حل الذراع الإخواني في تركيا وسقوط الطابع الوظيفي للإخوان

حل الذراع الإخواني في تركيا وسقوط الطابع الوظيفي للإخوان


06/07/2021

منذ بدأت تركيا حوارها "الاستكشافي" مع مصر، تفاقمت أوضاع جماعة الإخوان، والعناصر المحسوبة على تيارها؛ حيث عمدت السلطات التركية في سبيل التقارب مع القاهرة ودول الخليج؛ إلى تقليص الأنشطة الإعلامية الإخوانية المختلفة، ووقف كافة البرامج السياسية، التي تبث عبر منصات موجودة في أنقرة، خاصّة وأنّها تورطت في التحريض على العنف، وذلك إلى جانب ترحيل بعض العناصر المنتمية للتنظيم، المصنّف في مصر وعدد من الدول العربية ضمن قوائم الإرهاب.

اقرأ أيضاً: المصالحة التركية المصرية.. هل يرغب أردوغان فعلاً بالتخلي عن الإخوان؟

وفي خطوة أخرى تضع التنظيم أمام مآلات صعبة، تم حل مجلس شورى الجماعة في تركيا، حسبما أعلن القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان، إبراهيم منير، كما تم الإعلان رسميّاً عن تأجيل الانتخابات الداخلية، المزمع إجراؤها، خلال الشهر الحالي، بهدف اختيار أعضاء مجلس الشوري العام، لمدة 6 أشهر.

الأدوار الوظيفية قد تطيح بالتنظيم

إذاً، تبدو الجماعة تعاني من سيولة في المواقف، تهدد كيانها التنظيمي، لا سيما في ظل الصراع المحتدم داخليّاً بين قيادات التنظيم، والذي يشهد تصدعات عديدة، الأمر الذي تبدو انعكاساته على القواعد في انفلاتها المستمر، ولذلك يرى مدير المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، العميد خالد عكاشة، في معرض رده على سؤال حول دلالات قرار الجماعة بحل التنظيم في تركيا، أنّ ذلك يكشف بجلاء عن عمق الأزمة التي يعاني منها التنظيم، جراء علاقته التي تعارضت مع أنقرة، بفعل عدد من الاعتبارات المتنوعة، سواء على المستوى الإقليمي، أو ما يرتبط بعلاقات أنقرة مع القاهرة.

ويردف عكاشة في تصريحاته لـ"حفريات" قائلاً: "رغم الطبيعة المراوغة للنظام التركي، الذي حاول غير مرة اختزال نقاط الخلاف العديدة، ما بينه وبين القاهرة، في ملف الإخوان، واختزال الملف كله في بعض التعليمات، التي صدرت بحق بعض الممارسات الإعلامية المزيفة والغريبة، إلا أنّ القاهرة تواصل رسميّاً في أكثر من مناسبة، تأكيدها أنّ الملف الليبي يمثل أولوية، وكذلك التواجد التركي في كل من سوريا والعراق، ومجمل الممارسات التركية في هذه البلدان، فضلاً عن ملف شرق المتوسط، وجميعها قضايا حيوية لمعادلات مصر الإستراتيجية".

 

خالد عكاشة: القرار الأخير سيعمق من الأزمة التي يعاني منها التنظيم، ولن تستطيع الجماعة الصمود أمام التداعيات الخطيرة، خاصّة في ظل التلاسن المتتابع بين قيادات الجماعة، وتبادل الاتهامات فيما بين الأجنحة

 

وعليه كانت القاهرة مدركة لـ"المراوغات" التركية، بحسب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، بينما لم تمنح ممارساتها القدر اللافت من رد الفعل، وطرحت ما ارتأته مناسباً وملائماً في تقديرها، والمتمثل في تخلي النظام التركي الرسمي  كاملاً عن دعم مشروع الإسلام السياسي، المتمثل في الإخوان، واعتبار أنّ هذا التنظيم جماعة إرهابية، كما أنّ الأخيرة أضحت عبئاً ثقيلاً على النظام السياسي في أنقرة.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ التطورات بعد حلّ مكتب إخوان تركيا؟

يختتم عكاشة تصريحاته مؤكّداً أنّ القرار الأخير لا شك أنّه سيعمق من الأزمة التي يعاني منها التنظيم، ولن تستطيع الجماعة الصمود أمام التداعيات الخطيرة، خاصّة في ظل التلاسن المتتابع بين قيادات الجماعة، وتبادل الاتهامات فيما بين الأجنحة، سيما جناح تركيا وجناح لندن.

ورقة الإخوان تفقد أهميتها

ومن جانبها تطرح الدكتورة دلال محمود، الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة، تقديرها حول قرار الجماعة الأخير، الخاص بتعليق أنشطتها في تركيا، والرحيل لدول أخرى، مؤكدة  لـ"حفريات" أنّ: "هذا القرار يأتي استجابة لرغبة تركيا في هذه المرحلة، التي تحاول فيها الحكومة التركية أن تحقق هدفين؛ الأول يتمثل في "تحسين صورتها الخارجية أمام المجتمع الدولي، خاصّة أوروبا، بالحد من ارتباطها بتنظيم الإخوان، فهناك اتجاه قوي داخل أوروبا، تقوده فرنسا، لمواجهة حركات الإسلام السياسي، والتي يرتبط أغلبها بدرجات مختلفة بالإخوان، كما تم كشف أهداف وأساليب الإخوان في عدة دول، وميلهم للعنف، كما ظهر في تونس وليبيا، بالإضافة إلى الإشارة المتكررة للعلاقات الوطيدة بين حكومة تركيا والإخوان، وهو ما يضيف علامات الاستفهام حول أيديولوجيا هذه الحكومة، ومدى ديمقراطيتها أو "عثمانيتها"".

الهدف الثاني، بحسب الاستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، يظهر في المحاولات التركية الحثيثة للتقارب مع مصر، والمؤشرات قوية وعديدة في هذا الاتجاه، وكانت هناك جولة قريبة من المباحثات قام بها وفد تركي زار القاهرة، التي اعتبرت هذه المباحثات استكشافية؛ لبحث فرص عودة تطبيع العلاقات مع تركيا، وانتهت المباحثات بما يشبه تحفظ تركي، على ما اعتبرته أنقرة شروطاً مصرية، ولكن حرص تركيا على عودة العلاقات الطبيعية مع مصر؛ لتحقيق مصالح أخرى لها في المنطقة، كان أكثر أهمية من الدعم المباشر للإخوان، ما يمكن أن يدفعها للتخلص الظاهري من عبء الجماعة على كاهلها.

البحث عن ملاذات جديدة

قرار إبراهيم منير، يعكس مأزقاً تمر به الجماعة، يعمق من التحديات التي تعصف بها، ويجدد موضوع مدى تماسك الجماعة، ويزيد من تعرضها للانشقاقات والانقسامات، خاصّة على مستوى شباب الجماعة، الذين لم يكونوا مقتنعين أو راضين عن قرارات قادة الجماعة، أكثر من مرة، وكذلك كانوا متحفظين على تسمية القائم بأعمال المرشد للجماعة، ويضاف إلى ذلك أنّ مكتب لندن سوف يواجه معضلة؛ إذ قد لا تتناسب تماماً طبيعة عمل التنظيم الدولي، مع المجتمع البريطاني.

اقرأ أيضاً: تركيا تشن حرباً استباقية.. كواليس حل المكتب الإداري للإخوان المسلمين

ومن ناحية أخرى، فإنّ هذا القرار الذي اتخذه إبراهيم منير، يعد إعلاناً ضمنيّاً بأنّ إخوان تركيا، في حاجة للانتقال لمناطق أخرى، تتيح لهم حركة حرية وسهولة في الاتصالات بين فروع التنظيم، وهنا يمكن الإشارة إلى كندا، وبدرجة أقل الولايات المتحدة الأمريكية وربما تنشيط بعض فروع التنظيم في آسيا.

 

دلال محمود: حرص تركيا على عودة العلاقات الطبيعية مع مصر؛ لتحقيق مصالح أخرى لها في المنطقة، كان أكثر أهمية من الدعم المباشر للإخوان

 

وإلى ذلك، ثمة تقديرات مغايرة لدى سعيد شعيب، مدير المعهد الكندي للإسلام الإنساني، وذلك في ما يتصل بالتطورات الأخيرة داخل تركيا، ورعاية الجانب التركي للجماعة؛ إذ يرى أنّه في الغالب فإنّ أحد الشروط لتطبيع العلاقات مع القاهرة، سيكون التخلي عن رعاية الإخوان، ولكن هذا لا يعني أبداً تخلي إخوان تركيا بقيادة أردوغان عن إخوان مصر، أو تخليه عن المشروع الإخواني في الشرق الأوسط والعالم، وهو إقامة دولة الإسلام، ومن بعدها الخلافة، فهذا تراجع تكتيكي.

اقرأ أيضاً: هل حسمت تركيا قرار التخلص من الإخوان؟

ويردف شعيب في تصريحات خصّ بها "حفريات": "من المهم التأكيد علي التعاون الوثيق بين الإخوان الأتراك، الموجودين في كل مكان في العالم، مع عناصر التنظيم الأخرى الموجودين في كل مكان في العالم، خاصّة في دول مثل؛ ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية. ويشارك إخوان أتراك في مجالس إدارات العديد من المراكز الإسلامية الأمريكية، وقد اجتمع أدروغان بهم جميعاً، في إحدي زياراته للولايات المتحدة منذ عدة أعوام".

ويضاف إلى ذلك "التعاون عبر الملحقيات الدينية في السفارات التركية، في كل مكان في العالم، والتي يستخدمها نظام أردوغان في العديد من الأعمال المخابراتية، منها مراقبة معارضيه، ومنها صناعة شبكة إخوانية تركية حول العالم. وقد أصدرت المخابرات الألمانية، على سبيل المثال، العديد من التقارير، التي تحذر من هذا التواجد التركي؛ بل وتحذر أعضاء البرلمان من أنشطة التجسس التركية". وفق شعيب.  

سعيد شعيب: القرار الذي اتخذه إبراهيم منير، يعد إعلاناً ضمنيّاً بأنّ إخوان تركيا، في حاجة للانتقال لمناطق أخرى، تتيح لهم حركة حرية وسهولة في الاتصالات بين فروع التنظيم

وبسؤاله حول الدلالة المباشرة والمبطنة، لحل المكتب الإداري للإخوان في تركيا يقول: "في كل مكان يوجد فيه مسلمون، تتحرى الجماعة الإسلاموية الحضور والنشاط؛ للتأثير وأدلجة المجتمع المسلم وجذبه لها، والسبب أنّ المؤسسات الدينية والمساجد التابعة للتنظيم، تُعلم المسلم الأيديولوجيا الإخوانية، وهي أنّ الإسلام ليس ديناً، ولكن "دولة وخلافة"؛ أي لابد أن يحكم ويتحول إلى امبراطورية استعمارية، تجتاح العالم. ولذلك فليست لدى الإخوان مشكلة في الانتقال من تركيا إلى أيّ بلد في أمريكا الشمالية، أو أمريكا اللاتينية"، والدولة الأكثر ترشيحاً لتكون منبراً لنشاطاتهم هي كندا، وذلك للتواجد الكثيف والمنظم للإخوان هناك، فوزير النقال الكندي، عمر الغبرا، وصفه موقع الجزيرة الإنجليزي، بأنّه من كبار قيادات الإخوان، كما أنّ الطبيعة القانونية للدول الغربية، تتيح مساحة حرية عالية لعملهم، دون أن تستطيع الحكومات اتخاذ إجراءات ضدهم لوقفهم، ولن يؤثر هذا على التنظيم، بحسب شعيب، بل سيزداد قوة في الغرب، طالما أنّه لا توجد مراكز إسلامية تواجههم وتتصدى لهم".

الصفحة الرئيسية