محاكمة أنصار الشريعة في تونس تكشف التضامن الإيديولوجي بين الإخوان والجماعات الإرهابية

محاكمة أنصار الشريعة في تونس تكشف التضامن الإيديولوجي بين الإخوان والجماعات الإرهابية

محاكمة أنصار الشريعة في تونس تكشف التضامن الإيديولوجي بين الإخوان والجماعات الإرهابية


04/04/2024

لم يكن البيان الذي أصدرته حركة النهضة، الذراع السياسية للإخوان في تونس، لمواكبة الأحكام القضائية التي صدرت بحق منفذي عملية اغتيال الشهيد شكري بلعيد، خلال الساعات الأولى من صباح يوم 27 آذار (مارس) الماضي، يهدف فقط إلى التنصل السريع من واقعة الاغتيال، وربط الأحكام القضائية مباشرة بخلية التنفيذ، لكن مشاغلة الرأي العام بذلك، من دون الاعتداد بخطورة التخطيط والتمويل، وتوفير البيئة المناسبة لمثل تلك الجرائم السياسية.

قالت حركة (النهضة) التونسية: إنّ ما توصلت إليه الأجهزة الأمنية بكل تخصصاتها في قضية اغتيال شكري بلعيد، وما انتهت إليه الدوائر القضائية من تفاصيل؛ "تُعدّ بشكل يقيني أدلة على براءتنا". وذكّرت الحركة في بيانها بأنّها سبق أن طالبت بأن تكون المحاكمة علنية، وأن تنقل مباشرة ليطلع الرأي العام على حيثياتها ومجرياتها. واعتبرت (النهضة) أنّ صدور الأحكام في قضية الاغتيال ينبغي أن ينهي "المتاجرة بدم الشهيد"، وأن يعيد الاعتبار لمن طالته الاتهامات السياسية "الباطلة والقاتلة"، وخاصة رئيس الحركة راشد الغنوشي، وفق نص البيان.

مناورة إخوانية مكشوفة

ثمّة تدقيق، وقراءة معمقة في نص البيان، يشير بكثير من اليقين إلى الأهداف السياسية التي حرصت حركة (النهضة) من خلال البيان أن تتحرك نحو تحقيقها، والعمل على التقاطع مع الرأي العام من جديد عبر  مناورة البيان. وتدرك الحركة جيداً أنّ الأحكام صدرت بحق خلية التنفيذ فقط. غير أنّ مسار جلسات أخرى ستشتبك مع وقائع الجهاز السري للحركة، كما أنّ ذلك سيكشف بالحتمية كيف جاء التخطيط والتمويل لتنفيذ تلك الجرائم.

ومع ذلك حرصت حركة (النهضة) على إصدار البيان، ورفع الأكفّ لتبيان طهارة اليد من دم الشهيد شكري بلعيد، رغم كونها تعلم جيداً أنّ مسار الأحكام في تلك اللحظة لن يمسها كون خلية التنفيذ تتبع جماعة (أنصار الشريعة)، بينما سياقات التخطيط والتمويل والمسؤولية السياسية محل بحث وتحرٍّ في سجلات القضاء.

في هذا السياق تشير النائبة التونسية فاطمة المسدي إلى أنّه بالنسبة إلى قضية الاغتيالات التي طالت الشهيدين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي، فإنّ الأحكام الصادرة مؤخراً كانت بحق الخلية التي قامت بالتنفيذ، وهي مكونة فقط من الأفراد الذين نفذوا عملية الاغتيال، وأغلبهم من حركة (أنصار الشريعة).

وتتابع النائبة عن دائرة صفاقس تصريحاتها التي خصت بها (حفريات) قائلة: أمّا بالنسبة إلى مسار التمويل ومن خطط ومن دبر لتلك العمليات وغيرها، فهذا أمر ستكشف كافة تفاصيله مع تحقيقات القضاء وأحكامه، في ملف الجهاز السري الذي سيتم النظر في كافة ملفاته عن قريب في أروقة القضاء.

نحو ذلك تقول المسدي: إنّه من المنتظر أن تصدر أحكام قضائية خاصة بهذا الملف خلال عدّة أسابيع، الأمر الذي نعتبره تتمة للأحكام التي صدرت بحق منفذي عملية الاغتيال.

إذاً، حينها، والحديث للمصدر نفسه، سيتم فضح كافة السبل التي اعتمدتها حركة (النهضة) وجهازها السرّي الذي خطط ودبر لكل تلك الجرائم بحق التونسيين والبلاد.   

إلى ذلك، تقول النائة التونسية فاطمة المسدي: إنّه يقيناً بعدما تصدر كل الأحكام التي ستفصح عن كافة الصلات والعلاقات فيما بين حركة (النهضة) وجماعة (أنصار الشريعة) في مسألة الاغتيالات، "أعتقد أنّه سيكون بعد ذلك له انعكاس سياسي كبير، وقد نصل إلى قرار حل حركة (النهضة) قضائياً، وتصنيفها تنظيماً إرهابياً".

أمّا بالنسبة إلى بيان حركة (النهضة)، فترى المسدي أنّ توقيت خروجه في مسار استباق لما قد سيتم في الأيام المعدودة القادمة من كشف للحقيقة، وكيف تورطت حركة (النهضة) في الاغتيالات وغيرها من الجرائم، ممّا يدفع نحو القول إنّ قيادة الحركة ارتأت العمل على مشاغلة الرأي العام بهذا البيان، خاصة أنّها تدرك تماماً أنّ ما سيكشفه القضاء خلال الفترة القادمة سيضع الكلمة الفصل والأخيرة في مسارها التنظيمي.

طبيعة الأحكام الصادرة

من جانبه، يشير العميد السابق في الحرس الوطني علي الزرمديني إلى أنّه فيما يتعلق بالأحكام القضائية التي صدرت ضد منفذي جريمة قتل الشهيد شكري بلعيد كانت ضد  أطراف انتمت إلى الجماعة الإرهابية (أنصار الشريعة).

ويضيف الزرمديني في حديثه لـ (حفريات): "نحن نعلم جيداً في ذلك الوقت كيف كان هناك تهدئة وارتباط سياسي شبه إيديولوجي بين هذه الجماعة وبين حركة (النهضة) التي كانت تدير شأن البلاد. ونحن أيضاً نعلم أنّه من خلال الفيديوهات التي تسربت كانت هنالك لقاءات بين راشد الغنوشي والسلفيين وقيادات أصلاً من أنصار الشريعة".

والدولة في زمن حكم حركة (النهضة) منحت كل التسهيلات في ذلك الوقت تحت إشراف "الترويكا" لجماعة (أنصار الشريعة) للقيام بنصب الخيمات الدعوية، وامتلاك المنابر الإعلامية والهيمنة على بعض المساجد للتأثير على الشباب للاندماج ضمن الجماعات الإرهابية.

وبالتالي هنالك مسؤولية سياسية لم يقع النظر فيها في هذه الأحكام؛ فالأحكام اتجهت أساساً إلى الأطراف التي نفذت العملية الإجرامية في حدّ ذاتها. لكنّ هنالك مسؤولية سياسية تمّ التغاضي عنها، وفق المصدر. الذي أردف: "المسؤولية السياسية قائمة، ولم تقع بعد محاسبة حركة (النهضة) على اعتبار أنّها كانت هي التي تملك بزمام الحكم والسلطة في تلك الفترة، ومن بين التسهيلات التي منحت للعناصر الجهادية، فرار أبو عياض القائد الروحي وقائد عمليات تنظيم (أنصار الشريعة) من جامع الفتح بتونس العاصمة، بتعليمات من وزير الداخلية علي العريض، النائب الأول لزعيم الحركة راشد الغنوشي. وذلك رغم أنّ الأمن في تلك الفترة كان مسيطراً عليه، وكان الأمن يدير الوضع في المنطقة المحيطة بجامع الفتح. لكن سهل له الفرار، تحت داعي أنّه أنقذ تونس من حمّام دم".

التضامن الإيديولوجي والمسؤولية السياسية

هناك تضامن إيديولوجي مباشر وغير مباشر بين حركة (النهضة) وبين (أنصار الشريعة)، وهذا الانسجام وهذا التفاعل وهذا التقارب لا يمكن إخفاؤه، بحسب المصدر ذاته، ولو كان تقارباً شكليّاً، لكان انهار بعد أن تم اتخاذ القرار تحت ضغط أمريكي لتصنيف (أنصار الشريعة) تنظيماً إرهابياً، هنا اهتز الحبل وانقطع الخيط وذاب التواصل تحت ضغط مفروض خارجياً.

وعليه، فالمسؤولية السياسية اليوم ظاهرة، وإن كان لم يتم أخذها بعين الاعتبار، وفق المصدر ذاته، مشيراً إلى أنّ المحاكمات سوف تتلاحق بالنسبة إلى قيادات حركة (النهضة)، على اعتبار أنّ من تمّ إيداعهم بالسجن من قيادات الصف الأول لحركة (النهضة). واليوم  تلاحقهم قضايا أخرى لم يبت فيها القضاء نهائياً، بل هي من خلال بحث ابتدائي تمّ الاحتفاظ بهم ثم تمّت إحالتهم على حاكم التحقيق، وحاكم التحقيق أصدر فيهم بطاقات إيداع، وهم الآن رهن الإيقاف التحفظي، وليس الاحتفاظ، ولم تقع إحالة ملفاتهم على الدوائر التي تنظر فيها.

وهذه الدوائر بطبيعة الحال، هناك إحالات على مستوى دوائر جنائية، وهنالك إحالات على مستوى دوائر جناحية، وهم إلى حدّ الآن محل شبهة واتهام، ولم يقع إصدار الأحكام في شأنهم. ومن بين هذه الملفات المعلومة لدى الجميع "ملف التسفير إلى بؤر التوتر"، و"ملف جوازات السفر"، و"ملف الأموال الواردة من الخارج"، و"ملف التصرف في عدد من مؤسسات الدولة". كما أنّ هناك عدداً من القضايا التي تلاحقهم، سواء من كانوا في السجون، أو من هم خارج الحدود، والذين ارتبطت بهم تلك التهم وارتبطت بهم تلك القضايا. وثمّة تتابع وتسلسل لأحكام ستصدر لاحقاً بشأن هؤلاء. ومن بين القضايا الأعمق تلك التهم التي تتعلق بقضايا أمن الدولة، ومحاولة إسقاط النظام، كتهم حديثة ارتبطت ببعض الشخصيات من قيادات حركة  (النهضة). إذاً ستتوالى الأحكام، وسيتمّ استكمال بقية الملفات وكشف كافة الجرائم التي ستبدو للناظرين جرائم متعددة ومترابطة ومتشابكة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية