انهيار الليرة التركية.. هل يُسقط السلطان أردوغان؟

انهيار الليرة التركية.. هل يُسقط السلطان أردوغان؟


05/12/2021

ترجمة: علي نوار

يعيش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واحدة من أسوأ الفترات على الإطلاق في سنوات وجوده على رأس السلطة بتركيا مع تراجع قيمة الليرة الوطنية مرة أخرى والانتقادات اللاذعة من المعارضة، ما يضع "السلطان" أردوغان في مأزق مزدوج سياسي واقتصادي في الوقت ذاته.

اقرأ أيضاً: مسرحية جديدة أم محاولة اغتيال حقيقية؟ تركيا تُفشل "مخططاً" لتفجير تجمع حضره أردوغان

لم يكن العام المنصرم سهلاً على الإطلاق بالنسبة لرئيس تركيا، وجاءت الأيام الماضية تحمل نبأ غير سار البتة له بتراجع قيمة العملة المحلية بنسبة 13% أمام الدولار الأمريكي واليورو، وهو أكبر انخفاض في قيمة الليرة منذ عقدين، رغم أنّ التراجع بدأ قبل نحو ثلاثة أسابيع. ومنذ شباط/فبراير الماضي فقدت الليرة 43% إجمالاً من قيمتها.

لكن إذا كان أردوغان يبحث عمّن يلومه فلن يجد سوى نفسه ونظرياته الاقتصادية التي جلبت على الأتراك وبال ارتفاع جنوني في أسعار الكثير من المنتجات والمواد الأساسية اللازمة بالنسبة للصناعة والزراعة. ولم تفعل الحكومة التركية سوى إرسال شرطيين إلى سلاسل المتاجر لفرض غرامات على من يرفعون الأسعار، بينما تداول روّاد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً من داخل المتاجر التي وضعت لافتات تناشد الزبائن عدم شراء ما يفوق حاجتهم لتجنّب اكتناز البضائع.

هاجم أحمد داوود أوغلو رئيس وزراء تركيا سابقاً رئيس البلاد، مطالباً بإجراء انتخابات جديدة وتمنّى لأردوغان "النجاح في تقاعده". إلّا أنّ أردوغان استبعد إجراء انتخابات قبل موعدها

وعلى الصعيد السياسي، ورُغم أنّ الانتخابات المقبلة ستنعقد في عام 2023، لكن قطاعات من المعارضة بدأت ترفع صوتها مطالبة بتقديم موعد الانتخابات. ويبدو أنّ حصول أردوغان على فترة رئاسية جديدة، وهو الذي تولّى المنصب عام 2014، يصبح أصعب بمرور الوقت.

اقرأ أيضاً: مأزق الإقتصاد التركي في ضوء سياسات أردوغان

والواقع أنّ الاقتصاد التركي المهتزّ من الأساس دخل في مرحلة جديدة من الانهيار مؤخراً حين تراجعت الليرة 18% في يوم واحد بسبب تمسّك أردوغان بالدفاع عن سياساته الاقتصادية حيث يربط ازدياد معدل الفائدة بارتفاع الأسعار بالتالي ومن وجهة نظره فإنّ الواجب عمله هو خفض أسعار الفائدة بأي شكل. وقد سعى المصرف المركزي التركي من جانبه لخفض أسعار الفائدة انسياقاً وراء معركة أردوغان الذي يعتقد أنّه يخوض "حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال".

بيد أنّ المشكلة تكمن في تعارض أفكار أردوغان الاقتصادية مع أي سياسة مالية معقولة، وهو ما أدّى لسقوط تركيا في مستنقع من التضخّم لم تشهد له مثيلاً منذ عقدين. ودفع ذلك الوضع محافظ المصرف المركزي السابق سميح تومن للإدلاء بتصريحات للصحافة قال فيها "يجب أن نتوقّف عن هذه التجربة غير الرشيدة والتي لا أمل لها في النجاح، في أقرب وقت ممكن، والعودة للسياسات المألوفة من أجل رفاه الشعب التركي".

التضخّم بلغ مستويات غير مسبوقة

ووضع الصحفي مصطفى آيكول تحليلاً للأزمة الاقتصادية التركية أكّد خلاله "نحن بصدد ثلاثة عوامل رئيسة: الأول هو إصرار الرئيس المستميت على نظريته الخاصة حيال أسعار الفائدة والتي تنبع من خلفية إسلاموية ادّعى هو نفسه أنّه نبذها. الثاني هو الثقة المفرطة للرئيس في نفسه وعدم قدرته على تقبّل فكرة أنّه قد يخطئ لا سيما على الملأ. والثالث هو سيطرة أردوغان المطلقة على الدولة بحيث لم تعد هناك أي جهة تعمل بشكل مستقل حتى المصرف المركزي".

وبالفعل، تشير جميع استطلاعات الرأي التي أجريت في تركيا إلى معاناة المواطنين بدرجة حادّة من ارتفاع الأسعار. وقد أظهر استبيان نفّذته شركة "متروبول" لاستطلاعات الرأي أنّ 72% على الأقل من الأتراك يواجهون "صعوبات جمّة" بسبب ارتفاع أسعار المعيشة، بينما أكّد 80% أنّهم باتوا غير قادرين على سداد فواتير استهلاك الكهرباء والماء والغاز.

استقبلت وسائل إعلام إيرانية أنباء انهيار الليرة التركية برضى كبير ومنحتها قدراً واسعاً من التغطية. لكن السؤال هنا: لماذا يشعر النظام الإيراني بالابتهاج والترحيب بانهيار الليرة التركية؟

ويعود آيكول ليضيف "يذكّرني الوضع بتروفيم ليسينكو خلال الاتحاد السوفييتي حين كانت نتيجة التصلّب الفكري والاستبداد هي تدمير قطاع الزراعة السوفييتية. رؤية تركيا تصل لهذه المرحلة اليوم شيء مخزٍ، واتمنّى فقط أن تكون هذه بداية تغيير سياسي يعيد الديمقراطية الليبرالية والمناخ السياسي الصحي. لقد خسرت هذه البلاد الكثير على هذين المستويين خلال العقد الأخير" تحت وطأة أردوغان.

المعارضة تضيّق الخناق على أردوغان

وعلى المستوى السياسي، تتواصل الضربات التي يتلقّاها أردوغان، فقد تراجعت نسبة تأييده لأدنى مستوياتها، بالتزامن مع ارتفاع شعبية رموز المعارضة مثل عمدة إسطنبول وعمدة أنقرة. كما أنّ استطلاعات الرأي تشير وللمرة الأولى هذا العام إلى تفوّق ائتلاف المعارضة المكوّن من الاجتماعيين الديمقراطيين واليمينيين والإسلامويين على الائتلاف الحاكم الذي يتشكّل من حزب أردوغان وفصيل سياسي آخر من تيار اليمين المتشدّد. وأظهرت الاستطلاعات أنّ الكتلتين ستحصلان على 40% من الأصوات لكلّ منهما، بينما ستذهب النسبة المتبقّية لأحزاب أصغر.

وتنتهي ولاية أردوغان الحالية في 2023 بعد انتخابات حزيران (يونيو) من ذلك العام. لكن ونتيجة للأزمة الاقتصادية، بات السواد الأعظم من المعارضة ينادي بضرورة تقديم موعد الانتخابات لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه. وقد بدأ الاجتماعيون الديمقراطيون والأكراد والقوميون وحتى الرموز السياسية في المنفى ينادون بتبكير الانتخابات ودعوا لتظاهرات احتجاجية في الأيام المقبلة. بينما تعهّد كمال كليجدار أوغلو زعيم المعارضة التركية بـ"فعل كل ما هو ممكن" للضغط من أجل إجراء انتخابات عامّة مبكّرة في تركيا.

اقرأ أيضاً: أردوغان يهاتف محمد بن زايد... وهذا ما قاله

وقد اتّهم كليجدار أوغلو رئيس البلاد بمحاولة إفقار تركيا، بينما كشفت مصادر داخلية أنّ الحزب المعارض يعمل على تنظيم مسيرات حاشدة مع الاستفادة من التظاهرات العفوية التي خرجت في شوارع بعض المدن واستغلال خوف أردوغان من خروجها عن السيطرة.

على أنّ النيران جاءت أيضاً من حلفاء أردوغان أنفسهم، وخرج علي باباكان أحد مؤسّسي حزب العدالة والتنمية وزعيم الحزب حالياً ليتّهم أردوغان صراحة بـ"إلحاق ضرر تاريخي" بتركيا، والحكومة الحالية بتطبيق "تجارب اقتصادية غير منطقية" خاصة التمسّك بخفض أسعار الفائدة بداعي أنّ ذلك يؤدّي إلى خلق فرص عمل جديدة، لكن النتيجة كانت معدّل تضخّم 20% حالياً. كما أنّ أردوغان لا ينفك يزيد الأمور سوءاً كلّما خرج بتصريح في الأيام الماضية.

اقرأ أيضاً: لماذا تقاربت تركيا مع دول الخليج؟ أردوغان يجيب

بالمثل، هاجم أحمد داوود أوغلو رئيس وزراء تركيا ووزير خارجيتها سابقاً رئيس البلاد، مطالباً بإجراء انتخابات جديدة وتمنّى لأردوغان "النجاح في تقاعده". إلّا أنّ أردوغان أصرّ على رفض تلك الفترة مستبعداً إجراء انتخابات قبل موعدها المُقرّر في حزيران/يونيو 2023.

نظرية المؤامرة

وكما هي عادته، خرج أردوغان ليحاول الإيهام بأنّ هناك تدخّلات أجنبية تقف وراء المشكلات الاقتصادية للبلاد، داعياً إلى بدء "حرب تحرير اقتصادية"، في ظلّ ادّعاءات حكومته بأنّ تراجع قيمة الليرة وأسعار الفائدة من شأنه جذب الاستثمارات الأجنبية ودعم الصادرات، وأنّ منافع هذه الاستراتيجية ستظهر لكن في المستقبل. إلّا أنّ الردّ جاء من قطاع الصادرات نفسه في صورة تحذيرات من الآثار السلبية لسياسة أردوغان وحكومته.

وقال جاك إسكينازي رئيس اتحاد مصدّري إيجة "التقلّبات الحادّة في سعر الصرف بلغت مستوى تتباطأ معه الصادرات. ينبغي أن يجد السياسيون حلاً لوقف تدهور العملة".

على الجانب الآخر، يتابع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي الأزمة الاقتصادية وتراجع العملة التركية في حالة من الترقّب والتحيّن للاستفادة من الموقف لصالح الجمهورية الإسلامية.

واستقبلت وسائل إعلام إيرانية تابعة لحكومة طهران هذه الأنباء برضى كبير ومنحتها قدراً واسعاً من التغطية. لكن السؤال هنا: لماذا يشعر النظام الإيراني بالابتهاج والترحيب بانهيار الليرة التركية؟ وكيف يمكنه استغلال ذلك؟

للإجابة عن هذا التساؤل، من الضروري العودة إلى الأحداث السياسية والخلاف الأخير بين النظامين الإيراني والتركي بشأن ملفّي أذربيجان سوريا، والذين تسبّبا في خلق حالة من العداء بين خامنئي وأردوغان، لدرجة أنّ التلفزيون الرسمي الإيراني وصف الأزمة التركية بأنّها نتيجة مباشرة لأطماع الرئيس التركي.

وعلى الرّغم من ضلوع خامنئي بشكل مباشر في الأزمة السورية وإرسال قوات مسلّحة إلى البلد العربي وإنفاق عشرات المليارات من الدولارات على دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، لم تحصل إيران على أي قطعة من كعكة إعادة إعمار سوريا بل أنّها مُستبعدة عملياً من المشاركة فيها.

وبحسب مسؤول في منظّمة تنمية التجارة بإيران، نجحت تركيا في الاستئثار بالحصّة الأكبر من السوق السورية بحوالي 38%، بينما يبلغ نصيب إيران في التجارة مع سوريا 3% فقط، وهو أمر كان يقضّ مضجع خامنئي.

اقرأ أيضاً: أزمة العملة التركية من صنع أردوغان

كما أنّ طهران لم تكن مرحّبة على الإطلاق بتزايد النفوذ التركي في أذربيجان، الدولة المجاورة لإيران من جهة الشمال، ورُغم أنّ أغلبية سُكّان أذربيجان يعتنقون المذهب الشيعي من الإسلام، لكن الجمهورية الإسلامية تنظر لها الآن كتهديد. وما زاد من مخاوف إيران هو أنّ باكو أصبحت تعتبر أنقرة حليفة وداعمة لها إلى الدرجة التي باتت معها العلاقات التجارية والعسكرية بين أذربيجان وتركيا أقوى من نظيرتها بين أذربيجان وإيران.

وبعيداً عن الخلافات السياسية بين إيران وتركيا، من المهمّ أيضاً تسليط الضوء على الوضع الاقتصادي الكارثي لإيران. ويحاول نظام طهران أن يظهر لشعبه أنّ بلاده ليس وحدها من تعاني أزمة اقتصادية وتضخّم وتراجع قيمة العملة، بل أنّ المشكلة ذاتها تتكرّر في دول أخرى.

وبالطبع يتطلّع خامنئي لتبرير تدهور العملة الإيرانية رغم أنّه لا يذكر أحداثاً ووقائع اقتصادية أخرى مثل حقيقة أنّ الاقتصاد الإيراني كان قبل ثلاثة عقود يسير بنفس وتيرة نظيره التركي وفي نفس المستوى. والحقيقة أنّ الناتج العام في البلدين عام 2005 كان متقارباً إلى حدّ بعيد من حيث القوة الشرائية.

مصادر الترجمة عن الإسبانية:

https://bit.ly/3oe2v49
https://bit.ly/31keSmr
https://bit.ly/3d6cvpQ

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية