"العدالة والتنمية" المغربي والعودة إلى الخطاب الشعبوي.. تناقضات وانتهازية الحزب الإخواني

"العدالة والتنمية" المغربي والعودة إلى الخطاب الشعبوي.. تناقضات وانتهازية الحزب الإخواني


13/12/2021

مع وصول عدد من الأذرع الإخوانية إلى السلطة في عدد من البلدان العربية، في أعقاب موجة "الربيع العربي"، ظهر التناقض الحاد بين الممارسة السياسيّة، وتطبيق أيديولوجيا الإسلام السياسي على أرض الواقع، ما كشف عن ازدواجية حادة في المعايير، أدّت إلى تفكك الخطاب السياسي، وربما عبّر عن ذلك بشدة مواقف حزب العدالة والتنمية (المصباح)، الذراع السياسي للإخوان في المغرب.

 

اقرأ أيضاً: كيف ألقى تأجيل المؤتمر التاسع بظلاله على حزب العدالة والتنمية المغربي؟

الحزب الذي صدّق أمينه العام السابق، سعد الدين العثماني، على اتفاقية التطبيع بين المغرب وإسرائيل، منذ نحو عام، وقدمت قياداته جملة من الدفوع لتبرير الاتفاقية، ها هو الآن يعاود المتاجرة بقضية فلسطين، بعد أن خرج من السلطة، في أعقاب الهزيمة الانتخابيّة القاسية، التي لحقت به في أيلول (سبتمبر) الماضي، حيث أعلنت شبيبة العدالة والتنمية أنّها ضد التطبيع، وضد أيّ اتفاق سياسي يصب في هذا الاتجاه.

التناقض الحركي وفشل الأيديولوجيا

الدكتور محمد الفرجاني، الباحث المصري في التاريخ المعاصر، خصّ "حفريات" بتصريحات، أكّد فيها أنّ "التناقض سمة رئيسيّة من سمات الأحزاب الإخوانيّة، حيث يختلف خطابها للقواعد عن خطابها الرسمي، ففي الأول يتميز الخطاب بالتجييش والارتكاز على الجوانب الدعائية، لنصرة جماعة المسلمين، وفي الثاني نجد كل أشكال الانتهازية والتدليس الفج".

الفرجاني لفت إلى أنّ حزب العدالة والتنمية المغربي، قدّم نموذجاً صريحاً لهذا التضارب وهو في الحكم، وبعد أن خرج من السلطة، مضى يكشف عن تناقضاته بصورة علنية، ويتجلى ذلك في محاولات سعد الدين العثماني، لتبرير تصديقه على اتفاق التطبيع مع إسرائيل، بعد سنوات من تخوين الآخرين واللعب على مشاعر الجماهير، حيث زعم أنّ توقيعه على اتفاق التطبيع، أملته عليه المسؤولية التي يشغلها، كرئيس للوزراء، مؤكداً أنّه لم يرفض الاتفاق، ولم يهدد بالاستقالة كما أشيع، ولعل تصريحات القيادي في حزب العدالة والتنمية، عزيز رباح، إبان توقيع الاتفاق، تعكس المدى الذي وصل إليه تناقض الحزب الإخواني، حيث أبدى وزير الطاقة والمعادن السابق، ترحيبه بزيارة إسرائيل، مبرراً ذلك بقوله: "أنا أمثل الدولة المغربية، وسيكون واجباً عليّ أن أتحمل المسؤولية، وسيكون من واجبي القيام بالزيارة، في إطار مصلحة البلد".

 

مع وصول عدد من الأذرع الإخوانية للسلطة في عدد من البلدان العربية، ظهر التناقض الحاد بين الممارسة السياسيّة، وتطبيق الأيديولوجيا على أرض الواقع، ما كشف عن ازدواجية حادة في المعايير

 

وعليه كشف موقف العدالة والتنمية من قضية فلسطين عن التناقضات الحادة داخل الحزب، وفشل الأيديولوجيا في تقديم أيّ مخرج عملي لإشكالية سياسيّة ملحّة، ما يعني أنّ المنهج الإخواني، بحسب الفرجاني، في خصام دائم مع الواقع والتاريخ.

عودة إلى نهج المزايدات

في موقف أثار دهشة المراقبين، أعلنت شبيبة حزب العدالة والتنمية، التي يترأسها وزير التشغيل في الحكومة السابقة، محمد أمكراز، في بيان رسمي، عن اعتزامها المشاركة في وقفة احتجاجيّة أمام مبنى البرلمان، في العاصمة الرباط، لمناهضة التطبيع، بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وزعم البيان أنّ هذا الموقف يأتي "تأكيداً على المواقف الثابتة والراسخة، التي عبرت عنها عبر التاريخ، دعماً للقضية الفلسطينية؛ باعتبارها قضية وطنيّة، ودعماً لصمود المقاومة الفلسطينية الباسلة". كما دعت شبيبة المصباح في نداء رسمي، حمل توقيع كاتبها الوطني، محمد أمكراز، كل أعضاء الحزب، والمتعاطفين معه، وكافة أطياف الشباب المغربي إلى المشاركة في هذه الوقفة.

 

جدير بالذكر أنّ محمد أمكراز نفسه، صرّح قبل نحو عام، في أعقاب توقيع اتفاق التطبيع الثلاثي، بأنّ "مصلحة الوطن أولى من أيّ اعتبار"!

هيمنة الجناح المحافظ

الدكتور عبد السلام القصاص، الباحث المصري في العلوم السياسيّة، خصّ "حفريات" بتصريحات، قال فيها إنّ حزب العدالة والتنمية لم يدرك بعد مدى انهيار شعبيته نتيجة للخطاب المزودج، وعجزه طيله العشريّة الماضية، التي ترأس فيها الحكومة، عن تقديم أيّ حلول عملية لمشكلات المواطن المغربي، ويبدو أنّ الحزب لم يستفد من أخطائه، وأنّه لن يقدم على عمل مراجعات حقيقية، فها هو بعد أن خرج من السلطة، يعود من جديد لممارسة خطابه الشعبوي، الذي يتميز به رئيسه الحالي عبد الإله بنكيران، وهو ما ظهر في تصريحاته الأخيرة حول العلاقات الخاصة، وبعض الأمور الجنسية، بدلاً من تقديم حلول واقعية لأزمة الحزب، أو مناقشة الاحتياجات الملحّة للمواطنين، ما يعني أنّ المصباح يحاول استعادة القواعد الشعبية التي نفرت من الحزب، بخطاب دعائي شكلاني، دون الخوض في صميم العمل السياسي، أو تقديم رؤية حقيقيّة للمراجعة.

 

 الفرجاني: حزب العدالة والتنمية قدّم نموذجاً صريحاً لهذا التضارب وهو في الحكم، وبعد أن خرج من السلطة، مضى يكشف عن تناقضاته بصورة علنية

 

القصاص توقع أن يحاول بنكيران إخماد الأصوات التي تنادي بالمراجعة، وعلى رأسها الجبهة التي يقودها القيادي، عبد الإله حامي الدين، في داخل الحزب، حيث ينادي بحتمية الفصل بين الدين والممارسة السياسيّة، وتقديم طرح أيديولوجي معاصر، يمكن من خلاله التعامل مع مفهوم الدولة الحديثة، دون الوقوع في تناقضات الخطاب المزدوج، مؤكداً "أنّ الخروج من مرحلة الإسلام السياسي، إلى مرحلة ما بعد الإسلام السياسي، يبقى ضرورة حتمية؛ لتحقيق الاندماج، وهو ما لا يمكن تحقيقه عن طريق التناوب من داخل جيل التأسيس".

تلك المحاولات تبدو ضعيفة أمام هيمنة الخطاب التقليدي، وشعبوية بنكيران وأعوانه، والتي تعني أنّ الحزب الإخواني، يحاول ترتيب صفوفه مرة أخرى، بجمع شتات المحافظين، واعتناق جملة من المفاهيم الأيديولوجية التقليدية، استعداداً لخوض جولة جديدة من العبث بالعقول، عن طريق توظيف الدين، والقضايا الجماهيرية، لصالح خطاب سياسي يعيش في الماضي، ويصر على مخاصمة الحاضر.

 

القصاص: "العدالة والتنمية" لم يدرك بعد مدى انهيار شعبيته لخطابه المزودج، وفشله طيله العشرية الماضية، التي ترأس فيها الحكومة، عن تقديم أيّ حلول عملية لمشكلات المواطن المغربي

 

جدير بالذكر أنّ بنكيران حاول تكريس رؤيته المحافظة في خطابه، في أول اجتماع للجنة الوطنية للحزب، في أعقاب المؤتمر الاستثنائي، مؤكداً أنّه "لن يغير قناعاته الإستراتيجية، ومن بينها التمسك بالمرجعية الإسلاميّة". واستطرد: "إذا أردتم تغييرها، ابحثوا عن شخص آخر".

 

اقرأ أيضاً: إلى أين يسير حزب العدالة والتنمية المغربي بعد الهزيمة الأخيرة؟

بنكيران لم يكتف بذلك، وإنّما استخدم استراتيجيّة الإنكار، لتفسير الهزيمة الساحقة التي منى بها حزبه، محاولاً التشكيك في نتائج الانتخابات، قائلاً: "كيف يمكن بين عشية وضحاها، أن يتم انتقال حزب ما، من 300 ألف صوت إلى 3 ملايين صوت؟ هذه النتائج غير مفهومة".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية