسية والنظرية للقضية الفلسطينية.

لم تكن الأزمات التي تعرضت لها الجماعة مع مختلف أنظمة الحكم المتعاقبة في مصر، سوى نسخة مكررة ومراوغة لأحداث تبدو مماثلة، مهما تغيرت الشروط، السياسية والتاريخية، وهو ما ينطبق على صداماتهم المتكررة مع السلطة، وبالتبعية تورطهم في العنف، بداية من العهد الملكي، مروراً بالفترة الناصرية، والأخيرة شهدت ملاحقات أمنية عديدة للقيادات، وإعدام أبرزهم، مثل سيد قطب وعبد القادر عودة ويوسف هواش، فضلاً عن هروبهم إلى عواصم عربية وأجنبية توافرت لهم فيها ملاذات آمنة، لاستئناف أنشطتهم المعادية، وحتى فترة ما بعد "الربيع العربي"، والتي كشفت، عن كثب من خلال المواقف السياسية العملية، سردياتهم الانعزالية في ما يتصل بالهوية السياسية والوطنية.

المتتبع لتاريخ ونشأة جماعة الإخوان المسلمين يجد أنّها لم تتداخل مع الدولة المصرية في أيّ قضايا وطنية للدفاع عنها

ربما، تبرز المقاربات السياسية العديدة الدور الوظيفي لجماعة الإخوان، وتبعيتها إلى قوى خارجية، خلال تاريخها الممتد لنحو ثمانية عقود، لكن ثمة وثائق بريطانية تكشف عن استخدام بريطانيا الجماعة الإسلاموية في حرب نفسية ودعائية ضد مصر، تحديداً في ستينات القرن الماضي، وذلك في ذروة الخلاف المتنامي بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر ولندن، وكذا قوى المعسكر الغربي الذي كان يحاول فرض هيمنته في مناطق نفوذه التقليدية بالشرق الأوسط أمام صعود الكتلة الشرقية، وكانت الأزمة اليمنية من بين بؤر الصراع التي جرى فيها توظيف "الإخوان"، لا سيما وأن مصالح بريطانيا النفطية قد تضررت إثر أزمة السويس وانخراط عبد الناصر في أزمة اليمن.

الدور الوظيفي للإخوان وأنشطتها المعادية ضد بلدانها

وبحسب الوثائق البريطانية، والتي تم الكشف عنها، في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، فقد اعتمدت بريطانيا على الإخوان لتدشين "حرب نفسية دعائية سرية" ضد أعدائها، ومن بينهم جمال عبد الناصر؛ حيث تم ترويج منشورات نسبت لـ"جمعية الإخوان المسلمين الدولية"، بهدف الدعاية السلبية للجيش المصري، ومهاجمة الانخراط العسكري له في اليمن، عبر ترويج أكاذيب، ونشر عدة اتهامات بحق الجنود المصريين، وجاء في أحد المنشورات: "إذا كان لابد للمصريين أن يخوضوا غمار الحروب، فلماذا لا يوجهون جيوشهم ضد اليهود؟".

واللافت أنّ المنشورات، تمت صياغتها بلغة عربية دقيقة، حسبما يشير موقع "بي بي سي"، النسخة العربية، ثم جرى ترجمتها إلى اللغة الانجليزية، حتى يتسنى لصناع القرار والمسؤولين البريطانيين الإطلاع عليها، ثم الموافقة على النص قبل توزيعه، وقد ورد في منشور آخر ضمن الوثائق التي رفعت عنها السرية، أنّ "القنابل التي ألقيت على اليمن خلال الحرب التي تستعر نيرانها في هذا البلد المسكين لأربع سنوات، كانت تكفي لتدمير إسرائيل تدميراً تاماً".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمين وتركيا.. رهانات خاسرة في الاتجاهين

وزعم المنشور أن الجيش المصري "استخدم أسلحة السوفييت الشيوعيين في قتل اليمنيين المسلمين"، وبالتبعية، قصد وصف المصريين بأنّهم "كفرة وأبشع من النازيين". وأضاف: "أيها الإخوان المؤمنون إنّ هذه الجرائم الفظيعة المخيفة التي تقشعر لها الأبدان واستعمال هذا السلاح البغيض المحرم استعماله دولياً في الحروب.. هذا السلاح الذي لم يستعمله حتى هتلر المجنون ضد أعدائه في الحرب العالمية الثانية.. هذه الجرائم لم يرتكبها الملحدون أو الاستعماريون أو اليهود الصهيونيون، بل ارتكبها المصريون الذين من المفروض أنّهم مؤمنون".

صراعات وأزمات على الطريق

وتابع: "إنّ الحرب لها ما يبررها إذا كان العدو غير مؤمن أو من عبدة الأوثان... لكن أبناء اليمن إخواننا في الدين الحنيف. وحيث إنّه لا يوجد أيّ مبرر لقتل إخواننا، فإنّ الجريمة بكل تأكيد تصبح أبشع وأفظع إذا هم قُتلوا بأقذر وأحقر سلاح دون ريب، ألا وهو الغاز السام".

اقرأ أيضاً: "الإخوان" وأردوغان!

كما حرض المنشور المسلمين بأنّ "يدينوا المصريين الكفرة ويرفضوا التعاون معهم في جميع الأمور لكي تظهروا تضامنكم مع شعب اليمن المستعبد في مصيبته الكبرى".

إذاً، على مدار تاريخ جماعة الإخوان لم تظهر في أدبياتهم السياسية ما يمكن تصنيفه كـ"مواقف إيجابية" باتجاه رؤيتهم للوطن أو المفاهيم الخاصة بالدولة القومية، حسبما يوضح الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية، الدكتور مصطفى صلاح، موضحاً لـ"حفريات" أنّ "الأمر يمكن إرجاعه إلى فكرة عالمية الدعوة، ومبادئ الأممية الإسلامية، والرسالة الدينية المتشددة والراديكالية التي يدعون إليها، وهذا ما انعكس، بصورة سلبية، على ضعف قدراتهم بخصوص الانخراط في الجماعة الوطنية داخل الدول التي يتواجدون بها، وسياستهم التي تأتي على النقيض من هذه المكونات".

الباحث المصري الدكتور مصطفى صلاح

كما أنّ الارتباط العقائدي بمفهوم الأممية الإسلامية و"أستاذية العالم"، والذي رافق البدايات التأسيسية لنشأة التنظيم، جعلت الأخير "أكثر انغلاقاً وجموداً في حين أصبحت مصالح التنظيم مقدمة على مصالح الدول الوطنية، حتى لو اضطرها ذلك إلى التحالف مع قوى معادية وخارجية؛ وهذا ما يبرز غياب المصلحة القومية في مقابل براغماتية التنظيم، أيّ أنّ مصالح التنظيم في مصر وتونس هي نفس مصالحه في سوريا وليبيا، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى أمنية وسياسية وإستراتيجية للدولة الوطنية".

بين الأممية الإسلامية والهوية الوطنية

ولعل هذه المبادئ هي التي تحكمت في تطور التنظيم في الكثير من دول المنطقة العربية، وبخاصة مصر باعتبارها مكان النشأة والتطور، حيث إنّ المتتبع لتاريخ ونشأة هذه الجماعة يجد "أنّها لم تتداخل مع الدولة المصرية في أيّ قضايا وطنية للدفاع عنها، بقدر ما عمدت إلى الحفاظ على مصالح التنظيم، ولو نظرنا إلى الخلافات بين المكونات الوطنية والأحزاب السياسية المصرية نجد أنّ الطرح الإخواني لا يلتفت إلى مصلحة الدولة إنما يتحرك دوماً بتوجهاته إزاء الحفاظ على مصالح التنظيم، فالأحداث التي شهدتها مصر حول تطبيق الديموقراطية، عام 1954، خير دليل على ذلك، وكذا خروج المرشد العام للجماعة مهدي عاكف، قبل عام 2011، وقال: "طظ في مصر"، عندما تم سؤاله عن مصلحة الدولة المصرية ومقارنتها مع عالمية الدعوة للتنظيم"، يقول صلاح.

الباحث المصري د. مصطفى صلاح لـ"حفريات": الطرح الإخواني لا يلتفت إلى مصلحة الدولة إنما يتحرك دوماً بتوجهاته إزاء الحفاظ على مصالح التنظيم

لا يختلف الحال كثيراً عما يجري، مؤخراً، من حرب مماثلة يخوضها أفراد وعناصر الجماعة ضد الجيش المصري، وقوات الأمن، بالإضافة إلى الدعاية المتشددة التي تحمل تحريضاً صريحاً ومباشراً على العنف بحق مؤسسات الدولة من المنصات القريبة منهم. ففي تموز (يوليو) عام 2013، وفي أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي للإخوان عن الحكم، إبان ثورة شعبية في 30 حزيران (يونيو) العام ذاته، قال القيادي في الإخوان محمد البلتاجي نصاً: "إنّ ما يحدث في سيناء سيتوقف في اللحظة والتو التي سيتراجع فيها الجيش عن الانقلاب وعودة محمد مرسي إلى مهامه".

وعليه، فإنّ النموذج الأكثر حدة ووضوحاً، بحسب الباحث المصري، بخصوص ولاءات التنظيم الحقيقة، يتمثل في المرحلة الممتدة، منذ عام 2013، وحتى اللحظة الراهنة؛ حيث إنّ "ما قدمته جماعة الإخوان من داخل قطر وتركيا بخصوص الخطاب السياسي الموجه ضد الدولة المصرية والدفاع عن المصالح التركية في مقابل المصالح القومية المصرية، يعد امتداداً لكل ما سلف ذكره من أحداث ووقائع، ويفضح نبذهم الهوية الوطنية أمام الانتماء للتنظيم؛ فالجماعة تجعل من التنظيم المرجعية الأساسية لعملها ضد الدول التي يتواجدون بها، وفي كل الأحوال، فإنّ الخطوط العامة لحركة التنظيم لا يمكن أن تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الدول لأنّ هذه التوجهات مناهضة للمرتكزات والمنطلقات الفكرية للجماعة".

الصفحة الرئيسية