باحثة فرنسية: العملية التركية في ليبيا تموّلها قطر

باحثة فرنسية: العملية التركية في ليبيا تموّلها قطر


كاتب ومترجم جزائري
15/12/2020

ترجمة: مدني قصري

تعتقد الباحثة الفرنسية دوروثي شميد أنّ الكارثة الاقتصادية التي تمر بها تركيا  تدفعها إلى أن تجد المال في الخارج. وتعدّ العملية في ليبيا مهمة للغاية؛ حيث يتمّ تمويلها إلى حدّ كبير من قبل قطر، ومن احتياطيات حكومة الوفاق الوطني الليبية.

الباحثة دوروثي شميد Dorothée Schmid مسؤولة عن برنامج إفري Ifri (المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية) الخاص بتركيا المعاصرة والشرق الأوسط. وهي مؤلفة كتاب تركيا في 100 سؤال الصادر عن دار Éditions Tallandier في عام 2018.

في عام 2008، أنشأت دوروثي شميد برنامج إفري لتركيا المعاصرة، لمتابعة تحولات النظام التركي، وتعزيز سياسته الخارجية في الجوار وخارجه. يركز بحثها الحالي على ديناميكيات الإصلاحات السياسية في الشرق الأوسط ، ومستقبل الدول الريعية، وإعادة التنظيم بعد الصراع، والصراع على السلطة في المنطقة.

ووقّعت على وجه الخصوص الأعمال التالية: تركيا في الشرق الأوسط: عودة قوة إقليمية؟ (إصدارات CNRS ، 2011).

هنا حوار معها:

غالباً ما يُستخدَم مصطلح "العثمانية الجديدة" لوصف السياسة الإقليمية للرئيس رجب طيب أردوغان؛ هل هذا مصطلح صحيح لوصف السّياسة الخارجيّة التركيّة، في رأيك؟

يحظى هذا المصطلح بشعبيّة كبيرة لدى الغربيّين، خاصّة من قبل فرنسا، التي تحتفظ بثقافة "سابقة": الفرنسيّون لديهم حاجة دائمة إلى إعادة وضع أنفسهم في الاستمراريّة التاريخيّة، وقد أعادوا دمج المرجعيّة العثمانيّة، خاصّة منذ الذكرى المئويّة لاتفاقيّة "سايكس بيكو"، عام 2016. بالنسبة إلى الغربيين.

الحديث عن العثمانية الجديدة فخٌّ حقيقي، لكن من ناحية أخرى، فإنّ هذا المصطلح تتبناه جميع الأطراف المعنية: الأتراك، والغرب، وحتى العرب اليوم

 يُنظر إلى العثمانية الجديدة على أنّها إمبرياليّة توسعيّة هجوميّة، تتعارض مع الموقف الغربيّ، ومن وجهة النظر هذه، عندما نتحدّث عن العثمانية الجديدة، فإنّنا نضع تركيا في موقع العدو؛ لأنّ الغرب حارب العثمانيين في أوروبا لقرون. في فرنسا على وجه الخصوص، لا ننسى أنّ الانتداب على سوريا ولبنان قد تمّ كسبه بعد سقوط الإمبراطوريّة العثمانيّة في نهاية الحرب العالميّة الأولى.

اقرأ أيضاً: بلطجة أردوغان تفرم جهود الحل في ليبيا

للوهلة الأولى؛ يبدو هذا المصطلح إشكاليّاً، لأنّه يحبسنا في رؤية مجمّدة للتاريخ، وفي عداء عميق مع الأتراك. ومع ذلك؛ اتّضح أنّ الأتراك أنفسهم قد استولوا على "العثمانية الجديدة"، فإنّهم يفترضون ذلك تماماً: الإشارة إلى الإمبراطورية العثمانية ثابتة: إنّهم بالنّسبة إلى العمليّة التركيّة في ليبيا على وجه الخصوص، يستغلون الخيال العثماني لإضفاء الشرعية على وجودهم العسكري (والاقتصادي) في البلاد.

لهذا الخطاب بعض أصداء إيجابيّة غير متوقّعة في العالم العربي؛ لقد ظهرت ظاهرة مذهلة: هناك حنين معيّن إلى العهد العثماني ظهر بشكل واضح في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

يرى السّكان العرب، بشكل خاص، في عودة تركيا وسيلة للتخلص من علاقات ما بعد الاستعمار، مع دول مثل فرنسا، لكن ليست استعادة السرد العثمانيّ بصورة إيجابيّة في العالم العربيّ، أمراً بديهيّاً؛ لأنّ احتلال العثمانيين للعالم العربي لم يكن سلمياً دائماً، أو خيراً أو مفيداً لجميع المنطقة.

اقرأ أيضاً: أردوغان يطلب التمديد في ليبيا.. أهداف خبيثة وراء تحرك تركيا

أخيراً، يمكننا القول إنّ الحديث عن العثمانية الجديدة فخٌّ حقيقي، لكن من ناحية أخرى، فإنّ هذا المصطلح تتبناه جميع الأطراف المعنية: الأتراك، والغرب، وحتى العرب اليوم.

تحدّثت عن الوجود التركي في ليبيا، تعمل أنقرة أيضاً على زرع بيادقها في سوريا، في ناغورنو كاراباخ، وفي شرق البحر الأبيض المتوسط ​​(من بين أمور أخرى). كيف نفسّر مثل هذا الإسقاط دولياً؟ أهي طريقة لاستعادة الوزن المفقود، فيما يبدو، فيما رجب طيب أردوغان ضعيفاً على الساحة الداخلية؟

لا أعتقد أنّ أردوغان ضعيف إلى هذا الحدّ على الساحة المحلية، وقد نجح في تحييد المعارضة الحقيقية، الكماليين والأكراد، من خلال التحالف مع القوميين المتطرفين. في الوقت الحاليّ، يعمل هذا التحالف بشكل جيد. يسمح له بتطوير أجندة جد قومية في الخارج. ولكن من الواضح أنّ هناك أسباباً أخرى لهذا التأكيد الفائق من قِبل تركيا في بيئتها الإقليمية مقابل الأوروبيين:

أولاً: الكارثة الاقتصادية: على تركيا أن تجد المال في الخارج. تعدّ العملية في ليبيا مهمة للغاية؛ حيث يتمّ تمويلها إلى حدّ كبير من قبل قطر، ومن احتياطيات حكومة الوفاق الوطني الليبية، كما أنّها تستعدّ لعودة الوجود الاقتصاديّ التركيّ في ليبيا.

بعد ذلك، تريد تركيا ضمان استقلالها في مجال الطاقة، العملية التركية على الأراضي الليبية، وتحرّكات أنقرة في شرق البحر المتوسط ​​هدفها مساعدة الشركات التركية في تأمين موارد هائلة من طاقة النفط والغاز. يُذكَر أنّ أنقرة تسعى للتخلص من سيطرة روسيا على الطاقة، في السنوات الأخيرة، انتقلت تركيا من تبعية 70٪ للغاز الروسيّ إلى حوالي  30 ٪ اليوم.

اقرأ أيضاً: صواريخ "دهلوي" إيران تصل إلى ليبيا

هناك أيضاً رهان ذو طابع دولي: تريد تركيا أن يُعترَف بها بين "عظماء" هذا العالم؛ من وجهة النظر هذه، سمحت العلاقة المعقدة للغاية مع روسيا للأتراك بتسجيل نقاط على المستوى الدبلوماسي. في الواقع، ارتبطت أنقرة بصيغ المفاوضات الإقليمية الجديدة المختلفة التي وضعها الروس في السنوات الأخيرة (لا سيما بشأن سوريا)، والتي تستثني الغربيين تماماً (رغم أنّهم حلفاء تقليديون للأتراك).

نتيجة الصراع حول أقليم ناغورنو كاراباخ إيجابية، لأنّها تسمح بإعادة التوازن بين الأذريين والأرمن، ويظهر أنّ الروس هم الذين يضعون القانون في المنطقة

في الوقت نفسه؛ ما تزال تركيا تحظى بتقدير الولايات المتحدة، باعتبارها قناة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، كان أوباما حازماً جدّاً بشأن تركيا؛ لأنّه لم يكن متفقاً مع طيب أردوغان. لكن سياسة الولايات المتحدة كانت غير منتظمة تماماً بشأن هذه القضية في عهد ترامب: كانت الرؤية الإستراتيجية مجزّأة، وصار اتخاذ القرارات رهينة للخلافات بين البنتاغون، ووزارة الخارجية والمصالح الاستخباراتية لأمريكا والكونغرس ودونالد ترامب ( الذي كان رفيقاً جداً بأردوغان)، وقد أضعفت هذه الانقسامات واشنطن في ميزان القوى مع تركيا.

اقرأ أيضاً: ليبيا.. مسار سياسي هش تزعزعه التدخلات القطرية التركية

علاوة على ذلك؛ يعاني الاتحاد الأوروبي من الخلل نفسه؛ عندما تتولى فرنسا قيادة الاتحاد الأوروبي لمعارضة رجب طيب أردوغان بشأن قضية شرق البحر الأبيض المتوسط ​​أو ليبيا، يبدو الأمرُ مُهِمّاً، لأنّه يُظهر لأردوغان وجودَ معارضة، لكنّ هذه المعارضة سرعان ما تشتّت الموقف الأوروبي، لأنّ المبادرات الفرنسية لا تحقق الإجماع في أوروبا، ففيما يتعلق بالمفاوضات مع اليونان التي جرت هذا الصيف، على سبيل المثال، كانت هناك انقسامات قوية، لا سيما بين فرنسا وألمانيا (العضوان المهيمنان في الاتحاد الأوروبي، فيما كانت برلين تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي).

تجْمَع السياسة الخارجيّة للرئيس أردوغان بين الدفاع عن القومية التركية (العثمانية) والرغبة في تقديم نفسها كقوة سنية إقليمياً. كيف نصف هذه الأيديولوجية؟

لوصف هذه السياسة، يأتي الحديثُ عن عودة القومية الإسلامية، وهي تحديثٌ لـ "التوليفة التركية الإسلامية" التي تحتلّ الحياة الأيديولوجية التركية منذ السبعينيات، وقد أدّى هذا التركيب بشكل أساسي إلى تحقيق نوع من الانسجام بين رؤية إسلامية وقومية تركية قوية داخلياً.

 المثير للاهتمام اليوم، والذي يتغير مقارنة بالعقود السابقة، هو أنّ أردوغان يتظاهر بأنّه زعيم في مواجهة المسلمين الآخرين في جميع أنحاء العالم، وأنّه يخاطب الآراء العربية في موضوعين رمزيين:

1- القضية الفلسطينية: مع قضية مافي مرمرة، عام 2010، في المعارضة المتكررة لإسرائيل، ولكن أيضاً مع معارضة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

2- الدفاع عن الإسلام ضدّ الهجمات التي يصفها بالعدوانية (خاصة من فرنسا)، تولى أردوغان قيادة هذه الجبهة المناهضة لإيمانويل ماكرون في النقاش الدولي، ودعا على وجه الخصوص إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، ردّاً على تعليقات الرئيس، ماكرون، الحازمة جدا ًبشأن النزعة الانفصالية.

اقرأ أيضاً: نصف تريليون دولار بين نهب وهدر في ليبيا

على عكس ردّ فعل أردوغان المفاجئ؛ يبدو أنّ رؤساء الدول العربية غير مرتاحين للغاية، إنّهم عالقون، من ناحية، بين مناورة التحالف مع باريس، ومن ناحية أخرى، بين الآراء العامة المعادية للخطاب الفرنسي؛ لذلك فإنّ أردوغان لديه ضربة يلعبها، لأنّه يناشد الرأي العام العربي، من خلف ظهور قادتهم.

إنّه يملأ الفراغ على مستوى القيادات العربية؟

طبعاً، في هاتين المسألتين، يملأ الفراغ الذي سعت إيران نفسها لملئه لعدة سنوات.

اللافت أنّ إيران وتركيا تشتركان في "ثغرة": فهما ليستا قوّتين عربيتين، ومن ناحية أخرى؛ تتمتع تركيا بميزة كونها قوة سنّية، لكنّها لا تنتج لاهوتاً، فهي لا يمكن أن تدّعي شرعية مسبقة على مستوى العقيدة الدينية؛ لذلك هي تُثقل كاهل الإسلام على أرضية السياسة والهُوية.

حول الحرب في ناغورنو كاراباخ: نهاية الصراع تبدو وكأنّها شبه انتصار لأردوغان، وفي نهاية المطاف؛ فإنّ روسيا (التي أثبتت أنّها أكثر توازناً في هذه الحرب مقارنة بالمتصارعَيْن) هي التي تجني أكبر الفوائد.

لم تفز تركيا بكلّ شيء، لكنّها لم تخسر كلّ شيء في ناغورنو كاراباخ؛ أوّلاً، إنّ انتصار المعسكر الأذربيجاني المدعوم من تركيا هو إلى حدّ ما انتصار تركيا، وقد قال أردوغان ذلك، مراراً وتكراراً، لأنصاره في تركيا نفسها.

هنا مكسب حقيقي لصورته، بالنسبة إليه داخلياً، بعد ذلك، على المستوى الإقليمي؛ اكتسبت أنقرة نقاطاً: سيتم إنشاء مَمرٍّ يمُرّ عبر أرمينيا، ويسمح بالاتصال المباشر بين تركيا وأذربيجان، مما سيسمح بتطوير التبادلات المادية بين بلدّين "أخَوَيْن". ومن ثم، أعطى التسلح التركي ميزة لأذربيجان أيضاً: لقد أتاح هذا الصراع التأكيد  مرة أخرى، كما في سوريا وليبيا، على تقدم صناعة الدفاع التركية.

على الرغم من كلّ شيء؛ فإنّ روسيا هي التي صنعت هذا السلام. وقد حرصت موسكو على جني كل ثمار هذه العملية، وكان الترتيب مع تركيا أيضاً من بين أهداف التسوية النهائية؛ حيث تراكمت نقاط الخلاف بين موسكو وأنقرة في الأشهر الأخيرة.

اقرأ أيضاً: خبراء: 4 أهداف وراء تحركات تركيا الأخيرة في ليبيا

بالنسبة إلى الروس؛ فإنّ نتيجة الصراع إيجابية، لأنّها تسمح بإعادة التوازن بين الأذريين والأرمن، ويظهر أنّ الروس هم الذين يضعون القانون في المنطقة (خاصة فيما يتعلق بأرمينيا، لأنّ فلاديمير بوتين لم يكن على علاقة جيدة مع رئيس الوزراء الأرمني نيكول باتشينيان). كما أنّه يساعد على إخماد حماسة تركيا، من خلال إظهار أنها ليست من يضع القواعد. من الواضح أن بوتين يريد أن يقتصر دور الأتراك على الظهور في لجنة مراقبة ناغورنو كاراباخ. موسكو في الواقع ترفض الوجود التركي على الأرض. وبالتالي، فإنّ مكاسب الأتراك ليست واضحة تماماً، وقد نجح الروس في "تصحيح الأمور"، في علاقاتهم مع تركيا: بالنسبة لهم، هي شريك مهم، لكنّها شريك تنافسي، يقدرونه ويعملون على احتوائه، لإبقاء الغرب تحت الضغط.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://static.lesclesdumoyenorient.com/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية