بعد الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن.. ماذا عن المأساة الفلسطينية؟

بعد الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن.. ماذا عن المأساة الفلسطينية؟


26/04/2021

في السريع من ردود الأفعال حول اعتراف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أول من أمس السبت، بالإبادة الجماعية للأرمن على يد العثمانيين، علقت إسرائيل من خلال وزارة الخارجية: "تعترف دولة إسرائيل بالمعاناة والمأساة الرهيبة للشعب الأرمني"، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.

وأضافت الوزارة: "تقع على عاتقنا وعلى دول العالم خاصة هذه الأيام مسؤولية التأكد من عدم تكرار مثل هذه الحوادث".

سال حبر كثير عن ازدواجية المعايير في مقاربة الصراعات الدولية، فهل يأتي يوم تكسر الإدارة الأمريكية هذا الانطباع، وتنصف ضحايا ما زالوا يعانون؟!

ويحمل التعليق الإسرائيلي الكثير من المفارقات، لاسيما فيما خص "مسؤولية التأكد من عدم تكرار مثل هذه الحوادث"، مع أنّ الوقائع اليومية التي تجري في فلسطين والأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1948، تؤكد أنّ حوادث الإبادة الجماعية والتهجير والاستيطان وسرقة الأرض والماء والسماء والتاريخ، تتم على قدم وساق، فهل هناك أشد من هذه الإبادة الجماعية، وهل تتقدم الإدارة الأمريكية خطوة في طريق الحق، وتعترف بالإبادة الجماعية للفلسطينيين؟

يشار إلى أنّ إسرائيل لا تعترف حتى الآن "بقتل الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى على أنه إبادة جماعية"، بحسب "يديعوت أحرونوت"، ولهذا دلالة بالغة المعاني!

إنصاف الضحايا

ولا ريب في أنّ المأساة الأرمنية تحتاج هذا الاعتراف بعد مرور أكثر من مئة عام على ارتكابها، فمن أبسط الحقوق هو إنصاف الضحايا وتعويضهم، وهذا ما سلط الضوءَ عليه تقرير خاص نشرته صحيفة "واشنطن بوست" تناول تفاصيل ما حدث في عام 1915 عندما أقدمت الإمبراطورية العثمانية على قتل حوالي 1.5 مليون أرمني خلال الحرب العالمية الأولى.

ووفق التقرير، الذي نشرت "الحرة" أجزاءً منه، ففي عام 1908 سيطرت مجموعة تسمى "الأتراك الشباب" أو "تركيا الفتاة" على الحكومة ووعدت بالإصلاحات الدستورية العلمانية في الإمبراطورية التي كانت تضم أعراقاً مختلفة، لكن وبحلول عام 1913 تحولت الإمبراطورية إلى ديكتاتورية شاملة.

وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، وجد الأرمن أنفسهم على جانبيْ جبهة القتال بين العثمانيين والروس.

وجندت الحكومة العثمانية الرجال الأرمن للقتال، ولكن عندما تكبد الجيش خسائر فادحة، ألقت باللوم عليهم، متهمة إياهم بالتعاون مع العدو. تم نزع سلاح الجنود الأرمن وقتلهم على يد القوات العثمانية، وفقاً لتقرير الصحيفة الأمريكية.

إسرائيل لا تعترف حتى الآن "بقتل الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى على أنه إبادة جماعية"، ولهذا دلالة بالغة المعاني!

ويشير التقرير إلى أنه في 24 أبريل 1915، اعتقلت الحكومة حوالي 250 من القادة والمثقفين الأرمن.

ويحيي الأرمن ذكرى الإبادة في 24 أبريل، لأنه التاريخ الذي ينظر إليه من قبل الكثيرين على أنه تاريخ بداية المذبحة.

وشهدت الأشهر التي تلت ذلك، قتل معظم القادة الأرمن، كما أجبر الجيش القرويين الأرمن على ترك منازلهم وساروا في مسيرات طويلة وقاسية إلى معسكرات الاعتقال في ما يعرف الآن بشمال سوريا والعراق.

ويقول التقرير إنّ العديد منهم توفي في الطريق، فيما مات آخرون جراء المجاعة في المخيمات.

كما اعتقلت القوات غير النظامية والسكان المحليون الأرمن في قراهم وذبحوهم، ووفق المؤرخين فقد قتل ما بين 600 ألف و 1.5 مليون أرمني.

وأجبر من تبقى منهم على اعتناق الإسلام في الكثير من الحالات، وتبنت الأسر المسلمة الأيتام الأرمن، كما منحت منازلهم وأعمالهم التجارية التي خلفوها للمسلمين.

اقرأ أيضاً: لماذا قرر بايدن الاعتراف بإبادة الأرمن؟ وما تداعيات القرار؟

واعترفت تركيا التي نشأت عند تفكك الإمبراطورية العثمانية في 1920، بوقوع مجازر لكنها ترفض عبارة الإبادة، مشيرة إلى أنّ منطقة الأناضول كانت تشهد حينذاك حرباً أهلية رافقتها مجاعة، ما أودى بحياة بين 300 ألف إلى نصف مليون أرمني وعدد كبير من الأتراك.

يذكر أنّ إجراءات كانت تهدف للاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن قد تعطلت لعقود في الكونغرس الأمريكي، وأحجم الرؤساء الأمريكيون عن وصفها بذلك خشية تأثر العلاقات مع تركيا سلباً وبفضل اللوبي الكبير الذي جندته تركيا في الولايات المتحدة ضد تلك الإجراءات.

الأرمن في شرق الأناضول

كانت الهضبة الجبلية العظيمة في شرق الأناضول، وهي في شرق تركيا حالياً، مأهولة لعدة قرون بشكل أساسي من قبل الأرمن المسيحيين الذين تقاسموا المنطقة مع الأكراد المسلمين، بحسب "بي بي سي" التي تنقل عن دائرة المعارف البريطانية.

وحكمت المنطقة في العصور القديمة والوسطى سلسلة من الأسر الأرمنية على الرغم من أنها غالبا ما واجهت توغلات من قبل قوى خارجية.

وانتهى الاستقلال السياسي الأرمني إلى حد كبير نتيجة سلسلة من الغزوات والهجرات من قبل الشعوب الناطقة بالتركية بداية من القرن الحادي عشر، وفي القرنين الخامس عشر والسادس عشر تم بسط سيطرة الأتراك تماماً على تلك المناطق ودمجها في الإمبراطورية العثمانية الشاسعة.

وقد احتفظ الأرمن بشعور قوي بالهوية القومية تجسد في اللغة الأرمنية والكنيسة الأرمنية، وتعزز هذا الشعور بفضل نظام الملل العثماني الذي منح الأقليات غير المسلمة استقلالية إدارية واجتماعية كبيرة.

اقرأ أيضاً: ماذا يعني اعتراف بايدن بإبادة الأرمن؟.. وكيف جاءت ردود الفعل التركية والدولية؟

وفي بداية القرن العشرين كان هناك حوالي 2.5 مليون أرمني يعيشون في الإمبراطورية العثمانية تركز معظمهم في شرق الأناضول.

كما عاش عدد كبير من الأرمن خارج الحدود الشرقية للإمبراطورية العثمانية في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا.

وكانت حياة القرويين وسكان المدن الأرمن في الإمبراطورية العثمانية صعبة؛ حيث كانوا غالباً ما يتعرضون لمعاملة قاسية من قبل الأكراد المهيمنين على المنطقة، كما كانت المحاكم المحلية والقضاة يحابون المسلمين في كثير من الأحيان في أي نزاع، ولم يكن للأرمن ملاذ يُذكر عندما يقعون ضحايا للعنف أو عندما يتم الاستيلاء على أراضيهم أو مواشيهم أو ممتلكاتهم، بحسب دائرة المعارف البريطانية.

مزارعون فقراء

وكانت الغالبية العظمى من الأرمن مزارعين فقراء، لكن القليل منهم حقق النجاح كتجار وحرفيين، وقد أدت مشاركة الأرمن في التجارة الدولية في القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى إنشاء تجمعات أرمنية مهمة في إسطنبول ومدن الموانئ العثمانية وفي مناطق بعيدة مثل الهند وأوروبا.

وعلى الرغم من سيطرة المسلمين على المجتمع العثماني، إلا أنّ عدداً قليلاً من العائلات الأرمنية تمكنت من الوصول إلى مناصب بارزة في البنوك والتجارة والحكومة.

فعلى سبيل المثال، كان كبار مهندسي البلاط العثماني، لعدة أجيال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، من عائلة البليان الأرمنية.

ورغم ذلك، أدى بروز وتعاظم نفوذ النخبة الأرمنية المتعلمة والعالمية إلى إثارة الشك والاستياء بين المسلمين، وفي القرن التاسع عشر، كافح الأرمن ضد فكرة أنهم عنصر أجنبي داخل الإمبراطورية العثمانية وأنهم سيخونونها في النهاية ليشكلوا دولتهم المستقلة.

اقرأ أيضاً: الذكرى الـ106 لـ"المذبحة".. أبرز المعترفين بالإبادة الجماعية للأرمن

وكان النشطاء الأرمن الشباب، وكثيرون منهم من القوقاز في روسيا، قد سعوا إلى حماية بني جلدتهم من خلال التحريض على إقامة دولة مستقلة، فشكلوا حزبين ثوريين هما هينشاك وداشناكتسوتيون في عامي 1887 و 1890.

ولم يكتسب أي من الحزبين دعماً واسعاً بين الأرمن في شرق الأناضول، الذين ظلوا إلى حد كبير موالين للدولة العثمانية، وكانوا يأملون بدللاً من ذلك في أن يضغط المتعاطفون معهم في أوروبا على الإمبراطورية العثمانية لتنفيذ إصلاحات وضمان الحماية للأرمن، لكنّ نشاط الثوار الأرمن أجج الخوف والقلق بين المسلمين.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إنّ المشاعر المعادية للأرمن تحولت إلى أعمال عنف جماعية عدة مرات في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

اقرأ أيضاً: وثيقة تاريخية.. كيف أدان الأزهر مذابح الأرمن قبل 100 عام؟

فعندما رفض الأرمن في منطقة ساسون في عام 1894 دفع ضريبة جائرة قتلت القوات العثمانية آلاف الأرمن في المنطقة.

وبدأت سلسلة أخرى من عمليات القتل الجماعي في خريف عام 1895 عندما تحول قمع السلطات العثمانية لمظاهرة للأرمن في اسطنبول إلى مذبحة.

وإجمالاً، قُتل مئات الآلاف من الأرمن في مذابح بين عامي 1894 و 1896، والتي عُرفت فيما بعد بمذابح الحميدية. وقُتل حوالي 20 ألف أرمني آخر في أعمال عنف ومذابح في أضنة في عام 1909.

"مذابح الأرمن" بعد الحرب العالمية الأولى

على الرغم من أنّ سوء الإدارة العامة والظروف الجوية القاسية كانت الأسباب الرئيسية للهزيمة في الحرب العالمية الأولى، فقد سعت حكومة تركيا الفتاة إلى تبرير هزيمتها بـ "الخيانة الأرمنية" فتم تسريح الجنود الأرمن وغيرهم من غير المسلمين في الجيش ونقلهم إلى كتائب عمالية، وتم بعد ذلك قتل الجنود الأرمن المنزوع سلاحهم بشكل منهجي على يد القوات العثمانية، وهم كانوا أول ضحايا ما سيصبح لاحقاً مذابح الأرمن، وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية.

وفي نفس الوقت تقريباً، بدأت القوات غير النظامية تنفيذ عمليات قتل جماعي في القرى الأرمنية بالقرب من الحدود الروسية.

وقد وفرت المقاومة الأرمنية ذريعة للسلطات لاستخدام إجراءات أشد قسوة، ففي نيسان (أبريل) من عام 1915 تحصّن الأرمن في مدينة وان في الحي الأرمني بالمدينة، وقاتلوا ضد القوات العثمانية، وفي 24 نيسان (أبريل) أمر طلعت باشا باعتقال ما يقرب من 250 من المفكرين والمثقفين والسياسيين الأرمن في اسطنبول، بينهم عدد من النواب في البرلمان العثماني، وقد قُتل معظم الرجال الذين تم اعتقالهم في الأشهر التالية، وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية، نقلاً عن مصادر المقاومة الأرمينية.

اقرأ أيضاً: تركيا تبدأ العام بتدمير كنيسة مدينةٍ حمت الأرمن من مذابح 1915

وبعد فترة وجيزة من الهزيمة في ساري قاميش، بدأت الحكومة العثمانية في تهجير الأرمن من شرق الأناضول على أساس أنّ وجودهم بالقرب من الخطوط الأمامية يشكل تهديداً للأمن القومي.

وفي مايو (أيار) من ذلك العام أصدر البرلمان العثماني تشريعاً يسمح رسمياً بالتهجير القسري، وطوال صيف وخريف عام 1915 نُقل المدنيون الأرمن من منازلهم وساروا عبر الوديان والجبال في شرق الأناضول نحو معسكرات الاعتقال الصحراوية.

وقد رافق التهجير القسري، الذي أشرف عليه مسؤولون مدنيون وعسكريون، حملة قتل جماعي ممنهجة نفذتها القوات غير النظامية، وعندما وصل الناجون إلى صحراء سوريا عانوا في معسكرات الاعتقال حيث مات الكثيرون منهم جوعاً.

اقرأ أيضاً: 30 دولة تعترف بالإبادة العثمانية للأرمن: هل ثمة أكاذيب أخرى لدى أنقرة؟

وحسب التقديرات المحافظة فإن ما بين 600 ألف إلى أكثر من مليون أرمني قتلوا أو ماتوا خلال عمليات التهجير.

ألا ترقى هذه الإبادة إلى ما حدث للشعل الفلسطيني منذ ما قبل تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، وما سبق ذلك من مذابح وصفتها المراجع التاريخية بأنه يندى لها جبين البشرية.

سال حبر كثير عن ازدواجية المعايير في مقاربة الصراعات الدولية، فهل يأتي يوم تكسر الإدارة الأمريكية هذا الانطباع، وتنصف ضحايا ما زالوا يعانون؟!

الصفحة الرئيسية