تونس الغاضبة تواجه سيناريو الفوضى مجدداً.. هل من بديل؟

تونس الغاضبة تواجه سيناريو الفوضى مجدداً.. هل من بديل؟


18/02/2021

ككرة الثلج تتصاعد الأزمة في تونس باتجاه سيناريو الفوضى، خاصة في ظل زيادة حدة التوتر بين السلطات الثلاث؛ الرئاسة والبرلمان والحكومة، واشتعال الغضب في الشارع وانضمام فئات جديدة لساحات الاعتصام والتظاهرات التي لم توقف في البلاد على مدار سنوات، ولكن يبدو أنها قد بلغت ذروتها خلال الأيام الماضية خاصة بعد واقعة إهانة المؤسسة العسكرية من جانب أحد قيادات حركة النهضة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان في البلاد، وما تبعها من موجات غاضبة محملة باعتبارات وأسباب كثيرة ومتعددة لكن تظل مسارات تيارات الأيدلوجيا الدينية المتطرفة هي عقدتها الأخطر والأهم.

بلحاج: الأخطر في الأزمة التونسية أنّ القوّة الفاعلة تنتمي إلى الإسلام السّياسي في تعبيراته الإخوانيّة الأصليّة والتّعبيرات المتفرّعة عنها والأكثر تشدّداً

ويصف مراقبون تونسيون الأزمة في البلاد بأنها الأخطر والأكثر تعقيداً على مدار السنوات الماضية، وتقول الدكتورة زهرة بلحاج أستاذة الحضارة بجامعة قرطاج، إنه مع مطلع هذه السّنة الجديدة 2021، كان التّونسيون يأملون انفراجاً ولو بسيطاً في أوضاعهم التي بلغت من التّأزّم أشدّه، إذ كانت البلاد تعيش طيلة العشريّة الأخيرة أزمة مركّبة اقتصاديّة وماليّة وسياسيّة وصحيّة خانقة، بكلّ تبعاتها الاجتماعيّة إذ سجّلت نسبة النموّ لأوّل مرّة منذ الاستقلال رقماً سلبيّاً بلغت نسبته (8,8-%) في سنة 2020، ممّا انعكس في ارتفاع غير مسبوق في نسب البطالة والفقر وتدهور القدرة الشّرائيّة.

 خيبة أمل

وترى بلحاج أنّ أملهم لم يكن في موضعه لأنّ جميع المؤشّرات تؤكّد تواصل الأزمة بل وتفاقمها في غياب شبه كامل لما يمكن أن يمثّل بداية نور في نهاية النّفق، خاصّة مع غياب قيادة سياسيّة واعية بخطورة الوضع ولها من الكفاءة والمشروعيّة ما يمكّنها من تجاوزه، وفي ظلّ سيادة الرّداءة على المشهد السّياسيّ عموماً وهنا يكمن داء تونس اليوم.

 الدكتورة زهرة بلحاج

وتعتقد بلحاج أنه بعد الثّورة تم تفكيك النّخب السّياسيّة والثّقافيّة الفكريّة التي تكوّنت في ظلّ دولة الاستقلال الوطنيّة المدنيّة، حكماً ومعارضة، وأنه من الواضح "وجود أجندة إقليميّة ودوليّة للدّفع بنخب جديدة إلى مراكز النّفوذ، ومن أهمّ صفاتها: الهواية السّياسيّة وقلّة الخبرة وضعف الانتماء الوطني لأنّها في الغالب عاشت في الخارج واندمجت من ارتباطاتها بقوى أجنبيّة بعضها معروف وبعضها غامض".

اقرأ أيضاً: أزمة الحكومة التونسية تتعقد بعد إصرار المشيشي على التصعيد بهذا القرار

وتشير إلى أنّ، الأخطر أنّ "القوّة الفاعلة في ذلك تنتمي إلى الإسلام السّياسي في تعبيراته الإخوانيّة الأصليّة والتّعبيرات المتفرّعة عنها والأكثر تشدّداً وإن كانت تدور جميعها في فلك حركة النّهضة التي تحكم تونس منذ 2012 إلى اليوم، بشراكة صوريّة مع بعض الأطراف الرّديفة. وذلك بالرّغم من كونها لم تفز في الانتخابات الأخيرة إلاّ بحوالي 20% من الأصوات، وهو ما يُفسّر بطبيعة القانون الانتخابي الذي صاغته على قياسها وحسب مصلحتها تماماً كما صاغت الدّستور الجديد القائم على تفتيت سلطة الدّولة مثلما تمّ تفتيت التّمثيليّة البرلمانيّة".

 أسباب استفحال الأزمة السياسية

تقول الكاتبة التونسية إنّ المطّلع على هذه الحقائق لا يستغرب من استفحال الأزمة السّياسيّة التي تواجه تونس اليوم بين الرّئاسات الثلاث: رئاسة الجمهوريّة ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، وهي أزمة تُؤجّجها من وراء السّتار حركة النّهضة حماية لقياداتها من المساءلة في الملفّات الخطيرة المتعلّقة بهم في صلة بالاغتيالات السّياسيّة والتّخابر مع أطراف أجنبيّة ونهب المال العامّ والمسّ من المصالح العليا للدّولة.

تضيف: "قد بدا في الآونة الأخيرة أنّ رئيس الجمهوريّة يهدّد بإثارة هذه الملفّات باعتباره رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، كما بدا واضحاً أنّه يتصدّى لخطّة الغنّوشي الرّامية إلى تحويل رئاسته للبرلمان إلى تركيز ولاية الفقيه على غرار النّظام الإيراني أو تحويل النّظام الجمهوري إلى نظام الجمهوريّة الإسلاميّة من خلال إعلان نيّته في التّرشّح لرئاسة الجمهوريّة في الانتخابات القادمة".

بلحاج: البلاد تعيش طيلة العشريّة الأخيرة أزمة مركّبة اقتصاديّة وماليّة وسياسيّة وصحيّة خانقة، بكلّ تبعاتها الاجتماعيّة

وتتابع: "في هذه الأزمة التي أجّجها رئيس البرلمان وشيخ الحركة راشد الغنّوشي بين رأسيْ السّلطة التّنفيذيّة، أصبحت حكومة هشام المشيشي مشلولة تماماً بسبب امتناع الرّئيس قيس سعيد عن قبول أداء عدد من وزرائها لليمين الدّستوريّة لتعلّق شبهات فساد ببعضهم، ومخالفة رئيس الحكومة لبعض الإجراءات الدّستوريّة، بينما تقف حركة النّهضة إلى جانب السيّد المشّيشي وتمنعه من أيّ تراجع في هذه المواجهة تحت ضغط سحب الثّقة من حكومته في البرلمان. وقد طغت هذه الاعتبارات الحزبيّة والحسابات المصلحيّة على توجّهات الأطراف المتداخلة في هذه الأزمة وخاصّة حركة النّهضة على الاعتبارات الوطنيّة الملحّة ومطالب الشّعب التّونسي الحيويّة في الشّغل والأمن والعيش الكريم والصحّة، ناهيك أنّه الشّعب العربيّ الوحيد الذي لم تصله إلى اليوم تلاقيح وباء كورونا وهو الثّاني إفريقيّاً في نسبة الوفيات بما يقرب ثمانية آلاف متوفّي وذلك بسبب غياب الأموال الضّروريّة وقلّة اهتمام القيادات السّياسيّة".

 حركة النهضة وجهود لا متناهية للتخريب

وتقول بلحاج: "لم تقف جهود حركة النّهضة الإخوانيّة عند هذا الحدّ لتخريب أسس الدّولة الوطنيّة الحداثيّة خدمة لمشروعها القروسطي الحالم ببعث الخلافة العثمانيّة، بل تجاوزت ذلك إلى بثّ الفتنة في الجهات الدّاخليّة وخاصّة في الجنوب التّونسي حيث تتوفّر قاعدة اجتماعيّة ملائمة (تفشّي النّزعة العشائريّة، تعرّض المنطقة إلى شيء من التّهميش قبل الثّورة، صعوبة الظّروف الطّبيعيّة)، فقد أعلن شيخ الجماعة السيّد راشد الغنّوشي في مدينة قفصة، المنطقة المنجميّة الجنوبيّة المعروفة بحركيّتها الاجتماعيّة، أنّ هذه الجهات لها كامل الحقّ في عائدات الثروات الطبيعيّة الموجودة بها وحسب قوله "لا تحلّ الصّدقة إلاّ بعد اكتفاء أهلها". وقد جاءت هذه "الفتوى" تحريضاً مباشراً لشباب تلك الجهات فخرجوا في مسيرات عنيفة ونظّموا الاعتصامات وعطّلوا حركة إنتاج البترول والفسفاط وهو أوّل منتوج تصديريّ في تونس، بل قطعوا الماء عن مدينة صفاقس في الجنوب الشّرقي وطرد بعضهم عدداً من الموظّفين القادمين من جهات أخرى، وكثيراً ما هاجموا المقرّات الأمنيّة ومقرّات السّيادة محاولين إحراقها.

وبالرّغم من أنّ هذه المناطق الحدوديّة هي مناطق عسكريّة مغلقة فإنّ المؤسّسة العسكريّة لم تتمكّن من حفظ المصالح الوطنيّة والحفاظ على هيبة القوات المسلّحة بسبب تراخي سلطة الدّولة وتواطؤ القرار السّياسي الواقع تحت ضغط حركة النّهضة وعدد من الجمعيّات الحقوقيّة المشبوهة. ولعلّ خير مثال على ما يجري منذ مدّة في منطقة الكامور بولاية تطاوين حيث تفرض جموع من الخارجين على القانون سلطتها وتعطّل إنتاج البترول والغاز، بل ويتفاوض ممثّلوهم مع ممثّلين عن الحكومة دون أن تكون لهم أيّ صفة قانونيّة".

اقرأ أيضاً: حركة النهضة الإخوانية تستعرض عضلاتها في تونس بهذه الطريقة

 وتستعجب بلحاج أن يجري كلّ ذلك أمام القوات العسكريّة المُلزمة بالحياد السّلبي، ولكنّها في الأيّام الأخيرة اضطرّت إلى التّدخّل لفرض القانون وحماية هذه المنشآت النفطيّة وإيقاف المهزلة ووضع حدّ للإهانات التي لحقت الجنود والضبّاط ومن خلالهم المؤسّسة العسكريّة، ونرجو أن يكون هذا التحرّك في إطار خطّة محكمة لاستعادة سلطة الدّولة الوطنيّة على كامل تراب الوطن ومختلف ثرواته بعيداً عن الضّغوطات والتّجاذبات السّياسويّة. وخارج حسابات الإسلام السّياسي ممثّلاً في حركة النّهضة وأذرعها الأخطبوطيّة المدعومة من بعض الأطراف الإقليميّة.

 وتتابع: "دأب قادتها منذ مدّة على تهديد المعارضين لهم بالحرب الأهليّة، وفي سابقة خطيرة في النّظم الدّيمقراطيّة، دعت النهضة وهي الحزب الحاكم، أنصارها إلى النّزول إلى الشّارع يوم 27/02/2021 لمواجهة المظاهرات الشّعبيّة السّلميّة ضدّ سياستها الكارثيّة على البلاد، وإن هذا حصل فعلاً،  فإنّه يهدّد  بانزلاق البلاد نحو فتنة وخيمة العواقب خاصّة بعد ظهور ميليشياتها الموازية لجهاز الأمن الرّسمي للمشاركة في قمع المتظاهرين السّلميين في شوارع العاصمة يوم 06/02/2021، في الذّكرى الثامنة لاغتيال الشهيد المعارض شكري بلعيد. وقد سبق لهذه الميليشيات النّزول إلى الشّارع والاعتداء بحماية أمنيّة على المتظاهرين السّلميين المعارضين لحكم النّهضة في سنتي 2012 و2013 وهي المرحلة التي تمّ فيها اغتيال الزّعيمين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي وسحل المناضل لطفي نقض حتّى الموت في الشّارع وعلى مرأى من الجميع وما يزال قاتلوه من الكوادر الجهويّة لحركة النّهضة بولاية مدنين ينعمون حتّى اليوم بالحريّة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية