بالصور والفيديوهات... هكذا أبهر موكب المومياوات الملكية في مصر العالم

بالصور والفيديوهات... هكذا أبهر موكب المومياوات الملكية في مصر العالم


04/04/2021

اجتازت مصر أمس، بنجاح مبهر، اختباراً طوعياً وضعت نفسها فيه من أجل إبراز صورتها في الداخل والخارج، تمثل في احتفاليتها لنقل 22 مومياء في موكب مهيب، من المتحف المصري في ميدان التحرير إلى متحف الحضارة في مدينة الفسطاط.

ويفتح المتحف أبوابه لاستقبال الجماهير منذ صباح اليوم، وسوف تُعرض المومياوات على الجمهور للمرّة الأولى في 18 نيسان (إبريل) الجاري، بالتزامن مع يوم التراث العالمي، وقد تسابق الجمهور، سواء الذين تراصّوا على جنبات الطرق للتلويح للموكب، أو الذين حضروا إلى ميدان التحرير وسط القاهرة، لالتقاط الصور وإطلاق منبهات السيارات، في مشهد كرنفالي شعبي.

استطاعت مصر الحشد للفعالية كأعظم حدث تاريخي يُعاد تقديمه في العصر الحديث

وبذكاء لافت، استطاعت مصر الحشد للفعالية كأعظم حدث تاريخي يُعاد تقديمه في العصر الحديث، مستغلة الفضول نحو الماضي، والإمكانيات التي يتيحها الحاضر، والقلق المشوب على المستقبل، لتقفز قفزة غير مسبوقة في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث التوظيف الأمثل للقوى الناعمة وتاريخ الدولة، في بعث رسائل عن الحاضر والمستقبل.

عُدّ الموكب كفيلم وثائقي يُبث حياً، وقد نجح الفريق الإخراجي الذي يتقدّمه المخرج الشاب عمرو عزيز في إحداث لا مركزية مهيبة في الحدث

المصريون أنفسهم كانوا أوّل من استقبل تلك الرسائل، مّمن نصبوا لجان التقييم وجلسوا حكاماً لها خلف الشاشات، وبعضهم وقفوا في انتظار الموكب في الطرقات، يستعدون لإطلاق الحكم على قدرات حكومتهم على تنظيم حدث كهذا، دون بهرجة أو ابتذال أو رسائل سياسية دعائية مباشرة.

وعلى خلاف العادة في بث الرسائل المباشرة المسيسة، خرج المشهد أمس بهياً، لا يتصدر الاهتمام فيه سوى التاريخ، والحاضر القادر على إعادة روايته على نحو مبهر كالتاريخ ذاته.

الملك رمسيس السادس في موكب المومياوات الملكي

بالأمس، وقبل أن يتحرّك الموكب المهيب، بعروضه الخلابة، وتنظيمه الدقيق، كان الأحفاد يتناقلون قصص الملوك المنقولين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويصيغون النكات التي يشتهر بها المصريون، ويتساءلون عن شعور تحتمس الثالث وهو يُنقل إلى جوار حتشبسوت، والأخيرة حكمت بدلاً منه بعد وفاة زوجها؛ أي إنها سلبت تحتمس حقه في وراثة العرش أعواماً طويلة.

مع غروب شمس 3 نيسان (إبريل) بمجرّد بدء بث الحدث حيّاً عبر التلفزيون المصري بلغات مختلفة، تقلصت مساحة المزاح، وحلّت الهيبة على المصريين بفعل الموكب، الجميع عيونهم مشدودة نحو الشاشات، يتساءلون أيّ شيء أكثر إبهاراً؛ المركبات التي تنقل الملوك، أم الكاميرات المثبته في التوابيت من الداخل، أم دقة التوابيت وروعتها، أم الأوركسترا الرائعة وأنشودتها الفرعونية.

 

قراءة عبارات على المعبد اليهودي الذي رمّمته مصر ومنها: "لا تسرق... لا تشتهِ ما بيد جارك"، لم تمرّ دون أن يتوقف المصريون أمامها

 

وبحسب ما تناقله النشطاء، فإنّ الأغاني التي ردّدوها أثناء مرور الموكب مأخوذة من كتاب الموتى "ترانيم المهابة"، وهي نصوص الأهرامات في مصر القديمة وبعض الأشعار المكتوبة على واجهات المعابد.

أمّا الأطباق البلورية المضيئة التي تصدّرت الموكب محمولة من قبل استعراضيين يرتدون الزي الفرعوني، فهي، بحسب ما أوضحه الباحث الأثري عماد مهدي، لصحيفة "الوطن"، ترمز لقرص الشمس رع الذي يشعّ نوره لينير الظلام، وذلك سبب ظهوره بشكل يشبه البلورة المضيئة.

أزياء فرعونية وعربات تجرها الأحصنة تتقدم الموكب

وأضاف: "كان القدماء يستخدمونه اعتقاداً منهم أنه ينير الطريق أمام موكب الملوك كرمز لنور الشمس التي تشرق على مصر، فهي رمزية تدل على أنّ الحضارة المصرية تنير العالم بعبقرية القدماء".

وتابع: "الشمس في معتقد المصري القديم، هي التي تنير العالم وتمدّه بالحياة، فشروق الشمس تعني ميلاداً جديداً وغروبها يعني الموت، ومن هنا كانت مدينة الأموات في البر الغربي، حيث تختفي الشمس وتموت، ثم تبعث من جديد في يوم جديد لتعلن حياة جديدة"..

 

من بين الملوك الذين تم نقلهم: مومياوات الملك رمسيس الثاني، والملك سقنن رع، والملك تحتمس الثالث، والملك سيتي الأول، والملكة حتشبسوت

 

وقد شارك في تغطية الحدث أمس 400 صحفي من مصر ومن دول العالم، جلسوا في مقصورة في ميدان التحرير يراقبون الحدث ويوثقونه بكاميراتهم، بينما كان الرئيس المصري في متحف الحضارة ينتظر الموكب، من صالة الاحتفالات الكبيرة في المتحف، والتي شهدت العزف الموسيقي، وفي الخلفية شاشة ضخمة تنقل الحدث والاستعراضات المتزامنة من الأهرامات والأقصر وغيرها من الأماكن السياحية.

وقد عُدّ الموكب كفيلم وثائقي يبث حيّاً، ونجح الفريق الإخراجي الذي يتقدمه المخرج الشاب عمرو عزيز في إحداث لا مركزية مهيبة في الحدث، فهو لم يقتصر على المناطق التي سيمرّ فيها الموكب، أو متحفي التحرير والحضارة، وإنما وظّف كل بقعة في مصر وكل رمز.

مومياء الملك تحتمس الثاني في موكب المومياوات الملكية

النيل، الأهرامات، المعابد، وقبل كل ذلك التقرير المصوّر الذي تصدره الفنان المصري خالد النبوي، والذي عكس ببراعة تنوّع النسيج المصري ووحدته، وإبهاره، دون أن يخلو من الرسائل المبطنة، سواء في رمزية الشال الفلسطيني الذي ظهر به الفنان في أكثر من لقطة داخل التقرير، أو قراءة عبارات على المعبد اليهودي الذي رممته مصر، ومنها: "لا تسرق... لا تشتهِ ما بيد جارك"، والتي لم تمرّ دون أن يتوقف المصريون أمامها، ويبرزونها رسالة دعم للفلسطينيين.

وخلال مرور الموكب، التقطت عدسة الصحافي والمصور المصري عبد الله عويس صورة عُدّت الأبرز والأكثر تداولاً خلال الحدث، حيث أسرة مصرية بسيطة تلوّح من شرفتها للموكب وهو يمرّ، وتظهر الطفلة وهي تمسك علماً وبجوارها سيدة تلوّح، في اتصال لافت بين الأحفاد والأجداد.

والاتصال لم يقتصر على الماضي والحاضر أو الأحفاد والأجداد، بل عُدّ اتصالاً متعدّد الاتجاهات، فمثلاً أوصل الموكب أمس جسراً من الثقة بين المصريين وقيادتهم السياسية التي تهتم على نحو غير مسبوق بالآثار، والترويج السياحي، وتقديم مصر في صورة حضارية، غير أنّ ذلك لم يمنع البعض من الإشارة إلى أنّ تلك الملفات ليست كافية لبناء الجسر، بينما ما زالت قضايا عدة عالقة في مقدّمتها ملف الحرّيات.

أمّا الجسر الآخر الذي نجح الموكب في مدّه، فهو يتمثل في صورة مصر بالخارج، الحضارة التي تمثلها، والتاريخ الذي تملكه، بالتزامن مع أدوار عدة تلعبها على الساحة الإقليمية مؤخراً.

الأغاني التي ردّدوها أثناء مرور الموكب مأخوذة من كتاب الموتى "ترانيم المهابة"

وللمرّة الثانية في مدة وجيزة تتعلق الأنظار العالمية نحو مصر، الأولى نحو أزمة جنوح السفينة العملاقة في قناة السويس وتوقف حركة الملاحة العالمية لـ5 أيام، والتي استطاعت أن تحوّلها مصر من محنة إلى منحة بتعويم السفينة وحدها، دون قبول عروض مساعدات انهالت عليها من الشرق والغرب.

وفي غضون أيام من ذلك التعويم، خرج الأجداد من سُباتهم، 22 مومياء، 18 ملكاً و4 ملكات من عصور الأسرة الفرعونية الـ17 إلى الـ20، على متن عربات مزينة على الطراز الفرعوني تحمل أسماءهم، بحسب الترتيب الزمني لحقب حكمهم، لتجول شوارع القاهرة وتصل إلى المتحف، فتستقبل بـ21 طلقة مدفعية، في تقليد عسكري حديث، ينمّ عن التشريف والاحتفاء.

ومن بين الملوك الذين تمّ نقلهم: مومياوات الملك رمسيس الثاني، والملك سقنن رع، والملك تحتمس الثالث، والملك سيتي الأول، والملكة حتشبسوت، والملكة ميريت آمون زوجة الملك آمنحتب الأول، والملكة أحمس-نفرتاري زوجة الملك أحمس.

تعليق الإعلام الأجنبي

وقد وصفت وسائل الإعلام العالمية الحدث بـ"المهيب" و"المبهر"، وقال موقع "صوت أمريكا": القاهرة تنظّم موكباً مهيباً لنقل 22 من المومياوات الملكية إلى متحف الحضارة، ووصف موقع "تي كي ميديا" الروسي الموكب بـ"العرض الذهبي"، بحسب الأهرام.

واختارت شبكة "سي إن إن" عنواناً لتغطيتها للحدث التاريخي الذي وصفته بأنه موكب غير مسبوق، وقالت: إنه في عرض ملكي تمّ تنظيم موكب غير مسبوق لملوك مصر القديمة في شوارع القاهرة، بحسب ما أورده موقع مصراوي.

وسلّطت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" الضوء على الحدث، في تغطية خاصة لها قائلة: "في ترتيبات أمنية مشددة، نقلت المومياوات إلى مكانها الجديد، في حدث يتناسب مع دمائهم الملكية ووضعهم ككنوز وطنية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية