العمالة المصرية إلى ليبيا.. لمن الأولوية: الخبز أم الأمن؟

العمالة المصرية إلى ليبيا.. لمن الأولوية: الخبز أم الأمن؟


27/09/2021

"مُجبر أخوك لا بطل" يلخص هذا المثل الرائج حال الكثيرين من العمالة المصرية التي تتوافد على ليبيا رغم المخاطر الكبيرة، أو على الأقل يمنح تفسيراً وافياً لدوافع مايكل سعفان (اسم مستعار) صاحب الـ35 عاماً، الذي خرج من ليبيا في العام 2015 بصعوبة عبر تونس، ووقع في أيدي عصابات داعش خلال رحلة الفرار، قبل أن يفلت ويتمكن من العودة إلى بلاده، ليكرر قبل شهور العودة مجدداً إلى ليبيا.

اقرأ أيضاً: هكذا استثمر "الإخوان" بالتدين الشعبي لدى فلاحي مصر

وصل مايكل إلى إحدى القرى الريفية في غرب ليبيا، بعد رحلة شاقة رغم أنها رسمية، فقد سافر عبر شركة بالطائرة إلى بني غازي، بعدما استوفى الأوراق اللازمة، ودفع مبلغ 30 ألف جنيه مصري (نحو ألفي دولار).

وكانت كل من حكومتي مصر وليبيا قد وقعتا بروتوكولات تعاون، بموجبها سيسافر نحو 2 مليون عامل مصري إلى ليبيا للمساهمة في إعادة الإعمار.

ولا يُعد مايكل من الـ2 مليون الذين يفترض أن يتوافدوا الشهور القادمة إلى ليبيا، فقد سافر قبل عقد تلك الاتفاقية بأيام، إذ تم بالفعل فتح الخطوط الجوية بين البلدين وبدأت العمالة تتوافد قبل تلك البروتوكولات المعلنة.

مايكل تعرض للخطف من داعش خلال هروبه عبر الحدود التونسية قرر العودة إلى ليبيا

وتعكس "غروبات" عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لـ"المصريين في ليبيا"، والتي تضم الكثير من العمالة التي سبق أن عملت في ليبيا وعادت بفعل الظروف الأمنية، أو هؤلاء الذين يرغبون في خوض التجربة، أو المقيمين هناك بالفعل، تعكس الإقبال الكبير على السفر رغم المخاطر.

وتعجّ تلك "الغروبات" بعروض السفر، وصور تأشيرات لعمال سابقين، مع إغراءات من قبل "الموافقات الأمنية، وإجراء التحاليل المطلوبة"، أو إعلانات من قبيل "أفضل سعر" و"باكدج"، و"السفر لأي مكان في ليبيا"، حتى بدا الأمر تجارة رائجة، واللافت أنّ أياً من تلك الشركات لم تجب عن الأسئلة الكثيرة حول السعر علناً سوى واحدة، وتأتي الإجابة بـ"تمّ التواصل" أو "أنبوكس"، ما عدا واحدة رد صاحبها أنّ المبلغ هو 30 ألف جنيه.

  إعلان الدولة عن سفر مليون أو 2 مليون مصري إلى ليبيا يضعها في مسؤولية مباشرة لحمايتهم

يقول أحمد الشربيني، وهو واحد من أصحاب تلك الشركات، لـ"حفريات": ليبيا في حاجة للعمالة المصرية، نحو مليون، لإعمار ليبيا، من قبل لم يكن هناك سفر رسمي، كافة المحاولات كانت تهريباً (هجرة غير شرعية)، ولكي تساعد مصر ليبيا في العمالة أصبح السفر رسمياً،  طيران عن طريق الجيش، ونقوم بعمل موافقة من أجهزة الأمن في مصر، وموافقه من ليبيا، ويتم بعدها السفر رسمياً.

والعمالة التي لم تنقطع الفترة الماضية عبر سبل غير مشروعة أوقعت الكثير من المصريين  ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر، أو الميليشيات المسلحة، أو داعش، ويأمل كثيرون في أن يكون فتح طرق السفر الرسمية عبر مطار برج العرب سبيلاً أيسر للوصول إلى ليبيا، ومؤشراً على امتداد أيادي الدولة المصرية في الداخل الليبي لتوفير الحماية اللازمة لعمالتها.

اقرأ أيضاً: مصر تحفظ التحقيق مع 4 كيانات في قضية "التمويل الأجنبي" ... تفاصيل

واستناداً إلى الآمال نفسها، قرر مايكل السفر إلى ليبيا مجدداً بحثاً عن "لقمة عيش"، يقول لـ"حفريات": إنه يعمل في البناء، سافر إلى ليبيا أول مرّة في العام 2013، ثم عاد في العام 2015 عقب وقوع مذبحة المصريين في ليبيا، ذبح 7 أقباط على أيدي داعش في كانون الأول (ديسمبر) 2014.

لم يكن قرار العودة إلى ليبيا باليسير وفق مايكل، ويؤكد: لقد رأينا المر في ليبيا، تعرضنا للخطف من داعش خلال عودتنا هرباً عبر الحدود التونسية، عدت وعندي 29 عاماً، زوّجت شقيقاتي، نفدت نقودي، ليس لي بيت في مصر تقريباً، وليس أمامي فرصة عمل تجعلني أعيش كـ"بني آدم"، لذا قرّرت العودة.

العمالة التي لم تنقطع عبر سبل غير مشروعة أوقعت الكثير من المصريين ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر

خاض مايكل رحلة شاقة مجدداً، صحيح أنه نزل مباشرة في مطار بني غازي (شرقاً)، لكنّ الوصول إلى غرب ليبيا تم عبر حيل كثيرة واختباء وتخفٍّ، تقوم به جماعات متخصصة في ذلك، وتحصل على المقابل المادي من الجهة أو الأشخاص الذين يتوجه إليهم العمال.

يقول لـ"حفريات": رأيت الموت مجدداً، خضت طريقاً صعباً وطويلاً، حتى الآن شعور الخطر لا يفارقني، لكن ما يهوّن عليّ الأوضاع إلى حد ما هو وجودي في قرية نائية هادئة، أتمنى أن تظل كذلك.

وحول العمل في مصر يقول: حاولت أن أعمل في مجالي نفسه "المعمار"، صحيح أنّ الدولة تقيم الكثير من المشاريع، لكنها تتم عبر كثير من الوسطاء والمقاولين، وهؤلاء لا يسلمون للعمال حقوقهم مباشرة، لذا فإنّ العامل لا يضمن إذا ما كان سيحصل على حقوقه أم لا.

ويرى البعض أنّ قرار السفر إلى ليبيا رغم ما يحمله من مخاطر قرار مفهوم  ومشروع من قبل العمال البسطاء الذين يرغبون في تحسين ظروف معيشتهم وعائلتهم، خصوصاً في ظل نسب الفقر المرتفعة في مصر، والتي تصل إلى نحو 30% من الشعب المصري، لكنّ آخرين يرون تلك المجازفة، خصوصاً إذا ما كانت بعيدة عن عين الدولة، حماقة تستوجب تحمّل عواقبها.

اقرأ أيضاً: تسريب محادثات رئيس الوزراء المصري ونظيره الليبي: أهي صبيانية فقط؟

يروي مسؤول الأمان "سيفتي" في أحد مواقع العاصمة الإدارية الجديدة، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"حفريات" عن عامل كهرباء كان يعمل معهم في الموقع، ويقبض راتبه بانتظام، لكنه قرر قبل شهور فجأة السفر إلى ليبيا تهريباً، على أمل أن يعمل فيها لبعض الوقت، ومنها يحاول الفرار إلى إيطاليا.

يتابع: سافر العامل بالفعل بعدما دفع مبلغاً كبيراً، نحو 50 ألف جنيه، ثم وقع فريسة في أيدي عصابات داعش، وظلّ مع آخرين رهن تلك العصابة أياماً، حتى تدخل الجيش المصري وأنقذهم، وهم الآن يعملون في ليبيا، بحسب ما رواه له في مكالمة بينهما بعد تحريره.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أبرز المشاريع التنموية المصرية الحديثة.. صور وفيديوهات

ويشير محمد الحنفي، وهو يعمل في تصدير السجائر بين مصر وليبيا، لـ"حفريات" إلى أنه يتلقى عشرات المكالمات يومياً من مصريين يطالبونه بالتوسط لهم من أجل الإفراج عن ذويهم في ليبيا الذين يقعون في أيدي العصابات.

يتساءل الحنفي عن السبب الذي يدفع هؤلاء إلى السفر في دولة تعاني من الفراغ الأمني، وتنتشر فيها الميليشيات المسلحة، خصوصاً أنهم يدفعون مبلغاً كبيراً لتلك العصابات، فلماذا لا يفتتحون به مشروعاً أو يشترون "توك توك" ويعملون عليه في مصر معززين مكرمين؟ على حد قوله.

دور الدولة

وإذا ما كان السفر إلى ليبيا من قبل مخاطرة يتحمل المقبل عليها تبعاتها، فإنّ إعلان الدولة عن سفر مليون أو 2 مليون مصري إلى ليبيا، بل الإعلان عن التخصصات المطلوبة، يضعها في مسؤولية مباشرة لحمايتهم.

في الوقت ذاته، فإنّ الدفع بهذا العدد الكبير في ظل هذه الظروف، والقدرة على تأمينهم (وهي مهمة شاقة وصعبة في ظل حروب العصابات التي تعيش فيها ليبيا) يمنح مصر أفضلية جديدة داخل المشهد الليبي.

وحول ذلك التحدي وخطورته يقول النائب البرلماني السابق أسامة شرشر، في مقال عبر موقع "مصراوي" تحت عنوان "في ليبيا... من يحمي 2 مليون عامل مصري؟": إلى الآن لم نر أو نسمع أو نشاهد الضمانات الحقيقية للحفاظ على العمالة المصرية في هذا التوقيت، خصوصاً أنّ ليبيا مقبلة على أخطر انتخابات رئاسية في تاريخها- إن تمّت- في شهر كانون الأول (ديسمبر) القادم، وهي الانتخابات التي ستحدد هوية وبوصلة الشعب الليبي في اختيار رئيس الدولة والمجلس التشريعي، لا سيّما أنّ بلداً في حجم ليبيا، يطل على البحر المتوسط بحدود تصل إلى 2000 كيلومتر، يحتاج إلى تأمين غير عادي، بالإضافة إلى تأمين الدولة من إخوان ليبيا وكل عناصر وميليشيات المرتزقة، سواء من الساحل الأفريقي أو شركة فاجنر الروسية أو تشاد أو تركيا أو داعش وكل أشكال المنظمات الإرهابية.

وتابع: حتى الآن الرؤية لم تتضح؛ فلذلك أرجو أن نتريث ولا نلقي بعمّالنا وشبابنا وأبنائنا إلى التهلكة في ظل غياب الدولة الليبية والمؤامرات والانقسامات في الشأن الداخلي، ناهيك عن التدخلات الخارجية، لأنّ تركيا ترفض رفضاً باتاً أن تخرج قواتها من طرابلس، بحجة أنّ هناك اتفاقاً مع الحكومة الليبية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية