تركيا تحثّ الخطى في المدار الروسي

تركيا تحثّ الخطى في المدار الروسي


كاتب ومترجم جزائري
27/11/2021

ترجمة: مدني قصري

تركيا حليف في حلف الناتو منذ عام 1952، وفي 6 تشرين الأوّل ( أكتوبر) أشاد الأمين العام لحلف الناتو، الساذج جينس ستولتنبرغ، بتركيا باعتبارها "حليفاً مهمّاً لعب دوراً رئيساً في هزيمة داعش"، وهما في الواقع تقييمان غير صحيحَين بشكل فادح؛ فتركيا لم تعد حليفاً في الناتو كي تصبح حليفاً لروسيا، وتتكوّن الميليشيات غير النظامية التي تحتفظ بها تركيا في سوريا من فلول الجيش الجهادي لداعش (الدولة الإسلامية).

اقرأ أيضاً: أردوغان يستبق زيارته إلى روسيا بهذه التصريحات... ما علاقة النظام السوري؟

على الرغم من عدم مصافحته للرئيس جو بايدن على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في أيلول (سبتمبر)؛ فقد لعب الرئيس الإسلامي التركي، رجب طيب أردوغان، دورَ العاشق المرفوض. في 29 أيلول (سبتمبر) هرع الرئيس التركي إلى سوتشي، في البحر الأسود، لعقد لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبعد عودته من نيويورك قال أردوغان للصحفيين؛ إنّ "علاقات تركيا مع الولايات المتحدة لا تبشّر بالخير".

في برنامج "وجهاً لوجه مع الأمة" "Face the Nation" السياسي، على قناة "CBS" الأمريكية، قال أردوغان إنّ رفض الولايات المتحدة تسليم تركيا مقاتلات "F-35" وصواريخ "باتريوت" أجبر تركيا على اللجوء إلى نظام الصواريخ المضادة للطائرات الروسي S-400، وللتذكير فقد استمرّ هذا الخلاف بين تركيا وحلف شمال الأطلسي في ظلّ إدارتَي كل من الرئيسين ترامب وبايدن.

يحاول الرئيس أردوغان أن يجعل تركيا مثالاً فريداً للتناقض السياسي: أن تظل تركيا حليفاً "لا يقدَّر بثمن" في حلف الناتو، وأن تعقد تحالفاً إستراتيجياً وعسكرياً مع روسيا

"في المستقبل، لا أحد يملك الحقّ في إبداء الرأي في أنظمة الدفاع التي نشتريها، أو البلدان الموردة أو مستوى إمداداتنا، لن نتسامح مع أيّ تدخل، قال أردوغان، مضيفاً: "نحن لا نقبل بأيّ تأثير على قراراتنا"، تخطط تركيا لشراء دفعة ثانية من صواريخ S-400 الروسية، وتطالب بتعويض قدره 1,4 مليار دولار عن طائرات "F-35s"، التي لم يتم تسليمها بعد مرور فترة وجيزة على طرد تركيا من اتحاد البناء الدولي "International Construction Consortium" الذي تقوده الولايات المتحدة.

المخاطر

المخاطر آخِذة في الارتفاع في الوقت الحالي؛ إذ يلعب أردوغان بالورقة الروسية لكنّه ما يزال يأمل في الإفلات من المزيد من العقوبات الأمريكية بسبب صفقة الـ "S-400"، وفي غضون ذلك قال مكتب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، روبرت مينينديز؛ إنّ القانون الأمريكي يفرض معاقبة "أيّ كيان يقيم حركة من الأعمال مع الجيش أو المخابرات الروسية"، وقد كتبت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي على تويتر: "أيّة عملية شراء جديدة من جانب تركيا يجب أن تؤدي إلى عقوبات جديدة"، في إشارة إلى القرار الأمريكي الصادر في كانون الأوّل (ديسمبر) 2020، المتضمن فرْض قانون "CAATSA" (قانون العقوبات المفروضة على أعداء أمريكا) على تركيا لحصولها على صواريخ "S- 400".

في سوتشي، التقى أردوغان ببوتين دون وسطاء آخرين غير المترجمين الفوريين، متحدّياً بذلك التقاليد الدبلوماسية، ووصف الزعيمان الاجتماع؛ بأنّه "مفيد" وقد ابتسم الرئيسان للكاميرات، وقال أردوغان إنّ تركيا وروسيا اتفقتا على فتح تعاون بشأن تقنيات الدفاع الإستراتيجي، بما في ذلك الطائرات والمحركات والغواصات والفضاء، إضافة إلى ذلك فتحت أنقرة وموسكو مناقشات بشأن بناء محطتين روسيّتين للطاقة النووية في تركيا، إضافة إلى المفاعل النووي البالغ قيمته 10 مليارات دولار قيد الإنشاء بالفعل على ساحل البحر المتوسط ​​التركي".

في سوتشي، التقى أردوغان ببوتين دون وسطاء آخرين غير المترجمين الفوريين، متحدّياً بذلك التقاليد الدبلوماسية، ووصف الزعيمان الاجتماع بأنّه "مفيد" وقد ابتسم الرئيسان للكاميرات

ستجعل هذه القرارات الإستراتيجية تركيا، حليف الناتو، أكثر اعتماداً على روسيا، الدولة التي تعدّ أيضاً موردها الرئيس للغاز الطبيعي.

قال يوجين كوغان، محلل الدفاع والأمن المقيم في تبليسي، بجورجيا، لمعهد غاتستون: "الهوّة بين تركيا والغرب تتزايد باطراد".

اقرأ أيضاً: روسيا تستهدف ميليشيا تابعة لتركيا في سوريا... ما القصة؟

"الرئيس بوتين وإدارته على دراية كبيرة بنقاط ضُعف تركيا: أ: اقتصاد متدهور، ب: جائحة خارجة عن نطاق السيطرة، ج: ارتفاع أسعار الغاز حتى وإنْ فكّرت روسيا في بيعه لتركيا بسعر مناسب، د: مشتريات عسكرية تثير العداء في مجلس الشيوخ الأمريكي".

تصريحات تدق ناقوس الخطر

قال أيكان إردمير، وهو عضو سابق في البرلمان التركي ويعمل الآن مديراً لدائرة تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن؛ إنّ تصريحات أردوغان يجب أنْ تنبّه وتستنفر المسؤولين في إدارة بايدن. كتب إردمير: "تصريحات أردوغان بشأن شراء منظومة دفاع جوي ثانية من طراز "S-400" من روسيا يجب أن تدقّ مثل ناقوس خطر في آذان المسؤولين في إدارة بايدن، الذين وصفوا تركيا الشهر الماضي بأنّها "شريك لا يقدر بثمن"، و"حليف مهمّ لحلف الناتو".

"إنّ إصرار أردوغان على الحصول على دفعة ثانية من صواريخ S-400 مؤشّر جيّد على شعور الرئيس التركي بالإفلات من العقاب، حيث عرض أردوغان سابقاً، في حزيران (يونيو)، على إدارة بايدن، المساعدة في إدارة انسحاب أمريكا من  أفغانستان.

"إفلات أردوغان من العقاب جاء أيضاً نتيجة التأخير الذي فرض به ترامب قانون مكافحة الإرهاب على أنقرة، ولم تحدُث هذه العقوبات إلا بعد ضغوط من الحزبين في الكونغرس، وفقط في الشهر الأخير من رئاسة ترامب. كما أنّ خفّة العقوبات لم يكن لها أيُّ أثر رادع".

اقرأ أيضاً: لماذا تخشى روسيا من النفوذ التركي؟ خبير روسي يجيب

"سيواصل الرئيس التركي لعب دور المُنغّصين والمُعكّرين في داخل الناتو وسيقدّم لبوتين فرصاً جديدة لتقويض التحالف عبر الأطلسي وقِيمه".

"إدارة بايدن مدينة لتركيا بمساعدتها في أفغانستان، الأمر الذي سوف يحدّ بشدة من مجال المناورة لديها، لا يمكن لواشنطن أن تتعامل مع تجاوزات أنقرة بقدر ما تستحقه هذه التجاوزات، هناك حاجة إلى عمل من الحزبين في الكونغرس لإعادة بناء ردع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضدّ تحديات الرئيسَين التركي والروسي".

يحاول الرئيس أردوغان أن يجعل تركيا مثالاً فريداً للتناقض السياسي: أن تظل تركيا حليفاً "لا يقدَّر بثمن" في حلف الناتو، وفي الوقت نفسه؛ أن تعقد تحالفاً إستراتيجياً وعسكرياً مع روسيا. لن يتوقّف تدليس أردوغان وغشّه مع الغرب إلا إذا تُوِّجت علاقتُه الغرامية مع روسيا بتكلفةٍ رادعة".

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

fr.gatestoneinstitute.org




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية