تونس: حركة النهضة الإخوانية تحت مقصلة العدالة.. ما الجديد؟

تونس: حركة النهضة الإخوانية تحت مقصلة العدالة.. ما الجديد؟


07/02/2022

تواصل حكومة نجلاء بودن، فتح الملفات الجنائيّة الشائكة في تونس، والتي تثبت تورط حركة النهضة الإخوانيّة، في جرائم متعددة، تتعلق بالفساد المالي والإداري والاغتيالات السياسيّة، وتسفير المجاهدين إلى بؤر القتال، وكذا تكوين شبكة من العلاقات مع الميليشيات الإرهابيّة في ليبيا، طيلة العشرية التي هيمنت فيها على السلطة، سواء بشكل مباشر من خلال رئاسة الحكومة، أو بشكل ضمني من خلال التحالفات السياسيّة، في ظل الهيمنة على مجلس نواب الشعب.

نهج التحريض والشائعات

السلطات التونسيّة عبّرت عن حزمها تجاه تجاوزات حركة النهضة، وهو ما ظهر بوضوح في قرار فتح السلطات تحقيقاً ضد القيادي في الحركة، وصهر زعيمها، رفيق عبد السلام، وزير الخارجية الأسبق، فوفقاً لإذاعة "موازييك" التونسيّة، وجهت ليلى جفال، وزيرة العدل، طلباً إلى الوكيل العام لمحكمة الاستناف، ليأذن لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية، ليقوم بفتح تحقيق قضائي، ضد رفيق عبد السلام، في ظل تحريضه على الدولة، وادعاءاته الكاذبة، التي رافقت تمكين البريد التونسي للدولة، من خلاص أجور جزء من الموظفين، حيث زعم وزير الخارجيّة الأسبق، في تدوينة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، أنّه "تمّ الاستيلاء عنوة على مدخرات المواطنين في البريد؛ لدفع جرايات الموظفين، وفي المرة القادمة سيتم الاستيلاء على مدخرات المواطنين في البنوك؛ لدفع الجرايات الشهرية".

 عبد السلام طالب كل من له رصيد بنكي "أن يتحسس جانبيه من الآن؛ لأنه سيجد نفسه عرضة للسطو المنظم، من طرف دولة الإفلاس". في تحريض دعائي على سحب الودائع من البنوك، بكل ما يترتب عليه من تدمير الاقتصاد التونسي المتهالك.

حركة النهضة تحاول التغطية على فتح ملفات المحاسبة، من خلال نهجها المعروف بإثارة الفتن والشائعات، وضرب الاستقرار السياسي، وإجراءات العدالة الإصلاحيّة

ويبدو أنّ حركة النهضة تحاول التغطية على فتح ملفات المحاسبة، من خلال نهجها المعروف بإثارة الفتن والشائعات، وضرب الاستقرار السياسي، وإجراءات العدالة الإصلاحيّة، وكان آخر تلك التحركات، الدعوة للتظاهر يوم الأحد 6 شباط (فبراير) الجاري، "تضامناً مع الأستاذ نور الدين البحيري، وكل المحتجزين قسرياً، ورفضاً للانتهاكات التي طالت الحقوق والحريات؛ منذ الانقلاب على الدستور". بحسب مزاعمها، وهو ما أثار حالة من الغضب، لسببين؛ الأول: هو تحدي الحركة للإجراءات الصحيّة، في ظل الانتشار الواسع لفيروس كورونا، والثاني: هو أنّ موعد التظاهرات الذي حددته الحركة، يوافق الذكرى السنويّة لاغتيال المناضل السياسي، شكري بلعيد.

اقرأ أيضاً: تونس: حركة النهضة وحيدة في مواجهة أزمتها

الحركة عادت، في محاولة لامتصاص حالة الغضب، ليؤكد بيان لها، أنّ "الوقفة الاحتجاجيّة، التي كان من المزمع تنفيذها يوم الأحد 6 من الشهر الحالي، تم تأجيلها إلى غاية الأحد التالي، بشارع الحبيب بورقيبة، في قلب العاصمة التونسية". وطالبت الحركة من وصفتهم بـ"أنصار ومناضلي الشارع الديمقراطي، المناهض للانقلاب، إلى البقاء في وضعية الاستعداد والتأهب؛ لإقامة هذه الوقفة خلال الأسبوع المقبل".

محاولات يائسة للعودة إلى المشهد

سبق ذلك قيام رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، قبل أيام، بعقد جلسة افتراضيّة لمجلس النواب المجمّد، على تطبيق زووم، في محاولة جديدة لتحدي قرارات الرئيس قيس سعيّد، التي اتخذها مساء 25 تموز (يوليو) الماضي.

الغنوشي زعم في كلمته أمّام الجلسة أنّ "البرلمان ما زال حياً يرزق، وفي إمكانه استئناف جلساته". وهو أثار استياء التيارات والأحزاب السياسيّة التي قاطعت جلسة الغنوشي، وقال محسن النابتي، الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي: "دولة تحترم نفسها، لا تسمح بمهزلة مثل الحاصلة الآن، حيث ينتحل فيها مواطن، صفة رئيس برلمان منحل أو مجمّد، ويستدعي مطلوبين للعدالة، ومجموعة من الفارين إلى الخارج، في جلسة افتراضية، ويُسمّيها جلسة برلمانية". كما أكّد أمين عام حزب التيار الديمقراطي، غازي الشواشي أنّ الغنوشي يريد من خلال هذا العمل، العودة بتونس لما قبل إجراءات 25 تموز (يوليو) الماضي.

عبد السلام القصاص: تقرير اللجنة الوطنيّة لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، أثبت أنّ عدداً من قيادات حركة النهضة، جمعوا أموالاً طائلة، وبطرق غير مشروعة

وفي هذا السياق، علّق الدكتور عبد السلام القصاص، الباحث المصري في العلوم السياسيّة على تلك التحركات، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، مؤكداً أنّها مجرد "أفعال يائسة، تحاول بها الحركة الإخوانيّة تأجيل مصيرها المحتوم، خاصّة في ظل الأنباء الواردة عن تحرك جهات التحقيق، نحو توجيه إتهامات رسميّة لقيادات من الحركة، بتهمة الفساد المالي، وعليه يمكن فهم استماتة الحركة في الحشد خلف نائب رئيسها، نور الدين البحيري".

اقرأ أيضاً: الجهاز السري لحركة النهضة يكشف أقنعة "الإرهاب الإخواني" في تونس

القصاص لفت إلى أنّ تقرير اللجنة الوطنيّة لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، أثبت أنّ عدداً من قيادات حركة النهضة، جمعوا أموالاً طائلة، وبطرق غير مشروعة، واستناداً إلى تأكيدات الرئيس قيس سعيّد، فإنّ 460 شخصاً، من ضمنهم أعضاء في الحركة الإخوانيّة، قاموا بنهب ما مقداره 13.5 مليار دينار تونسي، بما يوازي 4.8 مليارات دولار أمريكي.

الفساد المالي والإداري

الرئيس التونسي قيس سعيّد، سبق وأن كشف فى لقائه مع عميد هيئة المحامين، وممثلي الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، أنّ "عدداً من البرلمانيين والمحامين، أصبحوا يمتلكون ثروات هائلة، تم نهبها من المال العام". وأضاف: "ثروة زوجة أحد المحامين، تبلغ 100 مليار دينار، وعقارات سكنية ومحلات؛ برغم أنّها عاطلة عن العمل". وكشف كذلك أنّ "نائباً فى البرلمان، يحصل على مبلغ قيمته 1500 مليون دينار، عندما تقلد مناصب فى الدولة".

من جهته، خصّ المحامي والناشط القانوني التونسي، حازم القصوري "حفريات" بتصريحات، علّق فيها على التحركات النشطة التي تشهدها جهات التحقيق التونسيّة حالياً، فيما يتعلق بملف الفساد المالي، مؤكداً أنّ "هناك ملفات عديدة تتبع الإخوان، من إرهاب وفساد؛ ما يفرض على الدولة توجيه اهتمامها، وفق إرادة حقيقية لفتح الملفات برمتها، وهذا في صميم الإصلاح المطلوب والمطروح في تونس، أكثر من أيّ وقت مضى؛ للقطع نهائياً مع الفساد والإرهاب، والانطلاق في بناء مسار ديمقراطي وطني حقيقي، ينحاز لسيادة القانون".

حازم القصوري: مارست حركة النهضة تجاوزات دستوريّة متعددة، وفصّلت قوانين اقتصاديّة لصالح رجال الأعمال التابعين، والمتحالفين معها، ما مكّنهم من الاستيلاء على أراضى الدولة، بأرخص الأثمان

أستاذ القانون الدولي التونسي، شدد على أنّ الشعب التونسي ينتظر الحسم في هذه الملفات العالقة، بشكل أو بآخر، وهي ملفات لا تتعلق بالنهب المباشر الذي مارسه الإخوان فحسب، وإنّما يرتبط كذلك بفساد قانوني وإجرائي، حيث مارست حركة النهضة تجاوزات دستوريّة متعددة، وفصلت قوانين اقتصاديّة لصالح رجال الأعمال التابعين، والمتحالفين معها، ما مكّنهم من الاستيلاء على أراضى الدولة، بأرخص الأثمان، وممارسة التلاعب فى الصفقات المرتبطة بالمشاريع الكبرى فى البلاد، إلى جانب الانتهاكات المريعة فى القطاع البنكي، وعليه يرى القصوري، أنّ المرور إلى مرحلة سياسيّة جديدة، تستجيب لطموحات الناس، وحقهم المشروع في العمل والكرامة والعدالة الإجتماعية؛ بعيداً عن الشعارات الانتخابية التي سوقها الإخوان، يتطلب سرعة إنجاز التحقيقات والخروج بها إلى العلن، لكشف الإخوان ومن على شاكلتهم، ومحاسبتهم على كل ما اقترفوه في حق الشعب من جرائم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية