"الإخوان" وأردوغان!

"الإخوان" وأردوغان!


30/03/2021

محمد الرميحي

ربما يبدو للبعض أن العنوان ليس من طبع خطابي وربما يكون لديهم حق في ذلك، إلا أني اعتقد أن الموضوع يستحق لفت النظر إليه وبشيء من الخروج عن المألوف. الفضاء الذي نتحدث عنه هنا يتضمن عدداً من الفضاءات، أولها وجود "الإخوان" المصريين وبعض مناصريهم من العرب في تركيا كملاذ اعتقدوه أنه آمن ودائم، والثاني الأوسع وهو مقاربة الحكم التركي للمتغيرات في الجوار العربي ومحاولة الاستفادة منها ما أمكن. أما الفضاء الثالث والأهم، فهو حركة "الإخوان المسلمين" ومستقبلها.

في الفضاء الأول يشهد تاريخ مصر على أن الجسم الوطني المصري لا يقبل أن تكون هناك معارضة من الخارج. كل تلك المعارضات فشلت، فقط عندما تنشط حركة معارضة في الداخل قد تحصد التأثير. ليس المقام هنا ضرب الأمثلة وهي كثيرة. أما الفضاء الثاني، فهو القراءة الخاطئة لما يمكن أن يحمله النظام التركي من تبعات جسام للتدخل في الجوار، وهو قد فتح على نفسه عدداً من الجبهات انهكت اقتصاده وخارت قواه، وفشل في تحقيق أي نجاح دائم، فعاد من جديد الى الحكمة التي نادى بها رفاق رجب طيب أردوغان الذين هجروه أي تصفير المشاكل، وهي حكمة مستمدة من تجربة تركيا الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى، وعلينا أن ننتظر في تطورات السياسة الجديدة.

في الملفين السابقين هناك الكثير مما يُحكى، إلا أن المساحة لا تتسع الى تفصيل، فالملف أو الفضاء الثالث هو الجدير في أن يُناقش بشيء من الاستفاضة. يعرف عدد كبير من "الإخوان المسلمين" السابقين، وهم ربما الأكثر استنارة والأبعد رؤية أن كل محاولات المراجعة والتجديد في الحركة رفضتها القيادات "الإخوانية" على مر تاريخ التجربة، واعتبرتها أنها شيء من التجديف والانحراف العقدي، وكل محاولات التفرقة بين البشري والمقدس رفضت رفضاً باتاً، ومفاهيم مثل الدولة المدنية وسيادة الأمة والدولة الوطنية وإطلاق الحريات، كلها اعتبرت هرطقات. وبسبب ذلك التصلب أصبحت الحركة في أشكالها (السنيّة) وحتى ( الشيعية) جامدة وفي مربع صغير ضيق لا مكان للمناورة فيه.

رفض الفكرة العقلية هي انك لا تستطيع أن تقول إنك (إخوان مسلمون) وتهمش في بلدك الطوائف الأخرى، كمثل الشيعة او الدروز او الاقباط، او أي اجتهاد ديني ومذهبي آخر، ذلك مفارقة لمفهوم الدولة بمعناها الحديث، وأيضاً لم يفهم التنظيم أن "الدولة الدينية" ليس لها مكان في عالم اليوم. الدولة الدينية شيء من الماضي انقضى. وقد فشلت تلك الحركة وما زالت في قراءة الواقع حولها، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفي الأوطان التي سيطرت عليها لفترة وجيزة أو طويلة، تآكلت أدوات الدولة حتى اضمحلت، لأن معظم السياسات بُنيت على تجربة تاريخية لم تعد معطياتها موجودة أصلاً.

فشل "الإخوان" في السودان أصبح على رؤوس الأشهاد، وفشلهم السريع في مصر، وتركيبهم لثنائية المرشد والرئيس كانت خارج العصر، ومثل "حزب الله" في لبنان وادعائه أنه يقاوم من أجل الوطن، ويتكئ في الوقت نفسه على جماعة مذهبية واحدة وعصبية فئوية، لا يقنع الشركاء في الوطن أن الهدف هو دفاع عن وطن بأكثر من دفاع عن مصالح فئوية تتلبس بشعارات لم تعد تقنع المتفحص الحصيف. كذلك الشقاق في تونس اليوم والى حد أقل في المغرب.

لقد حصلت حركة الإسلام السياسي على حقنة في الذراع في الثمانينات من القرن الماضي في ما عُرف بالصحوة، إلا أنها مرة أخرى كانت قراءتها خاطئة، فقد كانت الصحوة طريقاً سياسياً لدول من أجل الوقوف وقتها أمام ما عرف بتقدم الاتحاد السوفياتي الى المياه الدافئة، صحوة لغرض التحشيد والتجنيد، ودفع المتقدم بسلاحه الى الشواطئ الى خلف الحدود، ولمّا انفضّ السامر سحبت كل المُعينات الثقافية والمالية.

ما هو السبب في كل تلك المراحل من دورات الفشل؟ ربما يكمن في أكثر من عنصر، الا أن أحد العناصر الرئيسية هي التركيبة الهرمية التي ابتدعت على سوية "الأحزاب الفاشية" وهي الولاء المطلق والطاعة العمياء للقيادة، من دون هامش للنقاش أو المراجعة أو طريقة منهجية للاختلاف، وذلك هو مأزق التيارات الإسلامية بأشكالها المختلفة، أي تأليه البشري وتقديس النص الفقهي وعبادة التراتبية. لذلك فإن الأكثر نباهة من التابعين، بعد حين، ينفكون طوعاً او غصباً عن التنظيم، ويبقى الذين يتبعون فقط.

من الصعب أيضاً القول إن البعض من النابهين لم يساهموا في محاولات الإصلاح، وقد كتب كثير منهم مؤلفات في ذلك، إلا أن كل محاولاتهم وقعت على آذان صماء، وكانت الاستجابة من التنظيم الأم هو شيطنة هؤلاء ومن ثم اعتبار كل ما كتبوه هرطقة لا معنى لها! العالم اليوم لم يعد قابلاً للدولة الدينية، وهذا لا يعني انتفاء المكون الديني في المجتمع، لكن يعني أن الدين ثقافة حملت اجتهاد الفقهاء السابقين في السياسة وتسيير المجتمع وربما كان ملائماً لعصر مختلف، ومن قصر النظر اعتماد تلك الملاءمة اليوم بعد كل التغير البشري والعلمي الحاصل... وبمجرد ما أن تقوم مجموعة بشرية بإلقاء الزمن تخرج تلقائياً من الزمن!

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية