"جماعة العدل والإحسان": واجهة إخوانية جديدة في العراق

"جماعة العدل والإحسان": واجهة إخوانية جديدة في العراق


09/10/2021

دخلَ تنظيم الإخوان المسلمين الساحة السياسية العراقية، بواجهة ثانية، تحت مسمى "جماعة العدل والإحسان"، إلى جانب واجهتهِ الأولى، المتمثلة في "الحزب الإسلامي العراقي"، الذي دائماً ما ينفي صلتهُ العضوية بالتنظيم الدولي بالجماعة الإخوانية المحظورة في أكثر من بلد عربي.
ويأتي تشكيل الجماعة الإخوانية الجديدة "العدل والإحسان" في إطار تكتيك سياسي ذهبَ إليهِ التنظيم مؤخراً، وذلك بحسب قراءات سياسية رأت أنّ تسميات جديدة كهذه، هي محاولة للابتعاد عن "المخرجات الفاشلة" للإخوان المسلمين في مصر والسودان وبقية دول المنطقة.

خروج جماعة إخوانية في هذا التوقيت عبرَ اسم جماعة العدل والإحسان، بعيداً عن تسمية الإخوان المسلمين، هو محاولة للابتعاد عن المخرجات الفاشلة لتجربة الإخوان
 

ويعدّ الحزب الإسلامي العراقي (تأسس عام 1960) واجهة تنظيم الإخوان المسلمين في البلاد، والممثل الوحيد عن العرب السُنة في بدايات العملية السياسية الجديدة التي أفرزها الاحتلال الأمريكي بعد سقوط نظام صدام حسين، في نيسان (أبريل) 2003، وهذا ما مكّنَ الحزب من الاستيلاء على مجمل المناصب الحكومية الخاصة في جغرافيا المكون السني، فضلاً عن منظومة الحكم التنفيذي والتشريعي في العاصمة بغداد.

اقرأ أيضاً: الاهتمام الفرنسي المتزايد بالعراق... هذه أبرز الأبعاد والأسباب

ورفضت الحكومة العراقية، في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، طلباً مصرياً، بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين، منظمة إرهابية، عازية رفضها إلى أنّ التنظيم الإخواني في العراق جزء من العملية السياسية الجارية.

تكتيك أم إفراز سياسي للجماعة؟

وتتصارع كلا الواجهتين الإخوانية على التمثيل الرسمي للجماعة في العراق، وذلك على الصعيد التنظيمي والمناكفات الداخلية، علماً بأنّ الحزب الإسلامي نفى مراراً ارتباطهُ بالتنظيم الدولي، إلا أنّ الأمين العام الأسبق للحزب، محسن عبدالحميد، أكّد أنّ حزبهُ يمثلُ واجهةً للإخوان المسلمين.

ويقول أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية في القاهرة الدكتور رائد العزاوي، إنّ "خروج جماعة إخوانية في هذا التوقيت عبرَ اسم جماعة العدل والإحسان، بعيداً عن تسمية الإخوان المسلمين، هو محاولة للابتعاد عن المخرجات الفاشلة لتجربة الإخوان في مصر والسودان وبقية دول المنطقة"، مبيناً أنّ "هذه الجماعة هي جزء من تكتيكات الحركة الإخوانية الدولية، بإنشاء أحزاب صغيرة تكون مظلة لها".

اقرأ أيضاً: بالأرقام... هذا هو مشهد الانتخابات العراقية المرتقبة

وابلغ العزاوي "حفريات" أنّ "هذا الظهور مهم جداً؛ لأنّ الساحة السياسية السنية شبه خاوية من قوى الإسلام السياسي السنّي، بالتالي، وتريد أن تعوض هذا الفراغ الذي جاء نتيجة وضع الحزب الإسلامي العراقي".

ومنذ انتخابات عام 2010، انخفضت مقاعد الحزب الإسلامي في البرلمان العراقي، من 28 مقعداً إلى سبعة مقاعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة؛ إذ ذهبت المقاعد السنية البرلمانية البالغة (60 مقعداً) لشخصيات عشائرية ومدنية ورجال أعمال.

الرعاية الدولية لتنظيم الداخل

طيلة العقد الماضي، استطاع الحزب الإسلامي العراقي،  كسبَ شخصيات سُنية متمدنة مثلتهُ حزبياً في مرافق السلطة المتقاسمة مع القوى الشيعية والكرد، وظلّ الحرس القديم ممسكاً بهيكل التنظيم، مانحاً المناصب الرئاسية لكوادرهِ المسماة بـ "التكنوقراط" على شاكلة طارق الهاشمي، الذي أصبح أميناً عاماً للحزب ونائباً لرئيس الجمهورية لدورتين، قبل أن يطيحه رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، بتهمة الإرهاب والسفر خارج البلاد، وأيضاً رافع العيساوي، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء، ولاحقهُ المالكي على غرار الهاشمي، وكذلك الأكاديمي سليم الجبوري الذي مثلَ الحزب في البرلمان الذي أصبح رئيسهُ في دورة (2014-2018).

اقرأ أيضاً: العراق يشن حرباً شعواء ضد الإرهاب... وأرقام صادمة لعدد المحكومين بالإعدام

ويقول مصدر مطلع لـ "حفريات"؛ إنّ "شباب الحزب فشل في كسر هيمنة الحرس القديم المتمثل في إياد السامرائي ورشيد العزاوي وأسامة التكريتي، على الأمانة العامة ومجلس الشورى"، مبيناً أنّ "المنافسة الشبابية أطيحَ بها مرتين لدى منافستها السامرائي والعزاوي على منصب الأمين العام في المؤتمرين الأخيرين".

وأكّد أنّ "الشباب ومعهم قيادات مخضرمة فكرت بتأسيس جماعة العدل والإحسان، في ظل رعاية إخوانية دولية لهذا التنظيم الناشئ تواً"، مشيراً إلى أنّ "واجهتين للإخوان المسلمين في العراق، أفضل من واجهة واحدة تعاني شعبياً وسياسياً جرّاء تجربتها السلبية في حكم المناطق السنية بعد عام 2003".

تناقضات في برنامج "العدل والإحسان"

وتتكون قيادة جماعة "العدل والإحسان" من قيادات منشقة عن الحزب الإسلامي، يتقدمهم الأمين العام الأسبق محسن عبدالحميد (عضو مجلس الحكم الانتقالي)، ونصير العاني (مدير عام سابق في رئاسة الجمهورية)، وصهيب الراوي (محافظ الأنبار الأسبق) فضلاً عن ثلاثة أعضاء في مجلس النواب العراقي، وعلى الرغم من هذه الأسماء البارزة إلا أنّ رئاسة الجماعة ذهبت لـ "إسماعيل النجم"، وهو قيادي إخواني في التنظيم الدولي، ويمتاز بعلاقات جيدة مع تنظيمات مصر وتركيا والسودان، ودول أخرى.

المحلل السياسي أحمد عباس لـ "حفريات": مصلحة المكوّن السُني ستكون مع أفكار العلمنة، ولا ننسى أزمة الحركات الإخوانية وفشل مشروعها في جميع دول المنطقة

ويتألف تنظيم الجماعة الجديدة من عدة مكاتب خاصة بالجوانب السياسية والصحية والاقتصادية والدينية والاجتماعية والثقافية، ووضعت المسميات الثلاثة الأخيرة، تحت مسمى دعوي أُطلِقَ عليهِ "جماعة التنوير".

وأعلنت الجماعة في برنامجها العام؛ أنّ هدفها "نشر الدعوة الإسلامية، عقيدةً وشريعةً ونظاماً وأخلاقاً، وفي إطار المنهج الجامع لفهم الإسلام المعتمد" على الكتاب والسنّة.

لكن ثمّة تناقض في برنامج الإخوان الجدد، حينما يؤكد السعي لـ "إصدار تشريعات وقوانين تضمن بناء دولة مدنية"، علماً بأنّ الدولة المدنية، لا سيما في كثير من قوانينها، أهمّها "الأحوال الشخصية" و"تعدد المصادر التشريعية"، تناقض قوانين العقيدة الدينية الإسلامية التي تتبناها الجماعة.

العمل في مساحة التمدّن السنّي

الآن يدور سؤال حول إمكانية العمل والنجاح للجماعة الجديدة في الساحة السياسية السُنية، لا سيما أنّ المجتمع بات يناهض قوى الإسلام السياسيّ، بنسختيها الشيعيةِ والسنّية، وفقاً لمخرجات الحكم في العراق.

ويرى الباحث السياسي أحمد عباس؛ أنّ "تأثير الأصولية الإسلامية الإخوانية عند المكوّن السنّي، كان محدوداً سياسياً، بسبب هيمنة أيديولوجية القومية العربية هناك، باعتبارها الخزان الرئيس لرفد السلطة في العراق، وتعطي المكون تبوؤاً في درجات المواطنة، باعتبار الكرد خارج نطاق هذه الرابطة، مع التشكيك بعروبة الأكثرية الشيعية". 

ويردف: "وبعد سقوط النظام السابق، مرّ المكوّن السنّي، في حالة هستيريا، عبرّتْ عن نفسها ليس بالحركة الأصولية الإخوانية، وإنما بالحركات الأكثر تطرفاً مثل تنظيمي القاعدة وداعش، ومن ثم أصبحت الحركة الإخوانية بين فكّي كماشة الفكر القومي والعشائري من جهة والحركات الأكثر تطرفاً من جهةٍ أخرى"، مبيناً أنّ "المكوّن يعيش حالة من ردّ الفعل القوية ضدّ التنظيمين الإرهابيين".

اقرأ أيضاً: العراقيون يستعيدون روح السخرية عشية الانتخابات

ويؤكّد عباس لـ "حفريات"؛ أنّهُ "من الممكن أن تحقق الحركة الإخوانية القديمة والجديدة بعض النجاحات المحدودة على المديات القصيرة القادمة، بناءً على الاستقطاب الموجود بين الشارعين الشيعي والسُني؛ لأنّ الإسلام السياسي الشيعيّ سيبقى مهيمناً خلال هذه الفترة". ويستدركُ قائلاً: "لكن على المديات الأبعد والإستراتجيات الأشمل، فلا أعتقد؛ لأنّ مصلحة المكوّن السُني ستكون مع أفكار العلمنة، ولا ننسى أزمة الحركات الإخوانية في جميع دول المنطقة".

براغماتية إخوان العراق

وفي العقد الأول على التغيير، صعّدَ الإخوان المسلمون في العراق، ضدّ نظرائهم من القوى السياسية الشيعية، وقد أفرزَ هذا التصعيد عن جبهتين سياسيتين، هما: "جبهة التوافق السنية" و"الائتلاف الشيعي الموحد"، وكلا الجانبين تقاسم السلطة مع الجانب الكردي، وبأفول "جبهة التوافق" التي شهدت انشقاقات عدة، اندمج الإسلام السياسي السُنّي انتخابياً مع قوى علمانية وشيعية مقرّبة من إيران، في المواسم الانتخابية الأخيرة.

فقد نزلَ القيادي الإخواني ورئيس البرلمان السابق، سليم الجبوري، بقائمة "الوطنية" التي يرأسها السياسي العلماني، إياد علاوي، أما أعضاء الحزب الإسلامي في محافظة الأنبار، فقد نزلوا بقائمة "النصر" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وتمكّنوا من قطف مقاعد القائمة في المحافظة، أما في المناطق المتداخلة طائفياً، بالتحديد محافظة بابل (100 كم جنوب بغداد)، فقد اختارَ الإخوان الترشيح ضمن قائمة الفتح الموالية لإيران، وقد حصدوا مقعداً واحداً عن المحافظة في البرلمان.

وفيما يتعلق بالانتخابات المزمع إجراؤها غداً الأحد، فقد نزلتْ عدة شخصيات إخوانية في قوائم متفرقة أيضاً، منها: تحالف "تقدم" برئاسة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وتحالف "عزم" برئاسة رجال الأعمال خميس الخنجر، المقرّب من قطر وتركيا، وتحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري الموالي لطهران.
 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية