تجريم "الإسلام السياسي" في النمسا

تجريم "الإسلام السياسي" في النمسا


18/11/2020

أحمد أميري

لعل النمسا من أكثر دول العالم إدراكاً لخطورة الفكرة ووقع الكلمة، فأدولف هتلر نمساوي الأصل، وقد وضع كتابه المشؤوم «كفاحي» أثناء قضاء فترة محكوميته في سجن لاندسبرج، إثر اتهامه بتدبير انقلاب في ألمانيا، وهو الكتاب الذي تضمن شرحاً تفصيلياً للأيديولوجية النازية التي دمرت أوروبا.
قيم النازية التي تتجلى في العنصرية، والتشدد ضد الأعراق الأخرى، وعلو جنس على جنس آخر، والإيمان بقمع وإبادة الأعراق «الدنيا»، والمحافظة على طُهر الأعراق «العليا»، كانت مجرد أفكار وعبارات وكلمات صادرة من ثرثار عنصري، لكنها استحالت آلةً للقتل، ومبرراً للإبادة، بعد أن آمن بتلك الأفكار ملايين الأشخاص حتى أوصلوا هتلر إلى السلطة، ثم ساقهم إلى الجحيم وهم لا يشعرون. 
وبعد ضربة موجعة تلقتها النمسا مؤخراً على يد نمساوي ألباني يدعى «كويتيم فيض الله»، أردى أربعة أشخاص وأصاب عشرين آخرين في جريمة بدافع ديني، حزمت النمسا أمرها مع أيديولوجية «الإسلام السياسي» التي لا تقل خطورة وسُمّية عن الأيديولوجية النازية، فقد أعلن رئيس الحكومة النمساوية عن مقترح لقانون سيعرض على البرلمان للتصويت عليه باستحداث جريمة جنائية تسمى «الإسلام السياسي»، تمكّن السلطات من اتخاذ إجراءات قانونية ضد مَن يخلقون أرضية خصبة للإرهابيين، أي ملاحقة من يروجون للأيديولوجية التي تحرّك الإرهابيين ضمن الأقليات المسلمة. 
هذه الجريمة التي يجري استحداثها في النمسا تعد في الحقيقة من جرائم «الكلام»، وكثيراً ما انتقدت الدول والمنظمات الغربية القوانين العربية التي تجرّم مثل ذلك الكلام تحت خانة خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وكان الرأي الغربي إلى وقت قصير هو أن ذلك «الكلام» مجرد لقلقة لسان لا ترقى إلى مرتبة الفعل المادي، وتندرج ضمن حرية الرأي والتعبير، وفي تجريمها انتهاك لحقوق الإنسان!

وها هي النمسا تخطو خطوتها الأولى نحو تجريم ذلك «الكلام»، لأنه يحمل مضامين لا تتفق مع الثقافة الغربية والقيم الأوروبية، بل تخلق الأرضية الخصبة للإرهاب، وهذه الخطوة ليست ردّ فعل على الحادث الإرهابي الأخير، بل تأتي ضمن حالة من الاستنفار الأوروبي بدأت منذ سنوات، ومحاولة إصلاح ما أفسدته السياسات الأوروبية على مدى عقود في المسألة الإسلاموية. 
الخطوة النمساوية متأخرة لكنها صحيحة، فما يدعو إليه «الإسلام السياسي» ليس مجرد كلام، وإنما شيء يشبه الأيديولوجية النازية، مع اختلاف بسيط في أنه يستند إلى الدين لا العرق، فالكلمة مفتاح الفعل، والطريق إليه، ومن يجلس مع نفسه ويفكّر في الأشياء التي تحركه وتوجهه وترسم له مساره في الحياة، سيجد أن الكثير من المحركات هي مجرد كلمات كان قد سمعها، وأنه يسعى على طول الخط إلى تحقيقها والامتثال لها. 
والمشحون بأفكار التفوق الديني، والاستعلاء على الآخر دينياً، واستيحاش العالم وكراهيته، سيعمل على إقامة دولة داخل الدولة، يعيش فيها مع أشباهه من الغاضبين المحبطين، وقد لا يطيق صبراً إلى أن تينع الثمار، وتأتي مرحلة التمكين التي قد تستغرق عمر أجيال من الناس، فيخرج إلى الشارع ويمارس القتل والعنف.

عن "الاتحاد" الإماراتية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية