"حفريات" ترصد مسار خطوات العسكريين القادمة في السودان

"حفريات" ترصد مسار خطوات العسكريين القادمة في السودان


26/10/2021

من الممكن توقع الخطوات القادمة لقادة الانقلاب العسكري في السودان، بناء على تحليل الخطاب الذي قرأه رئيس المجلس العسكري، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الفريق أول ركن، عبد الفتاح البرهان، خصوصاً في التعديلات التي أقرها على الوثيقة الدستورية.

 

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث في السودان؟.. آخر التطورات

وصبيحة أمس الإثنين، أفاق العالم على انقلاب عسكري على الحكومة المدنية في السودان، بقيادة البرهان، وعضو المجلس وقائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وبدعم من أطراف سياسية داخل قوى إعلان الحرية والتغيير، تعرف باسم جبهة "الميثاق الوطني" وتضم الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، وأحزاب سياسية أخرى.

قرارات الانقلاب

وفي خطاب موجه إلى الشعب، أعلن البرهان عن عدّة إجراءات، وهي: إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، والتمسك الكامل والالتزام التامّ بما ورد في الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لعام 2019، والتعديل اللاحق عليها وفق اتفاق سلام السودان الموقع في جوبا 2020، وتعليق العمل بالمواد (11، 12، 15، 16، (24-3)، 71، 72) من الوثيقة الدستورية.

تنصّ المادة (11 - 1) من الفصل الرابع من الوثيقة الدستورية، والذي يتناول "مجلس السيادة الانتقالي"، على أنّ "مجلس السيادة هو رأس الدولة ورمز سيادتها

وإلى جانب ذلك؛ قرر العسكريون حلّ مجلس السيادة الانتقالي، وإعفاء أعضائه، وحلّ مجلس الوزراء، وإنهاء تكليف ولاة الولايات، وإعفاء وكلاء الوزراء، وتكليف المدراء العامين في الوزارات والولايات بتسيير دولاب العمل. وفيما يتعلق بلجنة إزالة التمكين والتي كانت محلّ جدل كبير، تقرر تجميد عملها، حتى مراجعة منهج عملها وتشكيلها، على أنّ تكون قراراتها السابقة نافذة، مع خضوعها للإجراءات القانونية.

من خلال التعديلات السابقة، يتبين بجلاء أنّ هدف الانقلاب هو التخلص من ائتلاف قوى الحرية والتغيير "قحت"، وإلغاء دوره نهائياً في المرحلة الانتقالية

ولا تُطبق بعض هذه الإجراءات فيما يخص الالتزامات والاستحقاقات الناتجة عن اتفاق سلام السودان، جوبا 2020.

المواد المُعطلة من الوثيقة الدستورية

تنصّ المادة (11 - 1) من الفصل الرابع من الوثيقة الدستورية، والذي يتناول "مجلس السيادة الانتقالي"، على أنّ "مجلس السيادة هو رأس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى، ويتكون بالتوافق بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير (قحت)"، وتحدد الفقرتين (2 ، 3) كيفية تشكيل هذا المجلس، وتقاسم رئاسته بين المجلس العسكري وقحت، وكان المفترض تسليم رئاسة المجلس إلى المدنيين بعد مضي 21 شهراً من الفترة الانتقالية، تُحسب وفق تعديل الوثيقة في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، وكانت هذه الفقرة محل خلاف بين المدنيين والعسكريين، إذ أنّ بعض القوى المدنية طالبت بتسليم رئاسة المجلس السيادي إليهم بناء على احتساب مدة 21 شهراً من تاريخ التوقيع على الوثيقة في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، دون مراعاة لتعديلات الوثيقة.

 

اقرأ أيضاً: السودان: هل ينذر التصعيد الأخير بين المدنيين والعسكريين بموجة صراع جديدة؟

وتُحدد المادة (12) اختصاصات مجلس السيادة وسلطاته، وجرى الإبقاء على المواد (13، 14) وتتعلق بشروط عضوية مجلس السيادة، وفقدان عضوية المجلس، وكيفية تعويضها.

رئيس الوزراء السوداني المُقال، عبد الله حمدوك

وجرى تعليق العمل بالمواد (15، 16) وتدخل في القسم الخامس من الوثيقة بعنوان "مجلس الوزراء الانتقالي" وتتناول كيفية تكوين مجلس الوزراء، وتحديد اختصاصاته وسلطاته، وفي الفصل ذاته مازالت المواد رقم (17، 18) سارية المفعول، وتحدد شروط عضوية مجلس الوزراء، وفقدان عضوية المجلس.

وتندرج الفقرة (3) من المادة (24) والتي جرى تعليق العمل بها ضمن الفصل السابع "المجلس التشريعي الانتقالي"، وتحدد كيفية تكوين المجلس، وسبق وعُدلت هذه الفقرة بعد توقيع اتفاق جوبا للسلام. وتدخل المادتين (71، 72) ضمن الفصل السادس عشر، ويتناول "أحكام متنوعة".

إنتهاء دور قحت

ومن خلال التعديلات السابقة، يتبين بجلاء أنّ هدف الانقلاب هو التخلص من ائتلاف قوى الحرية والتغيير "قحت"، وإلغاء دوره نهائياً في المرحلة الانتقالية، بعد أنّ كان شريكاً أساسياً في مجلس السيادة وينفرد بالحكومة، وله دور مناصف للعسكريين في تعيين الولاة وتأسيس الأجسام السياسية الأخرى التي نصّت عليها الوثيقة، ولم تُشكل بعد، وهي: مفوضية كتابة الدستور، ومفوضية الانتخابات، ومجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الدستورية، ومجلس النيابة، والتي وعد البرهان في خطابه بإنجاز تشكيلها قبل نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

يأتي الإبقاء على هذه اللجنة المثيرة للجدل، كرسالة واضحة بالتزام العسكريين بتفكيك النظام البائد، وقطع تامّ لأي دور له في المرحلة المقبلة تحت إشرافهم

وبناء على ذلك لم يعد لقحت وجود في الحياة السياسية السودانية، وسيدير البلاد المجلس العسكري الانتقالي، بعد تعطيل المادة (71) والتي تقول "اُستمدت أحكام هذه الوثيقة الدستورية من الاتفاق السياسي لهياكل الحكم في الفترة الانتقالية بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، وفي حالة تعارض أي من أحكامهما تسود أحكام هذه الوثيقة"، وهو أمر أكده البرهان صراحةً في خطابه الثاني اليوم الثلاثاء، مع فتح الباب أمام الأحزاب السياسية منفردةً أو بتكتلات جديدة للمشاركة والرقابة على الفترة الانتقالية.

عودة المجلس العسكري الانتقالي

وبتعطيل العمل بالمادة رقم (72) والتي تنصّ على "يُحل المجلس العسكري الانتقالي بأداء القسم الدستوري من قبل أعضاء مجلس السيادة"، بات مرجحاً بقوة أنّ يُعاد الإعلان عن المجلس العسكري، وإعادة اجتماعاته، وتسلمه سلطات وصلاحيات مجلس السيادة الانتقالي، وسيجرى إعادة تشكيل مجلس سيادة انتقالي جديد، لكنّ دون صلاحيات وسلطات عليا بعد إلغاء المواد (11 ، 12) والتي كانت تنصّ على كيفية تشكيله وصلاحياته وكوّنه أعلى سلطة تنفيذية في البلاد.

تشكيل مجلس سيادة جديد

ولهذا فمن المؤكد إعادة تشكيل مجلس سيادة تكون الهيمنة فيه للعسكريين، يحكمون البلاد من خلاله، وهو خيار سيجعلهم في الواجهة لكن دون هيئة عسكرية واضحة مثل المجلس العسكري، ويدعم ذلك الإبقاء على المواد (13، 14) حول شروط عضوية مجلس السيادة، وفقدان عضوية المجلس، وكيفية تعويضها، ولا تتضمن أية إشارة لقحت أو تحدد أنصبة وحصص لأي طرف.

قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي

ووفق الوثيقة الدستورية، يجب تشكيل مجلس سيادة حتى بعد إلغاء صلاحياته الواسعة، كوّن الفقرات رقم (25 - 2) و (25 - 3) تنصّ على الآتي بالتتابع "في حال سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء على المجلس التشريعي الانتقالي تسمية رئيس مجلس الوزراء ويعتمده مجلس السيادة" و"إلى حين تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي، تؤول سلطات المجلس لأعضاء مجلسي السيادة والوزراء يمارسونها في اجتماع مشترك، وتتخذ قراراته بالتوافق أو بأغلبية ثلثي الأعضاء." وهو ما أكده البرهان في خطابه اليوم الثلاثاء، بقوله "سيتم تشكيل مجلس سيادة جديد من جميع السودان".

حكومة تحت السيطرة

وكان البرهان أعلن في خطابه عن تشكيل حكومة مستقلة من كفاءات، تراعي جميع القوى السياسية والقبلية والمناطقية، وبتعطيل العمل بالمواد رقم (15، 16) تصبح اليد العليا للعسكريين في تشكيل الحكومة، وذلك بعد إلغاء النصوص التي تقول في فقرة (15 - 1) "يتكون مجلس الوزراء من رئيس وعدد من الوزراء لا يتجاوز العشرين من كفاءات وطنية مستقلة بالتشاور، يعينهم رئيس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان الحرية والتغيير، ويعتمدهم مجلس السيادة، عدا وزيري الدفاع والداخلية اللذين يرشحهما الأعضاء العسكريون بمجلس السيادة".

 

اقرأ أيضاً: هذه رسالة البرهان إلى السودانيين بعد فترة التوترات... تفاصيل

وفي فقرة (15 - 2) المُعطلة "تختار قوى إعلان الحرية والتغيير رئيس مجلس الوزراء، ويعينه مجلس السيادة"، وفقرة (15 - 3) تجعل المجلس مسؤول أمام المجلس التشريعي الانتقالي - لا يوجد بعد - وبهذا لم يعد لقوى إعلان الحرية والتغيير "قحت" دور بأي شكل بعد إلغاء منحها الشرعية للوثيقة الدستورية، وإلغاء دورها في الحكومة والمجلس السيادي وكذلك في المجلس التشريعي الانتقالي.

مراجعة قرارات لجنة إزالة التمكين

وقال البرهان "تجميد عمل لجنة إزالة التمكين، حتى مراجعة منهج عملها وتشكيلها، على أنّ تكون قراراتها السابقة نافذة، مع خضوعها للإجراءات القانونية". ويعني ذلك إعادة السلطة للقضاء لبحث الاستئنافات والطعون المقدمة ضد قرارات اللجنة، بعد أن كانت تتمتع بوضع قانوني خاص، يحميها من الطعون القضائية، وهو ما تحداه القضاء حين حكمت المحكمة العليا لصالح أعضاء من النيابة العامة قامت اللجنة بفصلهم.

قحت – جناح الميثاق الوطني المؤيد للانقلاب

ومن المتوقع استئناف عمل اللجنة، وفق خطاب البرهان، إلى جانب نصّ الوثيقة الدستورية على وجودها في المادة رقم (8 - 15) بعنوان "مهام الفترة الانتقالية" وهي مهما تلتزم أجهزة الدولة بإنفاذها وفق الوثيقة.

ويأتي الإبقاء على هذه اللجنة المثيرة للجدل، كرسالة واضحة بالتزام العسكريين بتفكيك النظام البائد، وقطع تامّ لأي دور له في المرحلة المقبلة تحت إشرافهم، وهو أمر يبدو صحيحاً، وأكده البرهان في خطابه الثاني بعد الانقلاب "نؤمن بعمل لجنة إزالة التمكين".

المجلس التشريعي الانتقالي

وتتعلق الفقرة رقم (24 - 3) المُعطلة بالمجلس التشريعي الانتقالي، وتقول "يتكون المجلس التشريعي الانتقالي بنسبة 67% ممن تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير، ونسبة 33% للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير، والتي يتم تسميتها وتحديد نسب مشاركة كل منها بالتشاور بين قوى الحرية والتغيير والأعضاء العسكريين في مجلس السيادة". وكانت تلك الفقرة عُدلت بموجب اتفاق جوبا للسلام، وأُضيف إليها "ويُمثَل أطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان بنسبة 25% والتي تساوي 75 مقعداً من عدد المقاعد الكلي البالغ 300 مقعداً.

 

اقرأ أيضاً: احتجاجات السودان: هل يحاول فلول الإخوان الانقلاب على حكومة حمدوك؟

بموجب ذلك، سيتم تشكيل مجلس تشريعي انتقالي وفق رؤية جديدة، لا وجود لقحت فيها، ودون حصص لأي طرف سياسي، وكان البرهان قال في خطابه "وسنشرك الشباب والشابات الذين صنعوا هذه الثورة في قيام برلمان ثوري يراقب ويقف على تحقيق أهداف ثورته التي ضحى لأجلها رفاقه واخوانه."

ولم يتمّ المساس بصلاحيات المجلس التشريعي الانتقالي، ومن أهمها: سنّ القوانين والتشريعات، ومراقبة أداء مجلس الوزراء، وسحب الثقة من المجلس، واختيار بديل لرئيس الحكومة المسحوب منه الثقة، وإجازة الموازنة العامة للدولة، والمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية والثنائية، وسنّ التشريعات واللوائح.

البرهان وحميدتي في زيارة لسلاح المدرعات عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة مطلع الشهر

ويدعم السيناريو عدة عوامل منها: عدم قدرة وربما نية العسكريين الانفراد بحكم البلاد، لطبيعة الجيش والقوى السياسية والاجتماعية في السودان، ولهذا فمن العملي تكوين سلطة سياسية جديدة لها شرعية ممن لهم صلات طيبة بالعسكريين وشعبية ذات وزن، وسيمنح ذلك الثقة في الداخل لدى قطاعات شعبية واسعة من غير المسيسيين، ويساعد على احتواء الغضب الشعبي، خصوصاً إذا وافق عبد الله حمدوك على تشكيل الحكومة الجديدة، وهو أمر مُحتمل.

والعامل الثاني يتعلق بالمجتمع الدولي، فوجود مجلس سيادة في الصورة، بجانب حكومة مستقلة، ومجلس تشريعي انتقالي بصلاحيات كاملة، يساعد على امتصاص الغضب الدولي، بسبب وجود الهيئات الديمقراطية التي نصّت عليها الوثيقة الدستورية، التي تعهد البرهان بالالتزام بها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية