تونس: تداعيات ليلة القبض على العقل السياسي المدبّر لـ"النهضة"

تونس: تداعيات ليلة القبض على العقل السياسي المدبّر لـ"النهضة"


13/01/2022

مؤشرات عديدة في تونس تؤكد أنّ المشهد السياسي مقبل على تغييرات عميقة، وأحداث غير متوقّعة من المقرّر أن تعجل بها الاعتقالات التي طالت بعض قيادات حركة النّهضة، وملفات الفساد و"الجرائم الانتخابية" التي قد يفتحها الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال الأسابيع المقبلة، بما يضع حداً لأكثر من أحد عشر عاماً من بقاء الحركة في الحكم.

ويبدو أنّ رياح ثورة الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها سعيّد في 25 تموز (يوليو) 2021، قد جاءت بما لا تشتهيه سفينة حركة النهضة في تونس، التي بدأت ثمارها بإيقاف العقل السياسي المدبر الذي يحمل كل أسرار الحركة ووزير العدل السابق نور الدين البحيري، بتهمة شبهات إرهابية ومنح جنسيات وجوازات سفر لقيادات إخوانية.

إقرأ أبيضاً: حركة النهضة بين التصعيد وشعارات المظلومية.. ماذا بعد توقيف نور الدين البحيري؟

يأتي ذلك قبل أن تقرر المحكمة الابتدائية بتونس، إحالة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي للمحاكمة بتهمة "جرائم انتخابية" إلى جانب 18 شخصية سياسية أخرى بينهم الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي ورئيسا الحكومتين السابقان يوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ.

جرائم انتخابية

وهذه المرّة الأولى منذ سنة 2011، التي تتم فيها إحالة مثل هذه الملفات على النيابة العمومية بعد أن كانت حبيسة التقارير التي تعدها دائرة المحاسبات، وتتعلق هذه الجرائم الانتخابية بالأساس بـ"جنح" مثل خرق يوم الصمت الانتخابي، أو إغراء الأشخاص بالمال، كما أنّها المرّة الأولى التي يحال فيها الغنوشي على المحكمة منذ عودته إلى تونس بعد ثورة 2011.

وفي هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي باسل ترجمان، أنّ سعيّد مصرّ على تطبيق القانون الذي تم تعطيله ومنع تطبيق فصوله خلال السنوات الماضية، حتى أصبحت القاعدة في تونس العمل خارج القانون، وصار تطبيق القانون شاذاً ومثيراً للجدل.

أنظار الرّأي العام اليوم تتجه إلى الخطوات المقبلة للرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي تم انتخابه من قبل ثُلثي الشعب، لمحاكمة الفاسدين والمتورطين في ملفات الإرهاب

ويتوقع ترجمان في حديثه لـ"حفريات"، أن يتم فتح الكثير من القضايا في الفترة القادمة، أهمها تورط الجهاز السري التابع لحركة النهضة في اغتيال معارضين سياسيين، خصوصاً أنّ أحد أعضائها (مصطفى خضر) مازال رهن الإيقاف في هذه القضية، إلى جانب قضايا إرهابية وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر.

المحلل السياسي باسل ترجمان: سعيّد مصرّ على تطبيق القانون الذي تم تعطيله ومنع تطبيق فصوله خلال السنوات الماضية

وشدّد ترجمان على أنّ مستقبل النهضة، التي حكمت تونس لأكثر من عقد من الزمن، على المحك، لافتاً إلى أنّها ستجني ثمار أفعالها، منذ دخلت البلد وسيطرت على الحكم، وعلى كل السلطات.

جرائم إرهابية

ويعدّ إيقاف نائب الغنوشي بحركة النهضة، ضربة قويّة تهدد بسقوط الحركة؛ فهو يعد صندوق "النهضة" الأسود، وهذا ما قد يفتح فصولاً جديدة من المواجهة مع الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي توعد بمحاسبة كل الخونة والفاسدين في أكثر من مناسبة.

وترى حركة النهضة أنّ طريقة إيقاف البحيري أخطر منعرجات الممارسات السياسية، التي تأتي في إطار حرب تصفية الحسابات السياسية، معتبرةً أنّ البحيري تعرض إلى عملية اختطاف، ووضع تحت الإقامة الجبرية، وهو ما يخالف بحسب تقديرها، القانون التونسي الذي ينصّ على وجوب أن يُعرَف مكان الإقامة الجبرية، لا أن يُقتاد الموقوف إلى مجهول.

قضايا إرهابية تلاحق نور الدين البحيري

من جانبه، يقول وزير الداخلية توفيق شرف الدين، إنّ قانون الطوارئ يخوّل وضع أيّ شخص تحت الإقامة الجبرية، حفاظاً على الأمن والنظام، موضحاً أنّ التهم الموجبة لوضع البحيري قيد الإقامة الجبرية، تتعلق بشبهات إرهاب جدية وموضوع أبحاث عدلية في علاقة بتقديم شهادات جنسية وجوازات سفر وبطاقات هوية بطريقة غير قانونية.

وتتوقع رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية في تونس، بدرة قعلول أن يفتح الرئيس سعيّد ملفات كل من انتهك حرمة الدولة التونسية، وعلى رأسهم حركة النهضة التي أفسدت البلد ودمرته، على أن يتحمل القضاء مسؤوليته للحسم في هذه الملفات.

بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية: معلومات كثيرة، بعضها موثق، سُلمت لأجهزة الأمن التونسي وتتعلّق بالإخبار عن تجاوزات الغنوشي

وبحسب معطيات كشفتها قعلول لـ"حفريات"، فإنّ معلومات كثيرة، بعضها موثق، سُلمت لأجهزة الأمن التونسي وتتعلّق بالإخبار عن تجاوزات الغنوشي، الذي تردّد بدوره عدّة مرات على الإدارة المركزية لمكافحة الإرهاب للتحقيق، مشيرةً إلى أنّه مورّط في قضايا الجهاز الأمني السري والاغتيالات السياسية وتسفير الشباب للالتحاق بمنظمات إرهابية.

الناشطة التونسية بدرية قعلول لـ"حفريات": معلومات كثيرة سُلمت لأجهزة الأمن التونسي وتتعلّق بالإخبار عن تجاوزات الغنوشي، الذي تردّد بدوره عدّة مرات على الإدارة المركزية لمكافحة الإرهاب للتحقيق

وترجّح قعول أن تكون الفترة القادمة حرجة جدّاً بالنسبة لحركة النهضة، خصوصاً بعد إيقاف رأسها المدبّر (نور الدين البحيري)، لأنّها ستشهد إيقافات من الوزن الثقيل، مؤكدةً أنّ الأمر حُسم في كل الملفات التي سُلمت للقضاء من أجل التحقق فيها.

حافظ أسرار الإخوان

ويوصف نور الدين البحيري بالعقل السياسي المدبر للتنظيم، وهو الرجل المقرب لرئيس حركة النهضة، وهو أيضاً من القيادات التي ظلت على دعمها ووفائها لزعيم الحركة، عندما انفضّت من حوله قيادات أخرى واختارت الانسلاخ عن الحركة،  وهو علاوة على ذلك أحد محركات النهضة، فهو الصندوق الأسود الذي يملك أسراراً كبيرة، وقد تكون إطاحته به بداية محاكمة لقيادات النهضة، وحصاد نتائج ما تم الحديث عنه من جرائم وفساد سياسي، طيلة عقد من الزمن عرفت فيه البلاد أزمات سياسية واقتصادية خانقة.

جرائم انتخابية تلاحق الغنوشي

ويتوقع الكاتب التونسي والمحلل السياسي محمد ذويب في تصريحه لـ"حفريات"، أن تتوسع موجة الاعتقالات ضد قادة حركة النهضة بعد إيقاف البحيري، الذي تحوم حوله عدة شبهات تتعلق بالجهاز السري والتسفير والإرهاب والاغتيالات السياسية، إلى جانب ابتزاز رجال أعمال واختراق القضاء والإثراء اللاشرعي، مما قد يؤدي إلى إسقاط رؤوس أخرى في الحركة أو بعض المرتبطين بها كبعض رجال الأعمال الفاسدين والقضاة والسياسيين من أحزاب أخرى.

ويشير ذويب إلى أنّ محاكمة قيادات الإخوان بات أمراً واقعاً اليوم، معتبراً أنّ تونس ستشهد نقلة سياسية نوعية في تاريخها، إذا ما تمكن القضاء التونسي من فتح ملفات الفساد وتبييض الأموال والإرهاب ومحاسبة كل السياسيين المتورطين الذين خربوا اقتصاد البلد وأمنه.

مصير غامض

ورغم محاولات حركة النهضة تقديم نفسها على أنّها حداثية وتحمل توجهاً جديداً للحركات الإسلامية، وهي بريئة من السلوك الإخواني، غير أنّ الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب العديد من الجرائم السياسية والإرهابية، جعلها محل انتقادات سياسية، لاسيما مع ارتفاع منسوب العنف والإرهاب بالبلاد، ووقوف قادتها المباشرين وراء عمليات الاغتيال السياسي وتسفير الشباب إلى بؤر القتال.

 وذهبت دعوات التونسيين إلى استئصال الحركة الإسلامية من المشهد السياسي التونسي ومن الحكم لإنقاذ البلاد، بعد عشرية سوداء سيطرت فيها على البرلمان والحكم، فيما زادت الصراعات الداخلية في الحزب، وانتهت باستقالة عديد القيادات بالتنظيم بسبب إصرار الغنوشي على تأجيل المؤتمر الداخلي ومواصلة ترؤس الحركة مدى الحياة.

إقرأ أيضاً: بانوراما تونسية: قيس سعيّد رجل القرارات الصعبة رغم الاختناقات

ويؤكد المحلل السياسي يوسف الوسلاتي لـ"حفريات"، أنّ سعيّد لم يفتح الحرب، بعد، ضد قيادات حركة النهضة، لأنّ القضايا التي يواجهها البحيري والتي تم الإعلان عنها إلى حدّ الآن، ليست ملفات ثقيلة وأقل بكثير من حجم التجاوزات التي ارتكبها حين كان وزيراً للعدل، مبيّناً أنّ ملفات الاغتيال السياسي، والجهاز السري للحركة، أهم الحلقات المفقودة التي لابد من كشفها للرأي العام التونسي. 

المحلل السياسي يوسف الوسلاتي: سعيّد لم يفتح الحرب، بعد، ضد قيادات حركة النهضة

ويعتبر الوسلاتي أنّ قراءات حركة النهضة ورسائل قادتها الذين اعتبروا تلك الاتهامات مجرد افتراءات وأكاذيب مفتعلة، بهدف تضليل الشعب عن الحقيقة، لم تخرج من ثوب الشعار المتكرر الذي ردده الإخوان في كل الدول التي تعرضوا فيها للسقوط المدوي في محاولة لتقمص دور الضحية والملائكة.

المواجهة بين النهضة وسعيّد إلى أين؟

لهجة التصريحات التي جاءت على ألسنة قادة الحركة، يجزم المحلل السياسي عبد الجبار المدوري أنّها وصلت نهاية مجال حلول الوسط بين حركة النهضة والرئيس التونسي، معتبراً أنّها تجاوزت مرحلة وجود صراع فعلي بين الطرفين، حيث يحاول كل طرف إلغاء الآخر، مما سيفتح الباب لمحاكمات قد تطال العديد من قيادات الحركة في ملفات مسكوت عنها.

وأشار المدوري في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ أنظار الرّأي العام اليوم تتجه إلى الخطوات المقبلة للرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي تم انتخابه من قبل ثُلثي الشعب، لمحاكمة الفاسدين والمتورطين في ملفات الإرهاب.

المحلل السياسي عبدالجبار المدوري: أنظار الرّأي العام اليوم تتجه إلى الخطوات المقبلة للرئيس التونسي لمحاكمة الفاسدين والمتورطين في ملفات الإرهاب

ويعتبر المدوري أنّ ملامح قيس سعيّد ونظراته إلى الغنوشي وبعض المقرّبين منه، في عدة لقاءات تشير إلى أنّ الرجل جاد في تجميع أوراق القوة بيده لمواجهة حركة النهضة، خاصّةً أمام محاولات الغنوشي الذي يسعى إلى استغلال وضعية الرئيس سعيّد، الذي لا يملك آلة حزبية وسياسية تحميه، ليتحرك وكأنّه الشخصية السياسية الوحيدة في البلاد، مرجّحاً أن يزور تركيا حليفه الإستراتيجي قريباً، لبحث سبل التخلّص من الرئيس.

و يتوقع المدوري أن تكون السنوات القادمة مفصلية في إعادة رسم وتحديد خريطة البلد بنهاية عديد الأحزاب والنخب السياسية التي حكمت البلاد، وسجن عديد القيادات السياسية الأخرى المتورطة في ملفات فساد، وتهم الإرهاب، مؤكداً أنّ المواجهة بين سعيّد والنهضة انتهت منذ أشهر لصالح الرئيس التونسي الذي كشف مخططات الحركة وعلاقتها بالفساد.

من جانبه، يعتقد المحلل السياسي محمد ذويب أنّ الشروع في تنفيذ تقرير دائرة المحاسبات المتعلق بالتجاوزات الانتخابية، قد يؤدي إلى كشف ملف اللوبينغ والتمويلات الأجنبية مما يعني محاسبة بعض الشخصيات والأحزاب التي ارتكبت خرقات انتخابية كحركة النهضة وقلب تونس وعيش تونسي، مرجحاً أن تنهي كل هذه الملفات حركة النهضة بشكلها القديم وتؤثر كثيراً في المشهد السياسي في تونس في الفترة المقبلة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية