تركيا تبدأ العام بتدمير كنيسة مدينةٍ حمت الأرمن من مذابح 1915

تركيا تبدأ العام بتدمير كنيسة مدينةٍ حمت الأرمن من مذابح 1915


04/02/2021

جون لوبوك

تُعدّ كوتاهية مدينة ذات تاريخ مثير للاهتمام. ففي 1915، عندما أمر المجلس العسكري العثماني بتصفية المجتمعات الأرمينية في جميع أنحاء تركيا، رفض الحاكم فائق باي اتباع الأوامر، مما ساعد على إنقاذ المجتمع الأرمني في المدينة.
أخبرني آرا صرافيان، المؤرخ الذي أنتجْتُ فيلما عنه في 2016، عن "إنقاذ الأرمن في جميع أنحاء مقاطعة كوتاهية في 1915. وبلغ عددهم حوالي 4 آلاف شخص وفقا للإحصاءات العثمانية الرسمية". وذكر أنه "في بورصا واسكي شهير المجاورتين، اختفى حوالي 75 في المائة من الأرمن بين عامي 1915 و1916 وفقا لتقرير طلعت باشا عن الإبادة الجماعية للأرمن".
لسوء الحظ، لم ينجُ أرمن كوتاهية من تبعات تأسيس الجمهورية، ففي 1922، أجبرهم الجيش الوطني على المغادرة، "نتيجة لشكاويهم لقادتهم الروحيين في كوتاهية"، وفقا لكاتب في منتدى نقاش حول ماضي المدينة الأرمني. وحدد المنتدى ثلاث كنائس أرمنية قيل إنها كانت موجودة في المدينة قبل سنة 1915:

أم الرب المقدسة- القديس توروس- والقديس سركيس.

أعتقد أنه يمكنك رؤية إحدى هذه الكنائس في هذه الصورة القديمة للمدينة التي وجدتها على الإنترنت. ربما يكون البرج الآخر هو برج كنيسة أرثوذكسية يونانية لا يزال قائما، رغم أنه يبدو في حالة سيئة.

...

في 26 يناير 2021، بدأت تقارير تنتشر على موقع تويتر تفيد بأن الكنيسة الثانية، القديس توروس، هُدمت على الرغم من كونها تندرج ضمن اتفاقية حماية التراث الثقافي في 2019.  وقد ضمّن أريس نالجي، الذي يعمل محررا في صحيفة أكوس الأرمنية التركية الأسبوعية، صورة اتفاقية الحماية الدولية، التي لم تذكر اسم الكنيسة، لكنها تنص على أنها في حي غازي في كوتاهية.

اهتممت بمعرفة المزيد عن هذه الكنيسة، لأنني أعمل على مشروع لتسجيل جميع التراث الثقافي والمواقع الأثرية في تركيا، والتي تشمل الكنائس والمدارس والأديرة الأرمينية التي كانت موجودة قبل سنة 1915  باستخدام ويكي بيانات، الشقيق لموقع ويكيبيديا. 

يُعدّ إنشاء بيانات مفتوحة حول المواقع التاريخية للمواقع الأرمينية أمرا مهما للقدرة على اعتماد هذه البيانات لإنشاء خرائط تفاعلية ومواد مرئية أخرى. فهناك الآلاف من هذه المواقع، ولا توجد قائمة متاحة تشملها كلّها حاليا.

اكتشفت أن الكنيسة التي دُمّرت كانت على الأرجح في شارع يسمى سينيما سوكاك، لأن الكنيسة أصبحت قاعة سينما بعد مغادرة الجالية الأرمنية. ويمكنك السفر في هذا الشارع على خرائط غوغل، وهذا ما يمكنك رؤيته. 

...

 كما اتصلت بأريس نالجي، الذي أطلعني على بعض الصور الأخرى للكنيسة التي التقطها صديق له، ووضعتها هنا بإذن منه.

...

ويبدو الجدار الخارجي بالتأكيد في نفس المكان. وربما تم تدمير الكنيستين الأخريين بالفعل. ومن خلال اتصالات آرا صرافيان، اكتشفنا أن إحدى الكنائس الأخرى قد هُدمت لإفساح المجال لمكتب بريد. وحددت موقع مكتب البريد وقاعة السينما على خريطة غوغل لهذه المدينة.

...

في حين يجب تسليط الضوء على أمثلة لتدمير مواقع التراث الثقافي، يجب الإشارة إلى أن هناك جهودا نجحت في الحفاظ على التراث في تركيا. وتحوّلت كنيسة أرمنية في قيصري لتصبح مكتبة في 2018، وتمكنت صحيفة "حرييت" من تجنب استخدام كلمة "أرميني" في مقالها حول المبنى.

عندما زرت جنوب شرق تركيا في 2015، رأيت أن العديد من المجتمعات الكردية تهتم بالمواقع الأرمنية، بما في ذلك كنيسة القديس كيراكوس التي تم ترميمها في دياربكر. وبالمثل، وفي قرية بور، وافق الأكراد على منع تدمير المنقبين عن الذهب لدير أرمني.
مع ذلك، نشهد محو الكثير من تراث الأرمن والأقليات الأخرى من الجغرافيا التركية. لذلك، تتضاعف أهمية تسجيله رقميا قبل خسارته. ولهذا السبب، أعمل على مسح موسوعة أرمينية من سنة 1903، قدمها لي صرافيان، بهدف استخدامها كمصدر لإنشاء بيانات مفتوحة عن كل مدرسة وكنيسة ودير أرمني كانت موجودة في تركيا قبل الإبادة الجماعية في 1915. ولا يوجد الآن سوى كنيسة أرثوذكسية يونانية واحدة متداعية في كوتاهية، ويمكنك رؤيتها في الفيديو أدناه. وتبدو معرضة لخطر الانهيار الشديد إذا لم ترمم.

من خلال الحفظ الرقمي، يمكننا إنشاء خرائط تفاعلية تُظهر الموقع، بالإضافة إلى الصور الفوتوغرافية والوسائط الأخرى حول كل معلم أرميني في تركيا. من المفترض أن يساعد هذا في حالات مثل كنيسة القديس توروس، التي تدمّرت على الرغم من تسجيلها كموقع محمي في 27 أغسطس 2019 لدى مجلس الحماية الإقليمي لوزارة الثقافة. ووفقا لمقال نالجي، قال المالك هاكان ديجيرمنشي أوغلو عن العملية إنها "نتيجة للنضال الذي أقاتله منذ سنوات، تم الهدم في يناير 2021. احتلت سينما سراي مكانها في تاريخ كوتاهية. وستعيش في الذكريات". ويبدو من المستبعد جدا أنه لم يكن يعلم أن المبنى كان هيكلا تاريخيا مهما، وليس مجرد قاعة سينما. لكن، لا يمكننا أن نلوم هذا الرجل على جهله أو عدم اهتمامه بالتاريخ. فقد خلق الإهمال المؤسسي للمواقع الأرمينية في جميع أنحاء تركيا وعدم الالتزام بحماية التراث فرصة الهدم. 

بينما تشير السلطات إلى مبان محددة مثل كنيسة أختمار على جزيرة بحيرة وان كأحد أمثلة الحماية، تبقى هذه الحالات نادرة، وغالبا ما لا تملك مجتمعات الأقليات ما يكفي من المال لدفع تكاليف أعمال الترميم الباهظة بمفردها. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك، نذكر دار أيتام الروم الأرثوذكس في جزر الأمراء في إسطنبول.

هناك المئات من الكنائس الأخرى في جميع أنحاء تركيا مثل القديس توروس، لكن معظمها غير مسجلة، مما يصعّب حمايتها. ولا تمنح وزارة الثقافة التركية قائمة متاحة للجمهور لمواقع التراث التي يمكن للآخرين استخدامها. لهذا السبب أحاول أن أجمعها بنفسي، وأعلم أن المنظمات الأخرى تبذل جهودا مماثلة.

ولكن، لماذا تُترك جهود حماية التراث الثقافي التركي على عاتق المتطوعين؟ يبدو أن الحكومة التركية مهتمة بالحدّ من الحرية الأكاديمية أكثر من العمل مع الأكاديميين للحفاظ على التراث الثقافي. بينما يمكن أن يُساعد التاريخ الثقافي الغني تركيا في استقطاب المزيد من السياح، فضلا عن المساهمة في خلق فهم أكاديمي أفضل للماضي. وعلى وزارة الثقافة التركية أن تبذل المزيد من الجهد لتسجيل المواقع التراثية المعرضة لخطر التدمير وحفظها، فمن غير المرجح أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي تُهدم فيها كنيسة قديمة في تركيا.

عن "أحوال" تركية

الصفحة الرئيسية