المغرب: حزب الإخوان الحاكم يتقمّص دور المعارضة لمغازلة الناخبين

المغرب: حزب الإخوان الحاكم يتقمّص دور المعارضة لمغازلة الناخبين


03/06/2021

قبيل أشهر معدودة من الاستحقاق الانتخابي المقبل في المغرب، خرج حزب العدالة والتنمية الإخواني (البيجيدي)، بمبادرة سياسية حقوقية، يدين في الكثير من ممارسات انتهاك حقوق الإنسان وتراجع الديمقراطية التي وقعت خلال عقد زمني ترأس فيها الحزب الحكومة.

مبادرة البيجيدي، بحسب مراقبين مغاربة، لا تعدو كونها محاولة للتملص من المشاكل التي تراكمت خلال 10 أعوام من رئاسة الإخوان للحكومة، خصوصاً في المجال الاقتصادي والحقوقي، والذي بارك البيجيدي التراجع الذي حدث فيهم، ومن ذلك موقفهم المعادي لحراك الريف.

كشف حساب الإخوان

عقدت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب مؤتمراً صحفياً، في 28 من أيار (مايو) الماضي، تحت شعار "العرض السياسي للمرحلة والمبادرة السياسية الحقوقية للحزب"، بالمقرّ المركزي للحزب بالرباط، بحضور رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، الأزمي الإدريسي، ونائبي الأمين العام للحزب؛ سليمان العمراني، ومحمد يتيم، وعضو الأمانة العامة، عبد الصمد الإدريسي.

اللقاء الصحفي لحزب العدالة والتنمية حول العرض السياسي

ويعدّ العرض السياسي للمرحلة بمثابة كشف حساب للمشاركة السياسية لحزب العدالة والتنمية، منذ عام 1996 حتى عام 2021، وقُسم إلى مراحل زمنية ترتبط بالأدوار المتعددة للحزب في الحياة السياسية، وهي أربعة؛ المرحلة الأولى: من المؤتمر الوطني الاستثنائي 1996 حتى عام 2007، وفيها تبنّى الحزب خيار المساندة النقدية حتى عام 1999 دون مشاركة في الحكومة، ثم الانتقال إلى موقع المعارضة، بسبب ما لمسه الحزب من توجه للمساس بهوية الشعب المغربي، مع الإعلان عن "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية"، بحسب البيان الرسمي للحزب، وهو ما يكشف عن ارتباط التجربة السياسية للحزب بمسائل ثقافية، دون وجود هموم اقتصادية واجتماعية حقيقية.

يعدّ العرض السياسي للمرحلة بمثابة كشف حساب للمشاركة السياسية لحزب العدالة والتنمية، منذ عام 1996 حتى عام 2021، وقُسم إلى مراحل زمنية ترتبط بالأدوار المتعددة للحزب

والمرحلة الثانية من عام 2007 حتى عام 2011، والتي تبنى فيها الحزب أطروحة النضال الديمقراطي، والثالثة من 2011 حتى عام 2016، والتي شهدت تبني الحزب شعار "الإصلاح في نطاق الاستقرار"، واستفاد فيها الحزب من احتجاجات 20 شباط (فبراير) عام 2011، والتي استجاب الملك لها بإجراء تعديلات دستورية، أصبح بموجبها اختيار رئيس الحكومة من حزب الأغلبية في مجلس النواب، بعد أن كان الاختيار بيد الملك فقط.

وفاز حزب العدالة والتنمية بالأغلبية في أول انتخابات أجريت بعد إقرار دستور 2011، وشكل أمينه العام، عبد الإله بنكيران الحكومة. ثم أخيراً المرحلة الرابعة من عام 2016 حتى 2021، والتي بدأت عقب الانتخابات التي فاز فيها الحزب بالأغلبية، وقام بتشكيل الحكومة برئاسة الأمين العام الجديد، سعد الدين العثماني، بعد إخفاق بن كيران في تشكيل الحكومة.

اقرأ أيضاً: القنب الهندي يفجر أزمة جديدة لحزب العدالة والتنمية المغربي

وستعقد الانتخابات العامة المقبلة لأعضاء مجلس النواب وأعضاء مجالس الجهات وأعضاء مجالس الجماعات والمقاطعات، في 8 أيلول (سبتمبر) المقبل.

القاسم الانتخابي الجديد

وانتقد حزب العدالة والتنمية في عرضه السياسي إقرار القاسم الانتخابي الجديد، الذي يحتسب بموجبه عدد مقاعد البرلمان على أساس الأصوات الكلية للناخبين المسجلين، بدلاً من الاحتساب على أساس أعداد الأصوات الصحيحة، وهو نظام جرى إقراره بالمخالفة لجميع اللوائح في دول العالم، ويرى مؤيدو القانون أنّه جاء ليعالج الخلل الناتج عن ضعف التصويت في البلاد، والذي بلغ نسبة 45.1 % عام 2011، و42.5 % في عام 2016.

قيادات إخوانية مغربية بينهم بن كيران وسعد الدين العثماني

وفاز حزب العدالة والتنمية بالأغلبية البرلمانية، بواقع 107 مق من أصل 395 مقعداً، وبتصويت 1.08 مليون ناخب، وفي عام 2016 فاز الحزب 125 مقعداً، بكتلة تصويتية بلغت 1.6 مليون ناخب، من مجموع 15.7 مليون ناخب، ما يكشف عن حجم الشعبية المحدودة لحزب الإخوان، والتي تمكنه من تحقيق الأغلبية البرلمانية بسبب العزوف الانتخابي الكبير، في وقت تتميز كتلته المحدودة بحماسة تفتقدها بقية الأحزاب.

مبادرة الإخوان السياسية

ومن سياق العرض السياسي للحزب، وإشارته إلى تراجع التجربة الديمقراطية والوضع الحقوقي، جاء طرح مبادرته السياسية، وبحسب تصريح عبد الصمد الإدريسي، فإنّها "تأتي للدعوة إلى ضرورة خلق انفراج حقوقي وسياسي للإنهاء مع مجموعة من الإشكالات التي تعدّ بلادنا في غنى عنها في المرحلة الحالية، مضيفاً أنّه من الواجب الاهتمام بتقدم وتطور المغرب".

الكاتب المغربي محمد أكن لـ "حفريات": حزب العدالة والتنمية يهرب من إخفاقاته عبر رفع شعارات حقوق الإنسان وأخرى فارغة ستظهر في المؤتمرات القادمة عمّا قريب

ولم تتخطَّ مبادرة الحزب الخطوط العريضة التي تنبه إلى "وجود عدة تجاوزات وإشكالات وتراجعات ويدعو إلى تجاوزها من قبيل إطلاق سراح مختلف المعتقلين، وفي مقدمتهم الصحفيين، وبعض نشطاء الحراك الاجتماعي ووقف المتابعات التي تتم بخلفية سياسية وكيدية لمنتخبين ومسؤولين في تدبير الشأن العام".

قبيل أشهر من انتهاء ولاية البرلمان

وأثار طرح الإخوان للمبادرة قبيل أشهر من انتهاء ولاية البرلمان والحكومة أسئلة عديدة؛ ومن المرجح أنّ الإخوان يخشون من خسارة الأغلبية التي تؤهلهم لتشكيل الحكومة، إلى جانب مخاطبة القواعد الجماهيرية للحزب بعد الهزات التي تسبّب بها التطبيع وتقنين القنّب الهندي وغيرها من القوانين.

اقرأ أيضاً: مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس

ويرى أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدستوري، رشيد لزرق، أنّ المبادرة محاولة مكشوفة لتنصل الحزب من مسؤوليته عن بعض الأعطاب  خلال العشرية الاخيرة،  في وقت كان المفروض فيه أن ينقد ذاتي بعد تنكّره للشعارات التي رفعها دون مشروع سياسي أو أفق تدبيري.

أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدستوري، رشيد لزرق

وأضاف لزرق، لـ"حفريات": "سلوك البيجيدي يعدّ انقلاباً على المبدأ الدستوري المثمتل في ربط المسؤولية بالمحاسبة، فالديمقراطية لا تنتهي عند إنجاز الانتخابات، والمحكّ للإنجاز السياسي هو التطلعات التنموية التي أخفقت حكومة العدالة والتنمية فيها.

ويؤكد لزرق أنّ حزب البيجيدي مسؤول عن الاختناق السياسي والأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وبدل أن يطرح مشروعاً حقيقياً يلجأ إلى إثارة النقاش بمعارك وهمية تحترفها قوى التدين السياسي.

مغازلة انتخابية     

ويربط الكاتب المغربي، ورئيس جمعية الصداقة والانفتاح الثقافي والسياحي في المغرب، محمد اكن، مبادرة الإخوان بتجربتهم في السلطة خلال الأعوام العشر الماضية، ويلخص إخفاقات هذه التجربة في عدة تحديات، وهي: إخفاق الحزب في تحقيق الوعود الانتخابية التي كسب بها الأصوات بعد سنوات قضاها في المعارضة، خصوصاً مع حكومة بنكيران، في خفض عجز الموازنة، ورفع نسبة التنمية إلى 7% كما وعد، وما تحقق هي نسبة 3.5% فقط.

اقرأ أيضاً: النظام الإيراني و"وكلاؤه" في المغرب

ويتابع أكن، لـ "حفريات"، أنّ التحدي الثاني في حكومة سعد الدين العثماني يتمثّل في فشل تجربة الحزب على المستوى المحلي في البلديات والجماعات، وتورط ممثليه في اختلاس وتبذير المال العام، إلى جانب الإخفاق في معالجة أزمة الأساتذة المتقاعدين، وأزمة كورونا، ثم التطبيع مع إسرائيل الذي لم يسلم من متاجرة الحزب به في حرب غزة الأخيرة، وهي عوامل أثرت سلباً على القاعدة الشعبية للحزب.

الكاتب المغربي، ورئيس جمعية الصداقة والانفتاح الثقافي والسياحي في المغرب، محمد أكن

وأكّد الكاتب محمد أكن على أنّ حزب العدالة والتنمية يهرب من إخفاقاته عبر رفع شعارات حقوق الإنسان وأخرى فارغة ستظهر في المؤتمرات القادمة عما قريب، عسى أن يحفظ بها الحزب ماء وجهه في الانتخابات المقبلة، التي من المرجح أن ينال فيها انتكاسة أخرى قد تؤدي به إلى العودة إلى حضن المعارضة.

ويتكون البرلمان المغربي من مجلسين؛ المستشارين والنواب، ويبلغ عدد مقاعد مجلس النواب 395 مقعداً، وينتخب 305 منها عبر قوائم حزبية في 92 دائرة انتخابية، موزعة على تراب المملكة، و90 مقعداً إضافياً من لائحة وطنية، ثلثاها مخصصة للنساء، والثلث الباقي للرجال الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً، ويشكل حزب الأغلبية الحكومة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية