خبراء تونسيون يكشفون أسباب فشل الحوار بين الفرقاء في ليبيا

خبراء تونسيون يكشفون أسباب فشل الحوار بين الفرقاء في ليبيا


23/11/2020

بعد مرور أكثر من 10 سنوات من الفوضى وإراقة الدماء بليبيا، فشلت حلقات مسلسل جولات الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، والتي انطلقت في العاصمة التونسية يوم الثامن من الشهر الجاري، في تحقيق رؤية موحّدة حول الحكم بليبيا واستعادة سيادة البلد والشرعية الديمقراطية، بسبب مصالح  وحسابات الأطراف المتنازعة على ثرواتها.

أردوغان يحلم بإحياء الإمبراطورية العثمانية، من خلال مواجهة الأسد ومجابهة الأكراد في شمالي سوريا، ثم بسط نفوذه السياسي والاقتصادي بليبيا، مدعوماً بقطر عسكرياً ولوجستياً

 وتذهب التحليلات السياسية في هذا الجانب، إلى أنّ الاستقطاب الإقليمي والتنافس الدولي بين إيطاليا وفرنسا مثلاً على إدارة التسوية السياسية من ناحية، والحروب بالوكالة وصراع الشركات العالمية على ثروة البلاد النفطية، كصراع شركات 'توتال' و'إيني' و'بريتش بتروليوم'، ومطامع تركيا أردوغان في غاز شرق المتوسط وليبيا من ناحية أخرى، كانت الأسباب الحقيقية الخفية وراء فشل الحوار الليبي.

أطماع وحسابات دولية

كل هذه المصالح والحسابات الدولية التي اصطدم بها الحوار الليبي، كانت تغذي الفرقاء السياسيين بليبيا حول قيادة السلطة، الذي كان يشغلهم فقط غرورهم حول قيادة السلطة، أكثر من قضية الوطن، لذلك كان التنافس على رئاسة الحكومة بين أربعة مرشحين من مصراتة ذات الثقل العسكري والاقتصادي في ليبيا، أبرز الأسباب التي أجهضت فشل الحوار، وساهمت في تأجيج الخلاف.

 كما تؤكد عدة منظّمات أنّ بعض القوى السياسيّة أو العسكريّة المشاركة كانت ممثّلةً دون المستوى المطلوب، فيما يعتبر محللون أنّ من يقود خيوط اللعبة ويمسك بها هي الأطراف الدولية التي تظهر بثوب الوديع الذي يبحث عن السلام، وأنّ قطر وتركيا تحاولان الانقلاب على أي تفاهمات جدية قد تشهدها ليبيا، وهو ما جعل عملية السلام معقدة.

ويرى المحلل الإعلامي والسياسي محمد بوعود في هذا الشأن، أنّ الحوار الليبي لم ينته إلى نقاط واضحة ومحددة، بقدر ما أبقى الباب مفتوحاً لكثير من القراءات، لعل أهمها تلك التي تذهب في اتجاه التأكيد على أنّه فشل، ولم يصل إلى أهدافه ولم يخرج بعد أسبوع كامل من المداولات إلا بقرار يتيم، من الصعب جداً أن يتحقق، وهو إجراء انتخابات مطلع السنة القادمة.

المحلل الإعلامي والسياسي محمد بوعود

ويعتقد بوعود في تصريحه لـ"حفريات" أنّ هذا الفشل يعود إلى أربعة أسباب رئيسية، هي أولاً عدم نضج القرار الوطني الليبي بالشكل الذي يجعله قابلاً لتقديم التنازلات وجاهزاً لتبادل الآراء في أجواء مصالحة حقيقية، خصوصاً أنّ أغلب الفرقاء الذين حضروا المؤتمر لم يكونوا في الحقيقة إلا ممثلين لإرادات خارجية تسيّر أغلبهم بالريموت كونترول، ولم يكونوا فعلاً يعبّرون عن الطبقة السياسية الليبية التي من المفترض أن تكون قد أنضجتها عشر سنوات من المحنة وجعلتها قابلة للتوافق على الحل.

وتابع : "السبب الثاني يكمن في تعمّد الأمم المتحدة تغييب طيف واسع من الشعب الليبي، والاقتصار على القائمة التي اختارها الفريقان في الشرق والغرب، ولم تسع السيدة ستيفاني ويليامز إلى البحث عن الشخصيات الممثلة فعلاً لقوى شعبية وجهوية وقبلية حقيقية، ولم تبحث إلا عن تحقيق نجاح دبلوماسي يعزز مسيرتها في الفعل الأممي، وتركت مهمة اختيار الممثلين لجهات لا تبحث حقيقة عن الحل.

وبحسب بوعود فإنّ من أهم الأسباب الأخرى، غياب القوى الماسكة بالأرض، أي الميليشيات المسلحة وقادة الفرق النشيطة، ومفاصل السلطة في طرابلس وبنغازي، وتبرمهم من الحوار منذ انطلاقه وعدم ترحيبهم به وسعيهم لإفشاله (فيديو لصلاح بادي وتصريح لفتحي باشاغه)، وهذه القوى الحاملة للسلاح والمتحكمة بالأرض من الصعب جداً أن تنصاع لقرارات لم تشارك هي في صنعها أو صياغتها.

اقرأ أيضاً: الميليشيات المسلحة في ليبيا: تآكل الدولة والسيادة وانسداد الآفاق

 وأوضح  بوعود في تصريح لـ "حفريات" أنّ تواصل سيطرة القوى الأجنبية على ردهات الحوار وتحكمها في المتحاورين، وتدخلها السافر في الشأن الليبي، مع إظهار عدم رضاها عن الحوار أصلاً  على غرار تركيا وقطر وفرنسا وسعيها بكل الوسائل إلى إفشاله من خلال عناصرها الموجودة داخله أو من خلال التصريحات الإعلامية التي تلمّح إلى عواقب غير مضمونة لأي اتفاق لا يراعي مصالحها في ليبيا،  هو أحد أهم أسباب فشل الحوار بين الفرقاء الليبيين، مشيراً إلى أنّ "الحوار بصيغته الحالية، وبشروطه التي لم تكتمل، وبتركيبة المتحاورين وانتماءاتهم، سوف لن يؤدي إلى نتائج حقيقية ملموسة، حتى إذا تواصل في جولات أخرى".

من جانبه، أبلغ المحلل السياسي عبد الجبار المدوري "حفريات" أنّ سبب فشل  حوار ليبيا في تونس، يتمثل أولاً في عدم التوازن في التمثيل السياسي في قائمة الحضور باستبعاد شخصيات وطنية فاعلة من قائمة الحضور؛ سواء ممن شارك أو يؤمن بحراك شباط (فبراير) 2011 غير المسلح، أو حتى من لا يزال متمسكاً بحراك أيلول (سبتمبر) 1969 غير المسلح، مشيراً إلى أنّ اللعبة السياسية مربوطة بالتدخل الخارجي والأجنبي بطرابلس.

ويضيف  المدوري أنّ التوصل إلى حل بين الفرقاء السياسيين بليبيا، لا بد أن يكون على ثوابت وقواعد سياسية لا تستثني المنظمات حتى لا تتحول إلى نسخة معدلة لاتفاق الصخيرات السابق، والذي تمّ خرقه في أغلب بنوده، ولم يحقق أي استقرار في ليبيا.

مصالح تركيا وقطر على الخط

تركيا التي تحاول أن تُلبس نفسها جُبّة الإمبراطورية العثمانية والظهور بوجه الدولة التي تحمي الإسلام والمسلمين، وترعى مصالحهم وتدافع عنهم ضد كل أطماع شياطين العالم الاقتصادي، بات مفضوحاً مشروعها الداخلي بليبيا التي تتعرض إلى مشروع إبادة جماعية، تحركه الخلافات الداخلية، وتدعمه قطر وتركيا بالسلاح بحسب متابعين للملف الليبي.

واُعتبر حوار السلام بتونس بداية إخفاق لأردوغان في ليبيا، حيث أنّه منعه من تنفيذ خططه بالهجوم على سرت والجفرة عسكرياً، للاستيلاء عليها وعلى كل منطقة الهلال النفطى، وحرمه من الاستيلاء على قدر من الموارد البترولية الليبية، كما خطط لذلك واستهدفه، وفى ذات الوقت يجهض خططه لإقامة قواعد عسكرية تركية في الأراضي الليبية، لذلك فإنّ المساعي لإفشال الحوار كانت حثيثة عبر إشعال نيران الفتنة الداخلية.

الإعلامي محمد بوعود لـ"حفريات": أغلب الفرقاء الذين حضروا المؤتمر لم يكونوا في الحقيقة إلا ممثلين لإرادات خارجية تسيّر أغلبهم بالريموت كونترول

في هذا السياق، يصف الناطق الرسمي باسم حركة الشعب المعارضة زهير المغزاوي في تصريح لـ"حفريات" التدخل التركي في ليبيا بالاحتلال والاستعمار الجديد من قبل أردوغان لمنطقة الشرق الأوسط للاستحواذ على ثروات بلد غني بالنفط وبمخزون مهم من الغاز، ويتاخم طرق تجارية مهمة في البحر المتوسط، مع محاولة تقليم دور دول الجوار.

 المغزاوي يعتقد أنّ أردوغان يحلم بإحياء الإمبراطورية العثمانية، من خلال مواجهة سوريا وإسقاط نظام الأسد في دمشق واستبداله بنظام سني حليف من خلال مجابهة الأكراد في شمالي سوريا، ثم بسط نفوذه السياسي والاقتصادي بليبيا، مدعوماً بقطر عسكرياً ولوجستياً.

ويرى المغزاوي أنّ تركيا المشاركة في حرب أهلية بالوكالة في ليبيا وبقية الدول الأخرى، توضح أنّ معالجة مسألة انقسام ليبيا وجذور الأزمة بين المعسكرين المتصارعين لن تكون بالحل العسكري لحسم الأزمة لصالح أي طرف، لتوازن القوى العسكرية المتقاتلة.

أي حل للأزمة الليبية؟

الحوار السياسي الليبي، رغم أنّه كشف عمق  الخلافات بين الأطراف المشاركة للتوصل إلى حل شامل للأزمة، وحجم الخلاف حول وثيقة البرنامج السياسي، غير أنّه أثبت أنّه مازال هناك بصيص من النور لإنهاء فتيل الحرب بليبيا الممزقة.

ويرى الصحفي محمد علي لطيفي في تصريح لـ"حفريات" أن" تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع بليبيا ممكن شرط إيقاف الحرب المسلحة التي تستنزف جهود السلام، لافتاً إلى أنّ وجود جماعات مسلحة مقربة من تركيا تقاتل في ليبيا، والاستعانة بعدة آلاف من المرتزقة، قد يعجّل بنهاية  مسار الحوار والسلام قبل أن تبدأ، خاصة في ظل تورط أطراف النزاع بإخضاع القرار الليبي ومقدرات البلاد للعديد من القوات الخارجية، وعدم توحيد مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية. 

ويؤكد اللطيفي أنّ الحل السياسي تحت إشراف الأمم المتحدة، قلما تكون نتائجه مختلفة عن مخرجات مؤتمر برلين، وإعلان القاهرة واتفاق الصخيرات، وأنّ شرط نجاح هذه المبادرة أن تكون بنودها الأساسية، العمل على تفكيك الميليشيات والمرتزقة، وطي صفحة الصراع والاقتتال الداخلي، وهو ما لم يكن واضحاً في اتفاق عمليات السلام.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية